ثلاثة ملفات تواجه السلطة الفلسطينية مع جولة المبعوث الأميركي جورج ميتشل التي بدأت أمس. الجولة سجلت رقماً قياسيّاً إذ بلغت العدد 22 ويرجح أن تتراكم رقميّاً من دون التوصل إلى نتائج إيجابية ملموسة على رغم وعود الرئيس باراك أوباما وطموحه بتحقيق اختراقات على مستوى الأمن وتحديد خطوط الحدود النهائية للدولة الموعودة.
احتمال الفشل هو المرجح لأن جولات ميتشل تخوض سباقاً مع الزمن الذي يبدو أنه أصبح يميل إلى مصلحة الاحتلال الإسرائيلي ومشروعاته الميدانية والتشريعية والتقسيمية.
الملف الأول الميداني يتمثل في مخططات استيطانية جديدة في حي الشيخ جراح في القدس (200 وحدة استيطانية) وهدم منازل لبناء فندقين من 1400 غرفة في منطقة جبل المكبر، إضافة إلى خطة شاملة تقضي ببناء 20 ألف وحدة سكنية حتى العام 2020.
الملف الثاني التشريعي يتمثل في مشروع قانون يتوقع أن تقره الحكومة الإسرائيلية يحول دون لمِّ الشمل للعائلات الفلسطينية ويقضي باشتراط منح المواطنة لكل من يقسم يمين الولاء لـ «إسرائيل» بوصفها دولة يهودية والتزامه احترام قوانينها، الأمر الذي يهدد بسحب جنسيات المواطنة من آلاف العائلات وإجبار الفلسطينيين على التماهي مع مشروع الاحتلال.
الملف الثالث التقسيمي يتمثل في خطة سيتقدم بها وزير الخارجية افيغدور ليبرمان إلى الحكومة الإسرائيلية وتقضي بسلخ قطاع غزة عن الضفة الغربية وعزل السلطة الفلسطينية ومنعها من التعاطي مع القطاع لكونه أصبح منطقة حرة تتمتع بصلاحيات مستقلة بعيداً عن الاحتلال ومشروع الدولة الموعودة.
الملفات الاستيطانية والتشريعية والتقسيمية الثلاثة خطيرة للغاية لأنها في مجموعها تنهي الكثير من المقومات الضرورية لتأسيس دولة مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة. الأول يوسع دائرة الاحتلال ويدخل المزيد من الأراضي الفلسطينية ضمن خط الحدود المحتل في العام 1967. الثاني يحدد هوية الدولة الإسرائيلية بشروط الانتماء الديني ما يعرض الديانات الأخرى للتفرقة العنصرية والتمييز بين المواطنين على أساس الولاء الديني باعتبار «اليهودية» تخص فئة واحدة وتعزل الفئات الأخرى عن الهوية الجديدة للدولة الإسرائيلية. والملف الثالث انفصالي لأنه يقضي بفك الارتباط بين غزة والضفة ويعطي القطاع صفة «الكيان المستقل» ما يرفع المسئولية عن الاحتلال ويجرد السكان من حقوقهم والمطالبة بالعودة أو التعويض.
الملفات الثلاثة خطيرة وهي كما يبدو غير قابلة للاحتواء سواء من خلال مفاوضات «غير مباشرة» أو «مباشرة» أو من خلال جولات المبعوث الأميركي الذي فشل في الرد على أسئلة بسيطة تتعلق بوقف الاستيطان وتعيين مرجعية دولية وتحديد سقف زمني للتفاوض وتوضيح نقاط تتصل بالحدود النهائية والأمن والمعابر وطرق الاتصال بين الضفة والقطاع.
مشروعات الاستيطان التي لم تتوقف أصلاً تبدو مرشحة للنمو والتصاعد والتضخم بعد انتهاء فترة التجميد في سبتمبر/ أيلول المقبل. ومشروع «التهويد» الذي طرحه جورج بوش خلال زيارته بمناسبة مرور 60 عاماً على تأسيس «الدولة» تحول إلى ذريعة للفرز الديني بين حملة الجنسية الإسرائيلية ما يفتح الباب نحو آفاق الطرد والترحيل والتسفير لكل من يخالف الهوية الجديدة للكيان العبري. وخطة فصل القطاع تحاكي في جوانب منها بناء جدار الفصل العنصري في الضفة الذي يعزل القرى عن المدن ويساهم في تقطيع أواصر العلاقة بين السكان ويضعهم في إطارات جدرانية هي أشبه بالسجون والمعسكرات السياسية المفتوحة الأبواب.
الملفات الثلاثة في جوهرها متقاطعة لأن الأول يدفع باتجاه تغيير المعالم الجغرافية وتعديل الخريطة السكانية وتعطيل إمكانات بناء دولة مترابطة. والثاني يحدد شروط الهوية اليهودية للجنسية الإسرائيلية ما يؤدي إلى إسقاطها أو نزعها من فئات تنتمي إلى ديانات أخرى. والثالث يصب باتجاه تشكيل دويلة (إمارة) في القطاع خارج ظلال الاحتلال لأن مشروع الاستيطان يتركز في طوره الراهن على الضفة التي تشكل الهدف الحقيقي للتوسع الإسرائيلي داخل الأراضي المحتلة في العام 1967.
الملف الثالث (عزل القطاع عن الضفة) يشكل ضربة سياسية لكل الفصائل الفلسطينية لأنه أخذ يتأسس بناء على الخلافات الأيديولوجية وتأخر «حماس» في توقيع المصالحة وامتناعها عن تصحيح العلاقة مع السلطة. وهذا التأخر أعطى ذريعة للاحتلال لطرح خطة ميدانية تكرس الانفصال وتنهي علاقة غزة بالقضية الفلسطينية.
فكرة الإمارة المستقلة التي روجت لها «حماس» تحت مظلة أيديولوجية وشعار تحرير فلسطين من البحر إلى النهر تحولت إلى مادة دسمة بدأ الاحتلال باستثمارها وتحويلها إلى كيان مستقل ومعزول عن الموضوع الفلسطيني وتداعياته الوطنية والإقليمية والدولية. وتبني الاحتلال فكرة الإمارة الخاصة يشكل في جوهره السياسي ضربة قوية لبرنامج «حماس» الذي تراجع من التحرير الشامل إلى القبول بدولة في حدود 1967 وانتهاء بمطالبة المجتمع الدولي برفع الحصار عن غزة مع استمرار وقف إطلاق الصواريخ.
هذا التراجع الواضح أعطى «إسرائيل» وقائع خصبة تستطيع أن تبني عليها مشروع انفصال القطاع وتقسيم الدولة الموعودة إلى «دويلتين» معزولتين في غزة والضفة.
رفض «حماس» للخطة الإسرائيلية خطوة جيدة لكنها ليست كافية إذا لم تعقبها خطوات باتجاه تصحيح العلاقات والمصالحة مع السلطة الفلسطينية. الخطوات ليست صعبة وخصوصاً أنها باتت مقرونة بتنازلات في الخطاب الأيديولوجي وصلت إلى حد مقاربة برنامج حركة فتح وطموحاتها الوطنية في المرحلة الراهنة. الرفض الكلامي لا يكفي إذا لم تؤكده «حماس» ميدانيّاً إلا إذا كانت متوافقة ضمناً مع خطة ليبرمان في تقسيم أراضي الاحتلال.
الملفات الثلاثة التي تواجه السلطة الفلسطينية خطيرة للغاية لأنها تتجاوز تلك الوعود العرقوبية الأميركية لكونها تمس مباشرة ثلاث زوايا تتصل بالتوسع الاستيطاني الميداني والهوية التشريعية للدولة الإسرائيلية وخطة التقسيم لأراضي الاحتلال وعزل الضفة عن غزة لتكون الأخيرة إمارة مستقلة بعيدة عن القضية والأولى سهلة للقضم والانقضاض.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2872 - السبت 17 يوليو 2010م الموافق 04 شعبان 1431هـ
عبد علي عباس البصري
هناك حديث يدور في صحيفه احرانوت ان الحصار سيفك في يوم السبت القادم ؟؟