العدد 2870 - الخميس 15 يوليو 2010م الموافق 02 شعبان 1431هـ

خطوات الصين الاقتصادية الواثقة والحذرة

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تصل قائمة المصانع التي بنتها شركة فولكسفاغن الألمانية لصناعة السيارات، في الصين، إلى أحد عشر مصنعاً، آخرها ستبلغ قدرته إنتاجية القصوى 300 ألف سيارة في العام ، تبدأ في العام 2013. يأتي كل ذلك ضمن خطة استثمارية كبيرة، تبلغ قيمتها اليوم حوالي 1.6 مليار يورو، وسوف تصل بحلول العام 2012، كما تقول مصادر الشركة، إلى ما يزيد عن 6.0 مليارات يورو.

تكتسب هذه الخطوة، رغم صغر الاستثمار المرتبط بها نسبياً، أهمية خاصة متزايدة لسببين أولهما عالمي يتعلق بصناعة السيارات ذاتها، التي ماتزال شركاتها، باستثناء قلة منها مثل شركة فيات، تتعثر أمام ذيول الأزمة المالية العالمية إلى درجة إغلاق العديد من فروعها التشغيلية، والثاني مصدره صيني إذ يأتي ذلك قبل مضي أقل من ثلاثة أشهر على إعلان الصين عن عجز في « الميزان التجاري الوطني خلال شهر مارس/ آذار الماضي بلغ 7.24 مليارات دولار أميركي»، والذي اعتبرته بعض الأوساط الاقتصادية مؤشراً قوياً على بدء انتقال الأزمة المالية العالمية جدياً إلى بكين، في حين، قلل وزير التجارة الصيني، تشين ديمينج من أهميته، مؤكداً أنه لا يعدو كونه مجرَّد «ومضة على شاشة الرادار»، كما نقلت عنه صحيفة «تشاينا ديلي (China Daily)» الرسمية. وكانت آخر مرة تعلن فيها الصين عن تسجيل عجز في ميزانها التجاري، كما تنقل وكالة رويترز للأنباء «هو في شهر أبريل/ نيسان من العام 2004، إذ بلغ العجز في حينها 2.26 مليار دولار».

ويبدو أن توقعات ديمينج كانت دقيقة وصحيحة، فلم يأت شهر يونيو/ حزيران 2010، إلا والصين تحقق قفزة أخرى في الصادرات والواردات تصل إلى 50 % عن الشهر الذي سبقه، الأمر الذي أجبر المتابعين لتطور اقتصادها على اعتباره «مؤشراً جيداً على استمرار نمو الاقتصاد الصيني بقوة وعدم تأثره بالأزمة في أوروبا التي تعد شريكاً تجارياً رئيسياً للصين». ووفقاً لبيانات الجمارك الصينية، سجلت «الصادرات ارتفاعاً بقيمة 48.5 في المئة الشهر الماضي (مايو/ أيار) 2010، بالمقارنة مع مستواها قبل عام، فوصلت إلى 131.8 مليار دولار، كما سجلت الواردات أيضاً ارتفاعاً قوياً بنسبة 48.3 في المئة لتصل إلى 112.2 مليار دولار».

عزز من ثقة الصين في اقتصادها إقدامها، في أواخر يونيو/ حزيران 2010 على طرح أسهم، لما أعتبر أكبر عملية اكتتاب في العالم «بلغت قيمتها أكثر من ثلاثة وعشرين مليار دولار، وأثارت مخاوف من احتمال تراجع في الأسواق المالية، بفعل قيام المستثمرين ببيع أسهمهم في الشركات الأخرى لتوفير سيولة تمكنهم من شراء أسهم المصرف الصيني». وكان من بين المستثمرين بنوك عالمية مثل بنك ستاندارد تشارترد الذي يتخذ من المملكة المتحدة مقرا له، الذي أعلن أنه «سيستثمر نحو 500 مليون دولار في أسهم البنك الزراعي الصيني»، وبعض المستثمرين العرب، من قطر والكويت، الذين توقعت بعض المصادر أن تبلغ قيمة حصصهم «ما يربو على 3.6 مليارات دولار».

أعقبت بكين ذلك، وتحديداً في مطلع يوليو/ تموز 2010 بتحرك مصرفي قاده رابع اكبر بنك في جمهورية الصين الشعبية، وهو بنك الصين، وأعلن فيه انه «يستعد لجمع 8.9 مليارات دولار باصدار اسهم جديدة في بورصتي هونغ كونغ وشنغهاي» . ويسعى البنك مع ثلاثة بنوك صينية أخرى «لجمع 42 مليار دولار لزيادة راسمالها، بعدما طلبت الحكومة من البنوك زيادة راسمالها اثر توسعها في الاقراض».

ولا يقتصر الأمر على الجوانب المالية، بل تتجه الصين وعلى نحو سريع، ومن أجل تشييد البنية التحتية لاقتصاد معرفي متنوع تتكامل فيه كافة قطاعات الإنتاج يقودها قطاع الاتصالات والمعلومات، نحو صناعة الحواسيب، كي لا تكتفي بالبرمجيات والتطبيقات فحسب، التي تنافسها فيها دول سبقتها إلى هذه الصناعة مثل الهند وماليزيا وسينغافورة، بل تتجاوزها كي تلج قطاع الأجهزة والمعدات. ومؤخرا أعلنت بكين، خلال معرض شينزين للكومبيوتر الذي يجرى كل عامين، عن طموحها في أن تصبح «مصنعة اسرع كومبيوتر في العالم والذي يعرف بـ «الكومبيوتر العملاق»، بعد ان صنف الكومبيوتر العملاق الذي صنعته ثاني اسرع كومبيوتر في العالم».

كل هذه المظاهر الاقتصادية الصحية التي تعكس متانة الاقتصاد الصيني لا تعفي رئيس الوزراء الصيني وون جياباو من توخي بعض الحذر عند حديثه عن ذلك الاقتصاد، آخذا بعين الاعتبار تحول اقتصاد بلده إلى أحد اللاعبين الأساسيين في حلبة الاقتصاد العالمية، فنجده يحذر من أن «الاقتصاد الصيني لايزال يواجه تهديدات جراء توقف الانتعاش العالمي، وأن بلاده لم تعد خططا لإجراء تغييرات رئيسة في سياساتها الاقتصادية»، مضيفا في تقرير نشر على موقع الحكومة المركزية على الإنترنت أنه «في الوقت الراهن وضعنا الاقتصادي جيد، ولكن البيئة الاقتصادية المحلية والدولية معقدة للغاية».

وكما يبدو فإن وون جياباو يدرك أكثر من سواه بأن «شدة الأزمة المالية الدولية والصعوبات التي تعترض الانتعاش الاقتصادي قد تجاوزت التوقعات»، وعلى هذا الأساس تبرز الحاجة إلى الموازنة بين «الجهود الكبيرة من أجل حل بعض المشاكل الهيكلية المزمنة، والاهتمام بحل بعض المشاكل القائمة والملحة». أي أن الاقتصاد الصيني مطالب أن ينشط في اتجاهين متوازيين، الأول استراتيجي بنيوي، يضمن له حضوره في الأسواق العالمية ومساهمته المباشرة في التصدي للأزمة المالية العالمية وذيولها على الصعيدين العالمي والمحلي، من أجل تعزيز مواقع الصين في تلك الأسواق، وزيادة حجمها السياسي، في المحافل الدولية، والثاني تكتيكي محلي، من أجل الاستجابة لمتطلبات السوق المحلية اليومية.

النجاح في تحقيق هذا التوازن يتطلب من الصين أن تواصل ثقتها في اقتصادها، دون أن تفقد الحذر الشديد تحسبا لأية مفاجآت غير متوقعة. وهذا على ما يبدو هو الخط الذي يحكم سياسة الصين الاقتصادية الحالية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2870 - الخميس 15 يوليو 2010م الموافق 02 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:38 م

      جنكيز خان وصغره

      تمثال جنكيز خان لا يزال موجود في متاحف منغوليا تخليدا لذكراه ولكن هل ماكان مطبق في سااف العصر والزمان ينفع لزماننا هذا مع تحيات ( ندى أحمد)

اقرأ ايضاً