العدد 2869 - الأربعاء 14 يوليو 2010م الموافق 01 شعبان 1431هـ

«اليهودي الحالي»... انحياز لأنسنة المجتمع بعيدا عن هاجس الطائفة

الروائي علي المقري يُناقِش كتابه ضمن فعاليات «تاء الشباب»...

الكاتب اليمني علي المقري في روايته «اليهودي الحالي» ينحاز منذ البداية لرؤية إنسانية تقوم على فكرة ومبدأ المواطنة، بعيدا عن «هواجس» الطوائف، وما شهده اليمن من صراعات ذهبت غالبا نحو حدود الإقصاء ونبذ الآخر.

الرواية التي يناقشها مجموعة من الشباب مع صاحب «طعم أسود... رائحة سوداء» ضمن فعاليات مهرجان «تاء الشباب» في السابع عشر من الشهر الجاري, كُتبت من القاع الاجتماعي لبلاد عاشت في ظلمات واستبداد «عهد الإمامة»، وشهدت أشكال القمع المباشر والتجهيل، وتأليب عناصر المجتمع ضد بعضها، في إطارات من التخلّف الذي يضع الجميع في عوالم أقرب إلى القرون الوسطى.

تتناول الرواية فترة زمنية مهمة بالنسبة لأهل اليمن في القرن السابع عشر وبالتحديد الفترة الممتدة من سنة 1054هـ 1644م إلى سنة 1077 هـ (1667م) والصراع القائم بين أتباع الأديان, بينما يعتبر الطرف الآخر اليهود قوم دخيل على الوطن، حيث إنهم هاجروا إلى اليمن مما نتج عن ذلك صراع تاريخي في اليمن بسبب أتباع الديانتين وكانت مظاهر هذا الصراع حرق المنازل وقتل الأرواح وزيادة الجزية.

تفارق أحداث الرواية في صورة حيوية وجميلة أية خلفيات أيديولوجية، وتذهب لإمساك خيط الأوهام الطالع من التناقضات المجتمعية، والمتصاعد نحو الحركة الصهيونية، وإن من منابع تنتمي لفكرة «الخصوصية اليهودية» التي تغذّت من أشكال اضطهاد متنوعة، مثلما تغذّت وبقوّة من فكرة التطلّع الديني لليهود نحو «أورشليم»، وهو تطلّع سنراه في الرّواية ينتمي هو الآخر لجهالة شعبية كانت تعتبر اليهود اليمنيين غرباء ينتمون إلى بلاد أخرى، بل تدفع كثرا من المتعصّبين لمطالبة اليهود اليمنيين بمغادرة البلاد والذهاب إلى القدس.

يحاول الكاتب من جانب آخر رصد الخصومات والنزاعات بين اليهود والمسلمين إذ إن فاطمة، الفتاة المسلمة، تقع في حب سالم، الشاب اليهودي وتهرب معه لتتوج حبهم بالزواج. نتج عن هذه الزيجة ابن فاقد الهوية، ليس يهودياً ولا مسلماً، فالمسلمون يأخذون المسلم وفقاً لهوية أبيه واليهود يأخذون اليهودي وفقا لهوية أمه. فعندما ذهب سالم لليهود اعتبروا ابنه مسلماً لأن أمه لم تكن يهودية وعندما عاد إلى المسلمين أصبح ابنه يهودياً لأن أباه كان يهودياً.

يقول أبو العلاء المعري: «إن الشرائع ألقت بيننا احناً وعلمتنا فنون العداوات» واحن تعني مصائب، حيث إن سالم الذي اضطر لدخول الإسلام لم تقبل جثته الطائفتان بعد موته. ودفن سالم بعيدا عن مقابر المسلمين رغم انه أشهر إسلامه.

تتعرض الرواية لعنصر مهم في الحياة الاجتماعية، حيث إن فاطمة ابنة المفتي تحاول أن تعلم سالم، الشاب اليهودي اللغة العربية ومفاهيم القران الكريم مقابل أن يعلمها اللغة العبرية، فساهم كل منهما في إضافة لغة جديدة في رصيد الآخر.

بالرغم من زمن الرواية الصعب إلا أن هناك ما يدعو للطمأنينة، فالعلاقة بين المسلمين واليهود في ظل المعرفة المتبادلة بسطت جناح الألفة والتقارب العلمي بينهم فصار اليهود يجيدون القراءة والكتابة العربية وقادرون على قراءة مخطوطات الفلسفة والفقه وعلوم الحساب والفلك والطب. بينما صار المسلمون يعرفون اللغة العبرية وبعض المعتقدات والدراسات التي قام بها اليهود.

أما الآن في الزمن الحالي، انهارت العلاقة المتبادلة بين المسلمين واليهود، حيث أصبح كل منهم يرفض ثقافة الآخر إلى أن وصلت العلاقة بينهم إلى أقصاها حيث همش المسلمين اليهود واغتصب اليهود ارض المسلمين .

تندفع فاطمة إلى التعرف والزواج من سالم الذي تكبره بخمس سنين تاركة وراءها العادات والتقاليد العربية، حيث إنها لم تبالِ إن كان أصغر أو أكبر منها سنًّا أو في نفس سنها، لأن ما يهمها هو الدخول في المؤسسة الزوجية وتشكيل أسرة مع يهودي يستعلي عليه المسلمون.

فهل شفع الحب لفارق السنوات؟... لا تكاد هذه القضية أن تكون فاصلاً لدى الكثيرين، إلا أن هنالك بعض الأقليات التي ترفض المنطلق لاعتبارات كثيرة وقوالب اختار المجتمع أن يزجّ فيها شعوبه!... هذا التفصيل الصغير الذي زاد من الفوارق شعرة، قد ألهم الحكاية جانباً قد لا يقفز للقارئ للمرة الأولى وهو التحول الذي ساد هذه العلاقة... فالتفوق الديني بحسب المجتمع المسلم والذي يحسبه لصالح فاطمة من جهة، ومن ثم الفارق العمري، وضع هذه الفتاة في فئة القرار لا تطبيقه. فنجد بطلة النص ليست بمجبرة على الانضباط والانصياع للرؤية العامة، بل على العكس تمامًا فقد ألهمها كل ذلك القدرة على الهروب إلى خارج جماعتها وجر سالم إلى حيث نهاية كليهما من عالميهما الديني.

على الرغم من صراع الأديان في الفترة التي تطرّق إليها الكاتب، ومعايشة محاولات الانقلاب، إلا أن الأفق الثقافي والتبادل المعرفي كان لايزال في رتمه الهادئ والمتوائم مع الطبيعة الإنسانية. ولكن في إسقاطٍ لهذه الرواية على الواقع الحياتي، فهل من الممكن تقبل ثقافة الآخر المختلف دينيًا وسياسيًا!؟ هذا الهاجس الذي تفجّر لدى البعض حتى رمى هذه الرواية بوصفها محاولة للتسامح مع الدين الآخر، واستتبعها بعض النقاد بالقول «اليهودي البشع» في وصفٍ لمعايشات الحاضر ووحشية الطرف الآخر، يؤكد الحواجز التي بدأت بالبروز في العلاقة ما بين الأديان المختلفة، فهل فعليًا استطاعت السياسات أن تخنق عنق الدين وتجبره على الدخول في هذا الصراع أيضًا؟ أم أن الصراع الديني قد أدى إلى هذا العمى الثقافي ورفض الآخر!... هذا التلابس الذي أفلت منه سالم برفقة فاطمة باسم «الحب».

أحب الروائي علي المقري التطرق إلى المواضيع الاشكاليه إذ ان القلة القليلة من كتاب العربية وروائييها تمتلك هذه الجرأة في إعادة التفكير في علاقتنا بكلّ الشعوب والأقليات والفئات الاجتماعية التي عاشت فوق أراضينا، والتي سببّت علاقاتنا بهم، الكثير من الالتباسات، التي ربما كنا لانزال نتحمل تبعيتها لغاية اليوم.

حصر الشعراء علي المقري في صورة حرجة وذلك لتفكيره الاستثنائي المنحاز للمواضيع الإشكالية. يتناول علي المقري في كتاباته التجربة التاريخية والعلاقات بين الشعوب، حيث انه يستفز الإنسانية ويختبرها لدى الطرف الآخر.

العدد 2869 - الأربعاء 14 يوليو 2010م الموافق 01 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً