1. الإسلام السياسي الشيعي، وهو تعبير سياسي نشأ في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران، فقبل ذلك التاريخ، كان النشطاء السياسيون البحرينيون منخرطين، دون الحاجة إلى أي شكل من أشكال التمييز الطائفي على المستوى السياسي، في التنظيمات السياسية النشطة حينها من أممية وقومية من مختلف الأطياف.
ازدهرت هذه الظاهرة وتحولت إلى كتلة سياسية متميزة، وتنامى وجودها، حتى في المرحلة التي سبقت المشروع الإصلاحي، بفعل عاملين أساسين، الأول منهما خليجي، حيث مدت الثورة الإيرانية، من خلال النجاحات التي حققتها على المستوى السياسي في صراعها ضد القوى الغربية، وعن طريق مفردات الخطاب السياسي التي استخدمتها في مجمل الأحداث على مستوى الشرق الأوسط، هذه الكتلة بذخيرة غنية نجحت القيادات السياسية الشيعية في البحرين في الاستفادة منها لبلورة تيار سياسي شيعي.
قضية مهمة هنا هي ضرورة عدم التجني سياسياً على الكتلة، وإدراجها في قائمة المشروعات والبرامج الإيرانية الموجهة نحو منطقة الخليج، والحديث هنا يتناول الكتلة ذاتها، ولا يتحدث عن الحسابات الإيرانية، فهناك فرق شاسع من استفادة هذه الكتلة من الأجواء الإيجابية التي أوجدتها نجاحات الثورة الإسلامية في إيران، وبين توجيه تهم سياسية أمنية لها. والثاني عربي، ومصدره حزب الله اللبناني، وقدرته على تحويل المعارك التي خاضها ضد الجيش «الإسرائيلي»، بغض النظر عن تباين التقويمات لها، إلى حالة من الإلهام السياسي الذي بوسعه مد أي شكل من أشكال العمل السياسي الشيعي بمادة دسمة للتحريض أو الاستقطاب السياسي والتنظيمي على حد سواء.
نجحت هذه الكتلة في بلورة تيار إسلامي شيعي معارض، له تأثيره القوي الملموس على الساحة السياسية، لكنها تعاني من موطني ضعف أساسيين يقلصان من دورها الوطني، بالمفهوم السياسي للكلمة، الأول، هو عدم قدرتها على تمزيق التشرنق الطائفي وانتزاع شرعية وطنية تتجاوز الإطار الطائفي. والحديث هنا يسلط الضوء على الواقع وليس النوايا. والثاني، هو عدم قدرتها على تلقيح نفسها بمحصنات تقضي على فيروس الانشقاقات والتشظي السياسي العربي. ولربما يجد المراقب السياسي نفسه أمام مفارقة محيرة، فمن جهة نجحت الحركة السياسية الإسلامية الشيعية في تشكيل كتلة حرجة طائفية، لكنها في الوقت ذاته، وبالقدر ذاته ساهمت، بوعي أو بدون وعي، في إحداث تصدع سياسي بنيوي في جسد الطائفة، عبّر عنه بشكل واضح وجود أكثر من جمعية سياسية إسلامية شيعية، وتباين مواقفها من قضايا محلية إستراتيجية مثل الموقف من الدستور والمشاركة في انتخابات مجلس النواب.
2. الإسلام السياسي السني، والذي غالباً ما يتعرض للكثير من اللوم والانتقاد نظراً لوضعه، من معظم القوى السياسية الأخرى في خانة واحدة مع السلطة التنفيذية، بل إن البعض يذهب إلى أبعد من ذلك، ويعتبرها الجناح «المعارض» الذي تسيره السلطة التنفيذية من خلال واحدة أو أكثر من مؤسساتها المباشرة، أو تلك التي ترتبط معها في مشروعاتها السياسية. لا يستطيع أحد أن ينكر ميلان نسبة من التشكل السياسي السني نحو برامج السلطة، لكن ذلك ليس قصراً عليها، وإنما شاركها فيه بعض أجنحة الإسلام السياسي الشيعي، وخصوصاً في مرحلة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
تاريخياً تعود جذور هذه الكتلة إلى «حركة الإخوان المسلمين»، وتاريخياً أيضاً، وكما كانت السمة العامة التي صبغت السلوك السياسي للإخوان، تركزت هذه الكتلة في مؤسسات التربية والتعليم. يشارك النشطاء السياسيون السنة، نظراءهم الشيعة، في انتسابهم إلى الأحزاب القومية والأممية، لكنهم تميّزوا عنهم بتحالفهم مع القوى الإسلامية السنية الإقليمية والعالمية مع القوى العالمية التي حاربت لتحرير أفغانستان من الاحتلال السوفياتي. لكن خروج القوات السوفياتية مهزومة من أفغانستان، والتحولات التي أفرزها ذلك الخروج على الصعيدين العالمي والمحلي، حول الكتلة السياسية السنية البحرينية من خانة الحليف غير المعلن مع السلطة التنفيذية، إلى مربع العدو رقم واحد، وخصوصاً بعد تفجيرات سبتمبر/ أيلول 2001 في الولايات المتحدة.
تعاني هذه الكتلة من نقاط ضعف يتركز أهمها في محورين أساسيين، الأول هو ارتباك خطوات هذه الكتلة نظراً لاضطرارها السير على طريق وعر، اختارته طوعاً وعنوة، كي تستطيع أن تميّز نفسها بوصف كونها فصيلاً معارضاً للسلطة غير منضوٍ تحت عباءتها، وبالقدر ذاته، كي تزيل مخاوف السلطة من أن يؤدي خروجها من جبهة التحالف إلى قوى المعارضة، إلى اصطفافها سياسياً، في نظر السلطة شاءت أم أبت، في طابور أطراف المعارضة الأخرى، وعلى وجه الخصوص منها، كتلة الإسلام السياسي الشيعية. الثاني، هو تمزقها المذهبي الداخلي الذي يحول دون بلورة تيار سياسي إسلامي سني، يعترف به ممثلاً للطائفة، ومعبراً عن مصالحها، وله صلاحية التحاور مع القوى الأخرى بالنيابة عنها. هذا التشرذم السياسي المنبثق من منطلقات مذهبية، مارس دوراً سلبياً ساهم في تقزيم دور الإسلام السياسي السني.
نظرة سريعة على تطورات الأوضاع السياسية القائمة حالياً في البحرين، وأخذاً بعين الاعتبار ذلك الجرد السريع للقوى السياسية العاملة في الساحة السياسية، تكشف أن هناك حالة شبه مجمدة، لا ينبغي أن يموّهها ذلك الحراك السياسي الأفقي الذي نشهده على السطح، مصدرها توازن قوى الأطراف المنخرطة فيما يشبه لعبة شد الحبال السياسية، فليس هناك من في وسعه، بما في ذلك السلطة التنفيذية، ادعاء أن برنامجه قد نجح في تجاوز الآخرين، واستقطاب الجماهير لصالحه. الحديث هنا عن نجاح طويل أو متوسط المدى، لا يقاس بمحطات قصيرة أو سريعة، أو بمشروعات آنية لا يعدو تأثيرها فعل المخدرات المهدئة، وليس العقاقير الشافية.
هذا يضع جميع اللاعبين السياسيين، ودون أي استثناء أيضاً، أمام مفترق طرق خطير يمكن أن يقود البلاد، فيما لو لم يتم اختيار الفرع الصحيح، أو جرى السير في الفرع الخاطئ، إلى التهلكة. الأسوأ من ذلك هو أن طبيعة المرحلة، وسرعة وتيرة تطور الأحداث، لا يسمحان بالانتظار طويلاً من أجل الوصول إلى الخيار الصحيح المضمون النتائج.
لذا فمن المطلوب اليوم، والاستعدادات تجري على قدم وساق من أجل التحضير لانتخابات 2010، أن تحاول كل قوة منفردة أو ضمن تكتل جبهوي، مهما كان هلامياً، للعمل من أجل مغادرة محطة الانتظار أولاً، واختيار الطريق الصحيحة ثانياً. ولتحقيق ذلك، من الطبيعي أن تحاول كل قوة تقليص مكامن الضعف لديها، وتعزيز نقاط القوة في صفوفها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2868 - الثلثاء 13 يوليو 2010م الموافق 30 رجب 1431هـ