العدد 2393 - الأربعاء 25 مارس 2009م الموافق 28 ربيع الاول 1430هـ

الشاعر إسماعيل عبدعلي يعزف «هوا الكوس»

ضمن معزوفة رائعة، استطاع الشاعر إسماعيل عبدعلي ومن خلال إصداره «هوا الكوس» أن يجسد المعنى الحقيقي لذلك التراث في أهازيجة الجميلة المتمثلة في عناق الماضي... من حيث نبراته وحسه الشعري الجميل في مواويله وكلماته.

كان لحرفية هذه الكتابة في ميزتها المعنوية صدى رائعا وأغنية دندنها الشاعر استنتاجا من عناق تلك النخلة في روعة جمالها وثمرها... من غصة البحار ونهماته الطويلة التي تجسد هموم الصياد وهو يداعب أمواج البحر ويلاطفها من أجل رزقه ولقمة عيشه... كان لعطش النخيل ولهفتها وطول النهار المرهق مكانة لدى الشاعر في ترانيمه وحسه العاطفي.

نعم كان لهذا الإصدار جمال روحي تمثل في ذلك المضمون بنكهة الماضي في بساطته وقوة عزيمته... في عفويته وجمال طبيعته حيث البحر ومواويله وصداه البعيد... في صدقه وصدقيته.

من خلال قراءتي لهذا الإصدار في سطوره وتجانسه وبصوره الجميلة تتمثل فيها ذلك البعد بمعالم واضحة في معماريتها الفنية البارزة في البيت البحريني والصبغة التقليدية البحرينية في تراثها الجميل. كان للموال وهواجس البحر مكانة في طبيعة تلك الهمسات التي جاء بها ذلك «الكوس» لينثر عبيرها هنا وهناك... بين أشجار اللوز وأنهار المياه من عيون مياهها الصافية... من البيت والدهليز والليوان... من ذلك الفيء في ظله وبرهته وشوقه للبقاء طويلا.

كان لألم الشاعر ومعاناته همسة واضحة في الأسلوب والتعبير عن ما بداخل هذا الشاعر المشحون بحب الأشياء حوله.

وإنطلاقا من كل هذه الجماليات، نتوقف عند ألقها لنقرأ هذا الأصدار، بشكل موجز، لكي نكتشف مكامن وأبعاد الجمال المتوارى خلف الغلاف.


«رغم الشقا»

في هذا الموال ومن خلال تركيبته التجانسية استطاع الشاعر إسماعيل عبدعلي أن يجسد المعنى الحقيقي لقوله.

أنسى الكدر وأبتسم، تهنا بدون إشكال

وانظر بيعن الأمل، مهما لقيت إشكال

تلقى السعادة تجي، مثل الهموم أشكال

من هنا يبرز التصوير الجميل في بعده اللفظي والزمني حينما يهيم شاعرنا ليجسد ذلك المعنى بصدا جميل، والذي عني به نسيان ذلك الألم وذلك الكدر في إشكالياته ومعاناته، حيث يبقى ذلك الأمل وبإصرار، في زمن ولحظات يصعب فيه النسيان.

هادنيا مي أم أحد، كم واحد مرها

عيش بإرادة وعزم، تقوى على مرها

لا تكون مثل الذي، نفسه بكدر مرها

دنياك رغم الشقا، فيها السرور أشكال

ومن ثمّ يؤكدالشاعر إسماعيل عبدعلي بلحن جميل ورائع في وزنه وتجانسه لتلك الكلمات، ليقول لنا في وصفه الدنيا ورغم شقاوتها إلا أنها لا تخلو من الجمال في روعتها وإنصافها لمن يسافر فيها باحثا عن نور الأمل رغم الظلمة.

أيضا وفق في اختيار تلك المصطلحات الدقيقة التزامنية في تراثها. مثل الكدر والهموم والشقى، هذي المصطلحات تمثل فضاء واسعا جميلا في لونه التراثي الذي عاش من خلاله أجيال كانت ترد ألسنتهم في أيام التعب وأيام الغوص ومرارتها التي يتغنى بها النهام، وهي التحام صادق في البيئة المحلية وتعبير شفاف في المفردات.

كما ينقلنا الشاعر إسماعيل عبدعلي إلى فضاء آخر، فضاء مُلِئ بالإثارة البعيدة في مفهومها التراثي والتجانسي حيث يقول:


موال: «لا اتهزك الريح»

دائم أراعيك، مره فأهالعمر راعني

من سبة، الصد حاير والجفا راعني

أترك حكي الناس، وبعين الفكر راعني

في مطلع هذا الموال واضح إنّ الشاعر أشار إلى مدى التآلف والود بين الناس بعضهم البعض، حيث أراد أن يوصل بعد ذلك العطاء الودي بينهم. كان يؤكد من خلال ذلك التجانس في معنى كلمة «راعني» ويعني بذلك العتاب الحميم للصديق، لهذا كان لذلك البعد معنى جميل وموفق في نفس الوقت، يعكس الصورة النفسية التي تسيطر على الشاعر.

هالناس ما يتركوا، واحد على حاله

كم مغرض في الهوى، راعي الوفا حاله

خلى نهاره دُجى، وظل حالته حاله

لا تهزك الريح، خالف من وشى وراعني

رغم تكرار المعنى في مفاهيمه إلا أن الشاعر جعل من تلك المفاهيم خاصية في تركيبته اللفظية والتي جعلت من ذلك البعد التراثي صورة رائعة في نهماتها الطويلة البعيدة في صداها.

كان لذلك التأمل في حرفيته وتجانسه أسقاط نوعي لتلك اللغة التي تميز من خلالها ذلك العطاء في وصفه الأدبي الجميل.


«هوى الكوس»

الموال الذي يتصدر عنوان وحنايا هذا الإصدار في معانيه الرقيقة والدقيقة في لفظها، حيث لجأ شاعرنا في توضيح تلك الصورة بأشراقة جميلة ورائعة، في مداعبة تلك الكلمات لما تعنيه تلك الهواجس والمعانات. هذا الموال والذي تتردد كلماته على مسامعنا بقولها:

بالـشـراقة الخير، ياصبح الفرح مرنا

وقطع عروق الشقى، خبرك وطر مرنا

خلنا نمس الهنا، ونتناسى كل مرنا

ما أروع أن يكون لمثل هذا التجانس بعد وهاجس جميل نتغنى به، مثل ..

مرنا: مرنا... ويعني بذلك تواصل معنا دائما لنكون عالما وحدا وجسدا واحدا.

مرنا: هنا تحمل نفس الكلمة بمعنى آخر والتي يعني بها شاعرنا الزمن والأيام بمرارته ومعانيه.

مرنا: يؤكد الشاعر في تجانس هذه الكلمة في معناها بأن علينا أن نتخذ من الصبر ونعمة النسيات والعزيمة عنوانا لنا لنستطيع أن نتعايش مع الزمن، وهذا أجمل وأرع ما يعنيه الشاعر في ذلك البعد.


المقطع الثاني من الموال في قوله:

يـكفي يا ليل الكدر، من دفترك محنه

يا ما أتعبتنا المحن، محنه أثر محنه

يا ليل أحنا بشر، محنا بشر محنا

يكفي (هوى الكوس)، عكس المشتهى مرنا

تتزايد المحن في لونها ونوعها المر الذي عاشه ذلك الإنسان.

محنه ورى محنه... ألم ويتبعه ألم، وحرقة تلو الحرقة تثير شظايا ذلك الزمن في مباهاتها وحسها الإليم. لتجعل من ذلك معانات تحدث عنها شاعرنا إسماعيل عبدعلي بصدق القول والمعنى. في صداه البعيد الذي يحمل معه صوت البحر عندما تهاجر الطيور بعيدا.

@ كاتب بحريني وعضو مسرح الريف

العدد 2393 - الأربعاء 25 مارس 2009م الموافق 28 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً