شاركت قبل أسابيع في افتتاح معرض الوظائف الذي أقامته وزارة العمل في مجمع الريف بالمنطقة الغربية، وهو المعرض السادس الذي تقيمه الوزارة في مختلف محافظات البحرين.
الحضور الشبابي كان منقطع النظير، ومن خلال اللقاءات الجانبية مع عدد من الشباب الذين زاروا المعرض وجدت أن بعضهم عاطلٌ فعلاً ومنذ فترة تصل لأكثر من سنة، ولم يجد أي وظيفة مناسبة، ولكن جزءاً آخر ولعله الجزء الأكبر زاروا المعرض للبحث عن وظائف أفضل من وظائفهم الحالية.
لقد خطت البحرين خطوات مهمة في الحد من البطالة التي كانت أحد أسباب الأزمة السياسية والأمنية خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي، لأن عدم حصول الشباب على موطئ قدم في وظائف مناسبة وذات عوائد مجزية وفي ظروف عمل لائقة سيشكل ناراً تحت الرماد.
لا يمكن مقارنة وضع البطالة في 2010 بوضعها في 2001، من الواضح أنه قد تقلص عدد العاطلين بصورة جذرية، بفضل برامج التوظيف التي طرحتها وزارة العمل وحازت على دعم رفيع المستوى من دائرة صناعة القرار، ومن أهم تلك البرامج المشروع الوطني للتوظيف، ولكن الآن لدينا أزمة «العاطلون الجامعيون»، ثم تلته مشروعات أخرى نجح بعضها وفشل البعض الآخر.
ففي العام 2001 كان لدينا نحو 30 ألف عاطل، وهو رقم قياسي وغير مسبوق في نسبة التعطل في تاريخ البحرين، أما في 2010 فلدينا بضعة آلاف فقط (حتى مع الاختلاف بين الأرقام الرسمية والأرقام التي يطرحها النواب أو تلك التي تثار في وسائل الإعلام).
ويمكن أن نسترجع الذاكرة قليلاً بأن إصلاح سوق العمل في البحرين بدأ في سبتمبر/أيلول 2004، وتصاحب مع مسارين آخرين، هما إصلاح الاقتصاد وإصلاح التعليم والتدريب. وكانت نقطة البداية من الدراسة المهمة التي أعدتها شركة «ماكنزي» ، والتي حذّرت من ارتفاع مؤشر البطالة. وللحد من تشوهات سوق العمل واختلال ميزان الوظائف أنشأت هيئة سوق العمل التي تفرض رسوماً على كل عامل أجنبي تدفع في موازنة «تمكين» لتدريب الشباب البحريني.
وحددت دراسة «ماكنزي» أهدافاً واضحة وهي جعل العامل البحريني أكثر جاذبية للتوظيف، وقد تم التركيز على ذلك من خلال ثلاث مراحل: تدريب المواطنين العاطلين عن العمل وتطوير استعدادهم للعمل ورفع مستوى الأداء والانضباط الوظيفي، دعم أجور توظيف البحريني بعد التحاقه بالعمل، وجعل القطاع الخاص أكثر جاذبية للعمل فيه من قبل العامل البحريني. ولعله من المناسب لو يعقد مؤتمر وطني لقياس مؤشرات الأداء ومدى تحقق أهداف هذه الدراسة.
وبالرغم من النجاح الكبير الذي تحقق في ملف البطالة الذي كان يشكل وقود أزمة سياسية واجتماعية أو بالأحرى قنبلة موقوتة، فإنه لا يمكن الزعم أنه تم القضاء على البطالة، وإن كان يحق للبحرين الافتخار بما حققته وزارة العمل من جهد استثنائي في تقليص طوابير العاطلين.
وبالإطلاع على خريطة العاطلين نكتشف أنه ليس لدينا بطالة كمية كما كانت في السابق، وإنما بطالة نوعية، تتمثل في صنفين أساساً: العاطلون الجامعيون، والمؤشر الثاني هو «البطالة الأنثوية». ولدينا الآن الكثير من العاطلين الجامعيين ممن تتهرب الكثير من وزارات ومؤسسات الدولة عن استيعابهم رغم توجيهات جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد، لأسباب فئوية وبيروقراطية، أو التذرع بتشبع الوظائف في حين إن هناك آلافاً من الأجانب يشغلون الوظائف في الوزارات.
ومع الأسف الشديد ليست هناك شفافية كافية من ديوان الخدمة المدنية في عرض بنك الوظائف في الحكومة، كما أن عدداً من الوزارات والمؤسسات الحكومية تتجاهل مسئوليتها في توظيف قائمة العاطلين الجامعيين حتى الآن. وديوان الخدمة المدنية مدعو بشكل أكثر من أي وقت مضى، لتنفيذ أهداف رؤية البحرين 2030 (العدالة، الاستدامة، التنافسية).
وقد تقلص نمو الوظائف في سوق العمل بشكل كبير بسبب تأثير الأزمة المالية العالمية على قطاع الوظائف، فقد تركت هذه الأزمة تأثيرات على سوق العمل عالمياً وليس على مستوى البحرين فقط، وإحدى الانعكاسات المباشرة للأزمة كانت في القطاع المصرفي، فقد شهدنا تسريحات من عدد من البنوك، إلا أن التأثيرات غير المباشرة أو الخفية للأزمة تعد هي الأكبر والأخطر، فالعديد من المؤسسات المالية جمدت خططها للتوظيف لفترات متفاوتة، وتقلص نشاط مؤسسات أخرى ما ترتب عليه الاستغناء عن بعض الوظائف. ولكن المسئولين في وزارة العمل يؤكدون أن نمو الوظائف في القطاع الخاص كان باعثاً على التفاؤل رغم الأزمة.
هناك حاجة فعلية لمراجعة سقف الرواتب (الحد الأدنى للأجور) في القطاع الخاص، ويمكن لـ «تمكين» أن تضطلع بدور محوري في هذا الجانب، فلا تزال شريحة كبيرة من الشباب يعملون في وظائف متدنية الأجور وفي ظروف شاقة. كما يشتكي بعض العاطلين من أن طبيعة الوظائف المعروضة في وزارة العمل لا تتناسب ومؤهلاتهم الجامعية.
وكخطوة رائدة في توفير شبكة أمان للعاطلين، ولد قانون التأمين ضد التعطل، ورغم الأزمة الكبيرة التي أثيرت بشأن الاستقطاع، فانه يجب الاعتراف أن القانون يمثل شبكة أمان اجتماعية مهمة، ولكن هناك حاجة فعلية للإصغاء لمطالب العاطلين والمتمثلة في تسهيل إجراءات الصرف ورفع سقف التأمين وعرض وظائف ذات عوائد مالية أفضل، فضلاً عن تمديد فترة التأمين ليصل إلى سنة واحدة. وبعض هذه المطالب بحثتها فعلاً اللجنة المكلفة بمتابعة تنفيذ المشروع تفعيلاً لما نص عليه القانون من تنفيذ دراسة اكتوارية بعد ثلاثة أعوام من تطبيق المشروع، ونأمل أن تتخذ اللجنة قراراً جريئاً في تطبيقها على وجه السرعة.
أما على صعيد التدريب (الجناح الآخر)، فيمثل صندوق العمل (تمكين) مؤسسة مهمة تفتح أبواب التدريب المجاني المتاح لجميع الشباب في عشرات البرامج التدريبية في تخصصات مهمة وحيوية كالمحاسبة وإدارة الأعمال بالشراكة مع مؤسسات دولية. وهناك مئات الشباب قد التحقوا بتلك البرامج، واختلف مع الذين يركزون أعينهم على الكلفة المالية لتلك المشروعات، لأن المهم هو الاستثمار في الموارد البشرية.
بوسع المرء القول إن هناك فرصاً كبيرة للشباب البحريني من خلال الاستفادة من فرص التوظيف والتدريب المتاحة، ولكن في المقابل هناك تحديات رئيسية ينبغي التغلب عليها، ليكون البحريني هو الأفضل، والعقبة الحقيقية ليست قلة الوظائف وإنما غياب تكافؤ الفرص في عدد من مجالات العمل في الحكومة والقطاع الخاص.
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 2867 - الإثنين 12 يوليو 2010م الموافق 29 رجب 1431هـ
اوافقك الرأي زائر 1
انا مهندسة معمارية لدي خبرة 8 سنوات ومتخرجة بمعدل جيد ولكن لا يمكنني الحصول على وظيفة حكومية بسبب التمييز الطائفي الذي كان السبب الوحيد في عدم توظيفي طيلة هذه السنوات وانا الآن عاطلة عن العمل وعندي التزامات وقروض ولكن حسبي الله ونعم الوكيل
عجبي
تمجد يا محمد في برامج هابطة من المفترض ان تكون الوظائف ملائمة للبحرانيين وليست كما ترها هلم معي وشاهد بنفسك مدى الوظائف الدنيا التي هي لشيعة وحدهم وهلم ولاحظ كل مفاصل العمل في البلاد حتى ترى التهميش الواضح و الصارخ انا عاطل من سنه ونصف ووالدي رتبه رتبت وزير في البلاد بل اعلى منه وكل من هم في ترتبت والدي من غير الشيعة يوظفون بوظائف مرموقه ولكوني شيعي لم احصل على وظيفة سوى في المقاولات او شركة الامن او التنظيفات ايش قال برامج من المفترض ان تتكلم عن التمييز في البلاد لانه هو المشكلة