الحديث عن العلاقة التي تربط ما بين الحاكم والمثقف حديث طويل، وقد اختلفت الآراء كثيراً حول طبيعة هذه العلاقة؛ هل هي علاقة تكاملية أم علاقة خصام لا ينتهي نظراً إلى الاختلافات بينهما والتي لا تكاد أن تنتهي!
الأمر في نظري لا يمكن إعطاؤه صفة واحدة نظراً إلى اختلاف الحكام واختلاف المثقفين، فالحكام ليسوا سواءً ومثلهم المثقفون، والتاريخ البشري يثبت أن نوعية العلاقة بين الطرفين كانت تمر بمراحل تكاملية أحياناً وتصادمية أحياناً أخرى بحسب طبيعة كل منهما كما قلت.
في الفترات الأولى من عهد الدولة الإسلامية كانت العلاقة ما بين الحاكم والعالم علاقة حب ومودة واحترام، فالعالم يعرف مكانة الحاكم ويقدر هذه المكانة، كما أن الحاكم يعرف مكانة العالم فيحترم هذه المكانة، ومن أجل ذلك لم نعرف أن هناك صداماً من أي نوع حدث في هذا العهد، صحيح كان هناك اختلاف في الفتيا أو في فهم مسألة شرعية لكن هذا الاختلاف كان يُسوى سريعاً لأن الحاكم ومثله العالم حريصان على التكامل وعلى تضييق دائرة الاختلاف، وكل يعرف مكانة الآخر وما يجب له وعليه.
في عهد الدولة الأموية كان عمر بن عبدالعزيز مثلاً رائعاً للحاكم المخلص، ولما طلب مجموعة من الشعراء «المثقفين» الدخول عليه منعهم من ذلك لأنه كان يعرف ما يريدون قوله، ثم لم يسمح لأحد منهم بمقابلته إلا أن يقول حقاً ويبتعد عن الكذب والخداع.
ولما جاء بعده يزيد بن عبدالملك وأراد أن يكون عادلاً بذل «المثقفون» جهوداً كبيرة لكي لا يكون كذلك لأنهم أرادوا تحقيق مكاسب مادية، ولكي يجعلوه يفعل كل ما يريدونه مهما كان سيئاً أحضروا له أربعين شيخاً «مثقفين» فشهدوا له أنه ما على الخلفاء من حساب ولا عذاب!
المثقف كما يراه د.حسن حنفي هو الذي يعرف الواقع وأدبيات العصر وقوانين التاريخ، يد مع السلطة ويد مع الشعب من أجل تقريب المسافة بينهما والعمل من أجل الوطن.
المثقف قد يكون عالماً شرعياً وقد يكون شاعراً، وكاتباً أو صحافياً، أو طبيباً أو غير ذلك من أنواع الثقافة، هذا المثقف الذي يحمل هموم مواطنيه ووطنه يجب أن يكون على الحياد ما بين المواطن والحاكم؛ يؤلف بين القلوب، ويعمل على إزالة العوائق التي تباعد ما بين الطرفين؛ الحاكم والمواطن، وهذا هو الدور الفاعل لكل مثقف حريص على وطنه وأمنه وسلامته.
عقلية المثقف تنمو في أجواء الحرية المشروعة؛ الحرية في جميع وسائل الإعلام والتعليم، في المساجد والمدارس والجامعات.
والحوار العاقل يصنع المثقف، ويقويه... يصنعه صغيراً في المدارس الابتدائية عندما يتعلم الصغير على قول ما يعتقد أنه حق، ثم يسمع من أستاذه تصويباً أو تصحيحاً، فيتعلم قبول التراجع عن الخطأ، والتسامح مع من يخالفه الرأي والتكامل مع زملائه في سبيل البناء.
وهكذا ينمو مشروع المثقف فيما بعد في أجواء حرية التعبير والحوار، وسماع آراء الآخرين.
العقليات الحرة القوية لا تنشأ إلا في الأجواء الحرة، والمثقف ينبغي أن يكون حُرّاً في تفكيره وقراراته وآرائه!
التنوع في التفكير من أقوى عوامل البناء، لكنه تنوع يقود إلى التكامل وليس التضاد... هكذا كان المثقفون في فترة ازدهار الحضارة الإسلامية، وهم الذين بنوا هذه الحضارة بكل معطياتها.
الحاكم والمثقف إذا تكاملا أوجدا مجتمعاً قوياً آمناً يتمتع بكل معطيات الحياة الكريمة التي تجعل وطنهما قوياً من الداخل، محترماً من الخارج، لا يعيش تناقضات تنهش قواه وتحطم كيانه، وتؤثر على شبابه.
يتحقق ذلك كله بتعاون وثيق بين الحاكم والمثقف، وفهم كل منهما لمكانة الآخر ودوره في قيادة مجتمعه، ومن دون هذا التكامل سيكون المجتمع مضطرباً في كل شئون حياته.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2867 - الإثنين 12 يوليو 2010م الموافق 29 رجب 1431هـ
فكره
المثقف مرآة الأمة لكن معظم مثقفونا أتباع للحكام
فشكرا للدكتور الذي أثار هذا الموضوع لعل عقلاء المثقفين يعرفون دورهم الحقيقي
عبد علي عباس البصري
العلاقه بين الحاكم والمحكوم هي علاقه ، ميزها الاسلام بحكمته الفذه ، فحرم الخروج علي الحاكم والدعاء اليه بالخير والبركه, حتى تكون هناك خلاصه حب وأمن في الاوطان وحتى يستطيع الحاكم المضي في الحكم وحتى لا احد يستطيع ان يشق عصى ا لمسلمين ، نعم هكذا عاشت الامه العربيه راضيه مرضيه تحت رايه الامويين والعباسيين ، والآن تعيش الامه العربيه منتصره آمنه لانها والت حكامها حتى فاق حبنها حب الاوطان ، فعاشت الامه العربيه حره منتصره