اختتم مساء الأحد مونديال جنوب إفريقيا لكرة القدم للعام 2010، وحضر الزعيم الكبير نيلسون مانديلا في عربةٍ صغيرةٍ مصطحباً زوجته جراسا ميشيل، وغادر بعد دقائق بعدما حيّا الجماهير، ومنعه وضعه الصحي من البقاء رغم إلحاح «الفيفا».
قبل انطلاق الدورة بأيام، قرأت في صحيفةٍ إماراتيةٍ تقريراً متشائماً عن قدرة جنوب إفريقيا على التنظيم، بدءاً من مشاكل سيارات الأجرة إلى المخدرات وحوادث القتل والسطو والسرقات. هذه الصورة السوداوية التي عمّمها الإعلام الغربي مبكراً، تلاشت مع الأيام الأولى، حيث ظهرت قدرة الدولة الديمقراطية التي نشأت على أنقاض نظام «التمييز العنصري»، على تحقيق النجاح.
لم أتابع مباريات المونديال غير لقطات الأهداف آخر نشرات الأخبار، وكلّ ما كان يهمني أن أرى وجه مانديلا ليلة الختام بعد غيابه عن الافتتاح. فالرجل الحرّ الذي قاوم سياسة التمييز العنصري حتى أسقطها، ظلّ على لائحة الإرهاب الأميركية حتى العام 2008! ووقوفه على المنصة لتسليم الكأس يعني هزيمةً للنظام العنصري الذي ظلت تدعمه الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا طوال عقود.
في الأسابيع الماضية كان الزملاء بالقسم الرياضي يسألوننا في القسم الدولي عن توقعاتنا بشأن المباريات، وكنّا نجيبهم وفق «حساباتنا السياسية»، إذ كنا نشجّع الجزائر العربية أولاً. فلما خرجت مبكراً أخذنا نشجّع الدول الآسيوية فالإفريقية، فلما خرجت غانا ونيجيريا انتقلنا لتشجيع الدول اللاتينية... فنحن نتبع قاعدة «الأقرب فالأقرب»! وفي دور الأربعة شجّعنا الأوروغواي ضد الدول الغربية ذات التاريخ الاستعماري المشين.
في يوم المباراة الأخيرة سألني أحدهم مازحاً: مَنْ تشجّع اليوم؟ فقلت له: من سيلعب اليوم؟ فقال: هولندا وإسبانيا. فأخذت أفكّر قليلاً لأتذكّر أيهما كان أقل ضرراً لنا، فتذكّرت أن هولندا استعمرتنا في الخليج على خلاف إسبانيا، فأجبته: إسبانيا!
من حسن حظّنا أن إسبانيا توجّهت غرباً لاستعمار العالم الجديد وخاضت حرب إبادةٍ ضد الشعوب الأصلية فانتشرت لغتها في أغلب الدول الأميركية اللاتينية، ومثلها فعلت جارتها البرتغال التي سادت لغتها في البرازيل. وفي ذروة المد الاستعماري والاستكلاب الغربي في القرن السادس عشر، للسيطرة على بقية دول العالم وسرقة ثرواتها، وجدت آسيا وإفريقيا نفسيهما تحت رحمة الغزاة الجدد... الذين تقاسموا بلدانها غنائم حرب.
الغزاة بعضهم خرج بحثاً عن الثراء والذهب، وبعضهم خرج هرباً بمعتقداته من الحروب الداخلية بين أصحاب المذاهب المتناحرة في أوروبا. ومن هؤلاء مَنْ نزل أرض جنوب إفريقيا العذراء، ليزيح شعبها الأصلي نحو الداخل ويقيم مستوطناته الجديدة... لتبدأ واحدة من أغرب قصص التاريخ، حيث يتحوّل شعبٌ خليطٌ من الهولنديين والألمان والانجليز المهاجرين بحثاً عن حياةٍ أكثر أمناً وعدلاً، إلى شعبٍ مضطهِدٍ يقيم نظاماً متغطرساً، يمارس التمييز بين البشر وفقاً للون بشرتهم، واحتاجت هذه اللوثة العنصرية إلى قرنين كاملين حتى يتم إصلاحها، بالتخلي عن نظام الابارتهايد... وربما كان أسوأ أيام المونديال يوماً فازت فيه معاً بريطانيا وأميركا، الحليفان الرئيسيان التقليديان لذلك النظام.
مباراة الختام أطل فيها النجم مانديلا (91 عاماً)، الذي قضى ثلث عمره مع زملائه الأحرار في سجن جزيرة روبن، يقطع الأحجار من الجبل، حتى يغطيه الغبار الأبيض، وتلتصق ملابسه بجسده من العرق. جاء ليضع لمسته الأخيرة في المونديال معلناً انتصار الإنسان.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2867 - الإثنين 12 يوليو 2010م الموافق 29 رجب 1431هـ
عبرة كبرى
الذي قضى ثلث عمره مع زملائه الأحرار في سجن جزيرة روبن، يقطع الأحجار من الجبل، حتى يغطيه الغبار الأبيض، وتلتصق ملابسه بجسده من العرق. جاء ليضع لمسته الأخيرة في المونديال معلناً انتصار الإنسان.
هذه من عبر التاريخ فهل من معتبر؟
مانديلا البحرين ؟؟!!
رداً على التعليق رقم واحد ,, ولكن هذه أمنية لا تتحقق بسبب تعصب شعب البحرين ,كل لفريقه أو لجنسه أو لقوميته أو لعائلته ,.يوم كانوا على قلب واحد كانوا يلهجون بذكر الشملان والعليوات وكمال الدين وغيرهم ,, فلما (تفرقوا أيدي سبأ) صاروا يزنون الناس بموازين طائفية وعرقيّة ومذهبية, فكيف يتفقون على شخصية كمانديلا ,؟ نعم هناك مانديلا لفئه ,, يقابله مانديلا لفئة أخرى ولو وجد مانديلا فإنه لن يصل هذه المرحلة إلاّ وهو عاجز مريض أ] (بحالة نفسه) .. مانديلا نتاج حضارة تحترم الإنسان. بعكسنا !!
العظماء لا يتكررون كثيرا
نحن بحاجه لمنديلا في البحرين علشان ايخلصنا من الاحنا فيه... الله كريم