العدد 2867 - الإثنين 12 يوليو 2010م الموافق 29 رجب 1431هـ

على مفترق الطرق (1 - 3)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إذا استثنينا مباريات كأس العالم، فليس هناك ما يشغل الشارع السياسي البحرين أكثر من الصورة التي سوف يلتئم عليها برلمان 2010. نلمس ذلك بوضوح في أنشطة المجالس الأسبوعية، وفي الحيز الواسع الذي باتت تخصصه وسائل الإعلام المحلية، وعلى وجه الخصوص منها الصحف اليومية، لتغطية الفعاليات ذات العلاقة بتلك الانتخابات. ما ينبغي على المراقب أن يتوقف عنده وهو يتابع تطورات أحداثهما، هو أن الانشداد نحو فعاليات المونديال إنما يعكس اهتماما يشبع فضولاً مفهوماً، في حين ان استقراء نتائج الانتخابات يعكس هماً من هموم ذلك الشارع.

أبعد من ذلك، وفيما يتعلق بتأثيراتهما على المواطن البحريني، فإن حدود ما سيؤول له ترتيب الفرق لن يتجاوز إطار التأثيرات المعنوية التي لا تمس المواطن البحريني، ولا تنال من نمط حياته، ولا تحدد مستوى لقمة عيشه، بينما ستترك نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة بصماتها الواضحة على جوهر حياة، وبالتالي سلوك، ذلك المواطن للسنوات الأربع التي تعقب إعلان تلك النتائج، كحد أدنى.

وكما في المونديال، حيث تخضع توقعات النتائج للأرقام التي تتحرك فوق ساحة اللعب، فتجرى المقارنات بين الفرق على أساس مهارات اللاعبين، وكفاءات المدربين، مقرونة بالسجل التاريخي لكل فريق منها وأدائه، كذلك في الانتخابات البرلمانية، هناك ساحة للصراع، بدلاً من اللعب، وهناك فرق يتمتع كل واحد منها بمواهب تميزه عن الآخرين، تتمثل في المهارات التي يتمتع بها المرشحون، والبرامج الانتخابية التي يروجون لها، والتحالفات التي ينسجونها، والعلاقات العامة التي ينمونها، مضافاً إليها الإمكانات المالية والسياسية التي بحوزتهم، والتي تمارس دورها الملموس في ترجيح كفة كتلة معينة على منافسيها، وقبلهم غرمائها.

وكما في المونديال، لو حاول المواطن المراقب لنبض الشارع السياسي تحديد أبرز الكتل المؤثرة في نتائج انتخاباته، لوجدنا أنها تنقسم إلى خمس كتل رئيسية، دون الدخول في تفرعاتها الداخلية ليس من أجل تقزيم دور تلك الفروع، بقدر ما هو حرص على تحاشي التمعن غير المطلوب في الشجرة كي لا تحجب عنا صورة الغابة، هي:

1. السلطة التنفيذية، بكل ما تمتلك من خبرة سياسية، يمكن اعتبارها الأغنى على المستوى السياسي، نظراً لخبرتها المستمرة غير المتقطعة، لما يزيد على نصف قرن من الزمان، من التعامل المتواصل مع مختلف ألوان القوى السياسية، ببرامجها المتباينة والمتغيرة وفقاً لكل مرحلة. لا ينبغي التقليل من هذه الخبرة من لدن أية جهة تحاول أن تقيس موازين القوى على الساحة السياسية، فهي تشكل رصيداً كبيراً له دوره المؤثر في معالجة الأمور ونسج التحالفات، أو تهميش عناصر المعارضة أو تفتيت مكامن قوتها. يضاف إلى ذلك ثقلها الإضافي الذي تستمده من تحالفاتها مع القوى الخارجية والإقليمية، ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة مع القوى السياسية الأخرى العاملة في الساحة، حليفة للسلطة التنفيذية كانت، أم معارضة لها. وفوق هذا كله، هناك الإمكانات المالية التي بحوزة الدولة، سواء تلك التي تحصل عليها من الموارد الطبيعية، أو من الشركات الحكومية وشبه الحكومية التي تمتلكها كلية أو نسبة منها، دون أن نستثني تلك الجبايات المؤداة من الخدمات العامة التي يسددها المواطن.

2. كتلة رجال الأعمال والتجار، والمكونة من خليط غير متجانس سياسياً يضم تحت مظلته مجموعات يتنافر البعض منها، ويتناغم البعض الآخر بشكل عشوائي في الحالتين. تعاني هذه الكتلة حالياً من ثلاثة عناصر تهميشية أساسية عملت على تقليص دورها السياسي، الأول، ذاتي، حيث اعتبرت هذه الكتلة العمل السياسي ساحة لا تمت لها بصلة، وفصلت بشكل عشوائي ذاتي بين انخراطها في أي شكل من أشكال العمل السياسي وبين ممارسة أعمالها التجارية. الثاني، حكومي، حيث دأبت السلطة التنفيذية، عبر مؤسساتها المختلفة، بشكل دؤوب متواصل على هذه الكتلة، إما بشكل مباشر من خلال ضغوط متواصلة بلغت حدة التهديد بممارسة بعض من أنماط القمع والاستبداد بحقها، أو غير مباشر عن طريق التلويح إما بحرمانها من الحق في المشاركة في المناقصات التي تطرحها الدولة، وقد يصل الأمر في حالات معينة من حرمانها من احتمالات الفوز بأي من تلك المناقصات. أما العنصر الثالث فهو المعارضة السياسية المنظمة، دون أي استثناء، التي إما أنها وقعت، بدون وعي، في الفخ الذي نصبته لها السلطة التنفيذية، فأهملت هذه الكتلة وقزمت من مساحات التعاون معها، أو أنها، وبناء على تحليلات خاطئة، قفزت إلى استنتاجات تقود في محصلتها النهائية، إلى بتر دورها، بشكل متجنٍ، في العمل السياسي الوطني.

3. الكتلة الوطنية الديمقراطية، وهذه كتلة عريضة يتفاوت حضورها السياسي بين القوى المنظمة الخارجة من رحم التنظيمات السياسية التقليدية (بخلاف تلك المرتبطة من قريب أو بعيد من التيارات الإسلامية المختلفة)، من حزب البعث العربي الاشتراكي، وجبهة التحرير الوطني البحرينية، والجبهة الشعبية في البحرين، والتي تعبر اليوم عنها جمعيات: «التجمع القومي» و»المنبر التقدمي» و»العمل الوطني الديمقراطي» (وعد)، على التوالي، وبين العناصر الوطنية الديمقراطية التي كانت لها تجربة في تلك التنظيمات، لكنها ارتأت، لأسباب البعض منها موضوعي والآخر ذاتي، الاحتفاظ بمسافات واسعة بينها وبين القوى السياسية المنظمة من غير تلك التي تنتسب للتيار الوطني الديمقراطي، سلطوية كانت أم إسلامية.

هذه الكتلة، أفراداً وجمعيات سياسية تتميز عن سواها من القوى الأخرى بخبرة سياسية ديناميكية غنية قادرة على النمو والتطور بشكل متسارع يؤهلها لخلق الكتلة السياسية الحرجة المعاصرة، لكنها تعاني من خلل بنيوي سياسي تنظيمي مركب مصدره الأساسي ذاتي، يستمد قدرته على الحياة والعمل السلبي في صفوفها من خلفيات علاقاتها التاريخية التي لم تستطع أن تتخلص من ذيولها. يضاعف من أزمة هذه الكتلة الذاتية، فشلها، في حل تلك الخلافات التي تقف سداً منيعاً أمام قدرتها على استقطاب جماعي للأفراد ممن ينتمون لتيارها لكنهم غير قادرين على الإسهام في أنشطته وفعالياته، تحاشياً لأن يتحول إلى حطب يؤجج من نيران تلك الخلافات ويزيد من اشتعالها. ويعود ذلك بشكل أساسي إلى الخلافات الناشبة بين القوة المنظمة في تلك الكتلة والتي لا تخفيها تلك اللقاءات الشكلية المطلية ببعض الرتوش التجميلية التي تطمس، دون أن تزيل أوجه قبح تلك الصراعات.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2867 - الإثنين 12 يوليو 2010م الموافق 29 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:20 م

      الملفات المهملة سوف تفتح في المخيمات الإنتخابية

      إن من ظن بأنه أفلت من الملفات العفنة سوف تفتح في المخيمات الإنتخابية .... ونعني القطاوة الذي أخذوا يرتعون ...وليعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .. مع تحيات Nadaly Ahmed

اقرأ ايضاً