وبعد سلسلة من خطط التحفيز الاقتصادي التي تدخل فيها الصندوق السيادي المحلي «سمروك خزينة» تمكنت كازاخستان من تجاوز الأزمة، ولم ينكمش الاقتصاد فيها؛ بل سجل نمواً بسيطاً العام 2009، بمعدل 1.3 في المئة، أما في الأشهر الأولى من 2010، فإن النمو يتجاوز ثمانية في المئة.
وخلال إدارة إحدى الندوات في المؤتمر الذي كنت أحضره، بدأت بشكل عفوي في المقارنة بين الأوضاع الاقتصادية هنا، والأوضاع التي نعيشها في أوروبا، ففي الأسواق الغربية تلامس البطالة حالياً مستوى عشرة في المئة، أما الوظائف الجديدة فهي تكاد تكون معدومة. ويبدو أن الطبقة السياسية في كازاخستان تحاول أن تتصرف على المستوى الاقتصادي كما فعلت على الصعيد السياسي؛ إذ إنها تحاول جذب المستثمرين من كل أنحاء العالم، ونرى في البلاد نشاطات واسعة لشركات روسية وصينية وكندية، من دون نسيان الحضور البارز للاعبين الشرق أوسطيين، وعلى رأسهم أبوظبي. فالإمارة الواقعة في دولة الإمارات العربية المتحدة لديها صندوق استثماري في كازاخستان بقيمة نصف مليار دولار؛ بينما تسعى البحرين إلى دخول السوق عن طريق البحث عن فرص بالمصرفية الإسلامية، وتسعى دول خليجية أخرى إلى استثمار الإمكانات الزراعية الكازاخية لتوفير الغذاء لسكانها.
أما الفريق المحيط بالرئيس الكازاخي، نور سلطان نزارباييف، فهو مشكل من 40 شخصاً يتقنون اللغات الأجنبية بشكل كامل، وتتركز نشاطاتهم في وضع خطة التنويع الاقتصادي.
ويريد الرئيس وفريقه تطوير قدرات البلاد من خلال زيادة حجم الطبقة الوسطى في كازاخستان، لإدخال البلاد بشكل حقيقي في النظام الاقتصادي العالمي، وهم يدركون بأن الطريق للقيام بذلك لن تكون سهلة، وخاصة بعد الإخفاقات التي سُجلت في مجالات التكنولوجيا والطاقة والنسيج وسواها من القطاعات.
ولكن هذه العراقيل لن تقف في طريق البلاد التي تدير صناديقها الاستثمارية السيادية ثروات تقدّر بخمسين مليار دولار، وقد نجحت في السنوات العشر الأخيرة برفع مستوى الدخل الفردي نسبة إلى الدخل القومي عشرة أضعاف. وعلى الصعيد السياسي، ترغب مؤسسات حقوق الإنسان في رؤية بعض التقدم على صعيد حرية الصحافة وانفتاح المجتمع، وهي أمور قد تصب في نهاية المطاف في صالح الحكومة لأنها ستزيد جاذبية كازاخستان للمستثمرين الأجانب. وفي الوقت الذي يستمر فيه الجدل بشأن أولية الحريات أو التنمية الاقتصادية، يواصل قادة كازاخستان السعي إلى جعل بلادهم ذات الموقع الاستراتيجي واحة مستقرة للاستثمار الاقتصادي في منطقة مضطربة، مستفيدين من توافر الثروات الطبيعية الهائلة التي يرغب الجميع بالحصول على حصة منها في طريق الحرير الجديد.
العدد 2866 - الأحد 11 يوليو 2010م الموافق 28 رجب 1431هـ