العدد 2865 - السبت 10 يوليو 2010م الموافق 27 رجب 1431هـ

ذلك «الإرهابي» الذي رحل!

ندى الوادي nada.alwadi [at] alwasatnews.com

.

عندما نتأمل ردود الفعل الغربية بالذات على وفاة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله فإننا ندرك عدة أمور، على رأسها فداحة الخسارة التي خلفتها وفاته في المنطقة، ناهيك عن منهجة وسائل الإعلام الغربية لمواقفها تجاه الشرق الأوسط وشخصياته «المزعجة بالنسبة إليها». والتي لا تعبر بالضرورة عن مواقف المجتمع الغربي وقناعاته.

فضل الله كان شخصية إسلامية فذة اجتمعت على احترامها كافة الطوائف والفرق الدينية والسياسية التي عرفته، ليس فقط لمواقفه وآرائه الفكرية والسياسية التقريبية، ولكن أيضاً لنظرته الإنسانية الشمولية واحترامه لتلك الطوائف والأديان. هذا الاحترام الذي جعله بحق عملة نادرة في هذا الزمن. فقد كان رقماً صعباً في المعادلة السياسية اللبنانية، مثلما كان استثنائياً في فتاواه الدينية المرتبطة بروح العصر والمجتمع. وبعد رحيله نتساءل: هل مجتمعاتنا التي تتلمذت على يد أفكار دينية منغلقة وطائفية بعيدة عن روح الدين وسماحته قادرة على أن تفرخ من جديد شخصية كفضل الله؟ أم أننا نسير في المنحدر المتأزم نفسه الذي يرفض التعاطي مع الآخر ويلغيه مع الأسف؟

تلك الشخصية الدينية المنفتحة هي نفسها التي وضعتها الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب، ففضل الله بالنسبة للولايات المتحدة و»إسرائيل» رسمياً ليس سوى ذلك الإرهابي بوصفه زعيماً روحياً لحزب الله. يظهر ذلك في كافة التقارير والأخبار التي تناولت خبر وفاته يوم الأحد الماضي ( يوليو/ تموز) في الصحافة الغربية. فقد اهتمت كل من صحف الـ «نيويورك تايمز» و»واشنطن بوست» الأميركية و»الغارديان» البريطانية بخبر وفاته ومراسم تشييعه، لكنها لم تغفل دائماً تذييل أخبارها بمواقفه المعادية لـ «إسرائيل» والغرب والتي وصمته بصفة «الإرهابي» في أجندة السياسة الأميركية.

وعلى الرغم من هذه الخلفية السياسية الغربية تجاه فضل الله، لم تمتلك محررة قناة الـ «سي إن إن» للشرق الأوسط أوكتافيا نصر نفسها عن التعبير بشكل شخصي عن حزنها واحترامها لهذا «الإرهابي» على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر». رأيها العفوي ذاك الذي اعتذرت عنه لاحقاً كلفها وظيفتها في الـ (سي إن إن) التي اعتبرتها باحترامها له تجانب «الموضوعية» في تغطيتها للقناة.

السفيرة البريطانية في لبنان فرانسيس جاي «جانبت الموضوعية» بدورها أيضاً عندما عبرت عن أسفها لوفاة هذا «الرجل الشريف» واحترامها له في مقال كتبته في مدونتها الشخصية. في مقالها العفوي والصادق ذاك تقول جاي بأنها كانت دوماً تتجنب الإجابة عندما تسأل عن أكثر الشخصيات السياسية اللبنانية إثارةً لإعجابها تجنباً للانحياز السياسي في الداخل اللبناني، لكنها اليوم تقول بأن فضل الله كان بالنسبة إليها هذه الشخصية.

المقال الذي سحبته الحكومة البريطانية من المدونة الشخصية لسفيرتها والذي لايزال يمكن العثور عليه بين أروقة الإنترنت، هو دليل آخر على فداحة الخسارة التي نتكبدها برحيل رجل كفضل الله. فعلى الرغم من موقعها الرسمي وموقع بلادها الذي يصنف حزب الله كتنظيم إرهابي، لم تمتلك السفيرة جاي نفسها عن الإعجاب بهذا الرجل والتأثر به.

تلك المواقف العفوية كالتي قامت بها محررة الـ «سي إن إن» المفصولة، والسفيرة البريطانية في لبنان، هي بنفسها التي تعبر عن عمق التأثير الذي يمكن أن تتركه شخصية دينية تجاوزت الفئوية إلى الانفتاح على الآخر والتحاور معه واحترامه، فنالت بذلك احتراماً عميقاً متجذراً يفوق في تأثيره البعيد الخطابات الدينية المتطرفة ذات التأثير الآني والزائل.

في واقعنا السياسي المتناقض، الذي يصنف البطل فيه إرهابياً، ووسط تحديات سياسية عالمية تقع منطقتنا في قلبها، هل نحن قادرون على تفريخ شخصيات كفضل الله؟ ذلك الإرهابي الذي نال احترام حتى مناقضيه في التوجه السياسي والفكري والديني؟ فما قام به وما خلفه وراءه يتجاوز في تأثيره ألف قائمة للإرهاب. إنها تركة المحبة تلك التي خلفها وراءه، وللمحبة قوة عظمى لو كانوا يعلمون

إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"

العدد 2865 - السبت 10 يوليو 2010م الموافق 27 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 8:31 ص

      سوف ننسى سريعا

      السؤال : هل حاول أحد الدفاع عن " الإرهابي " الراحل ؟
      قريبا سوف ننساه ونعود إلى بيوتنا وتعود الحياة الجافة من جديد - هكذا نحن وسنبقى هكذا !

    • Ebrahim Ganusan | 6:22 ص

      أصبت عين للحقيقة يا مدرس ثانوي

      من يدعوا للأسلام لايغلب الفئوية والمذهبية والطائفية والحزبية
      من يدعوا للمحبة والانسانية لابد ان ينفتح على الاخر المختلف بمحبة
      من يدعوا للوحدة يجب عليه رمي منجل الخلافات التاريخية من يدعوا لمحبة اهل البيت ع والصحابة ر عليه ان يقرا السيرة الصحيحة لهم وليست التي تلاعبت فيها ومضغتها انياب التعصبات التاريخية ولونتها السياسة على مر العصور حسب تلاوين المؤرخين لقد ترك السيد فضل الله رضوان الله عليه لكم عنواين وارث عظيم في كيفية فهم الدين الذي اشار له أهل البيت ع والسيد دفع ثمن الحقيقة المرة

    • زائر 11 | 5:43 ص

      تفريخ الشخصيات -يغيب سيد ويطهر سيد -هدا هو التشيع

      اكثر الشخصيات بروزا خلال هدا الاسبوع هو طهور السيد عبداللة الغريفي-فاالاخبار توحى بان الغريفي سوف يكون المسؤل عن جميع الامور -فاالغريفي هو من اهل البحرين -وهو نجفي التعلم والرعاية-ولبناني الهوى والدوق والتجديد-وايراني السياسة والدبلوماسية- وفي سوري علاقات ومعارف من جميع التيارات والمداهب- فاالسيد الغريفي يحمل حلم وفكر وطموح الكثيرين من جميع التواجهات -فعلاقات الغريفي مثل البحار والمحيطات -فالسيد عبداللة الغريفي رجل التغير والتجديد القادم -هدا مايلوح في سماء وافق البحرين

    • زائر 10 | 4:10 ص

      للزائر 7.. المحترم

      أخالفك الرأي 180 درجة.. فلن يولد الرجال إلا من معترك الحياة.. وطالما هناك طائفية فهناك من سيحارب هذه الطائفية.. أتمنى فقط عدم التشدق بالدين.. فالدين سمح وليس باَخذ للثأر أياً كان

    • زائر 9 | 3:12 ص

      درس ثانوي

      جزاك الله خير على هذا المقال و في ميزان حسناتك إن شاء الله .
      أما بخصوص سؤالك هل نحن قادرون على تفريخ شخصيات مثل فضل الله ، من وجهة نظري صعب جداً ، شخصية فضل الله لن تتكرر بسهولة حسب المعطيات الموجوده حالياً ، هذه الشخصية تحتاج أن تتنفس هواء نظيف غير ملوث بالطائفية و الحزبية و الإنغلاق و التمحور حول الجماعة و الطائفة و الحزب .
      التنبؤ بولادة شخصية متكاملة مثل فضل الله في الوقت الحالي يعتبر من الأحلام بعيدة المنال .
      و شكراً لكِ مره أخرى أختي الكاتبة .

    • زائر 7 | 1:13 ص

      للزائر أبو جالبوت

      أخوي.. خلك في الصافي والجرجفان.. وإذا أحببت التوسع والتشعب.. فعليك بالرجي.

    • زائر 5 | 12:55 ص

      أحد شباب ابوصيبع

      لست متعجباً من الغرب وما يفعله ضد المرجع الكبير رضوان الله عليه لكن العجب كل العجب من المدّعين ولائهم لآل البيت وهم يقودون حملات ضده في حياته وفي مماته وهذه الحملات عليها الكثير من علامات الاستفهام والتعجب.
      نسأل الله لهم الهداية.

    • زائر 4 | 12:45 ص

      وماذا عن العرب ؟

      لم تتطرّق الكاتبة لموقف السواد الأعظم من العرب,, بإستثناءبغض الدول العربيّة التي تُعد على نصف أصابع اليد الواحدة فإنّ الفقيد ليس إلاّ (عالم دين شيعيّ)!! ولا يقولون عالم مسلم !! ففي زمن بلغ الخوف من أريكا وأتباعها حدّاً كبيراً لا حاجة للعرب المهجّنين بمن يرفع صوته بمعاداة الغرب وإسرائيل ,, أو على الأقل بمن (يعوّر الراس) ويخرجهم من سكرة السلام المرتقب ؟؟

    • زائر 3 | 12:05 ص

      ماهذا الكلام

      هل مجتمعاتنا التي تتلمذت على يد أفكار دينية منغلقة وطائفية بعيدة عن روح الدين وسماحته قادرة على أن تفرخ من جديد شخصية كفضل الله؟ أم أننا نسير في المنحدر المتأزم نفسه الذي يرفض التعاطي مع الآخر ويلغيه مع الأسف؟
      وضحي يا اختي الكريمة، من اين عرفتي بأن المجتمع البحريني تتلمذ على ايادي طائفية؟ هل لك ان تذكري اسماء، او حتى ارقام؟ هل لك ان تجيبيني من هو الطائفي في هذا البلد ومن هو الغير طائفي؟
      كلامك خطير يا سيدتي، وعليك ان تعيدي النظر فية، انا لا انكر وجود الطائفية...ولكن ليس كل المجتمع طائفي...

    • زائر 2 | 11:00 م

      الغرب...هو الغرب

      الغرب هو الغرب...دائما يمارس الضغط على الاسلام ويريد أن يحجب الضوء المشع من حياتنا...والاغرب من ذلك..يتباهى هو الاخر بالديقراطية والعلم...فلا يريد أن تكون بقعة ضوء مشعة في أرضنا الا مستوردة منه..أما من انتاج الاسلام فلا..هذا هو الغرب اوالمغرور به كثير من المستغربة...

    • زائر 1 | 10:53 م

      أبو جالبوت

      شكرا للكاتبة على المقال يوجد به تغيير بسيط ولكن المقدمة معتادة و المعلومات التي تحتويها و الأسلوب و طريقة الخطاب تحتاج إلى تطةير لأن عشرات المقالات تناولتها بنفس الأداء .
      كل التقدير للكاتبة .

اقرأ ايضاً