العدد 2865 - السبت 10 يوليو 2010م الموافق 27 رجب 1431هـ

مقاييس انتخابية وطنية اللون ديمقراطية المذاق

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ها قد بدأ سباق الانتخابات، وأخذ جميع المتسابقين مواقعهم استعداداً للانطلاق، وشرع كل مرشح منفرداً أو بدعم من حزبه في استعراض كفاءاته، والترويج لبرنامجه الانتخابي. يسبق كل ذلك مرحلة أخرى، والحديث هنا، ينصب أساساً على الأحزاب، أكثر من التوقف عند الأفراد، يلتقي خلالها طهاة السياسة في كواليس مطابخهم كي يعدوا الوجبة التي يعتقدون أنها الأوفر حظاً في النجاح، لاستساغة الناخبين لها.

وإن أردنا لهذه الطبخة أن تكون وطنية اللون ديمقراطية المذاق، فإن هناك مجموعة من المداخل الرئيسية هي التي يفترض أن تسير أعمال ذلك المطبخ السياسي الذي تتم فيه، عند ترشيح عناصره، أو وضع برامجه الانتخابية، أو رسم معالم خطواته التنفيذية، وتتحكم في ضوء كل ذلك في مقاييس أولئك الطهاة وطرق اختياراتهم. ويمكن تلخيص أهم تلك المداخل في النقاط التالية:

1. المواطنة الصالحة، المنبثقة من ولاء وطني صرف غير قابل للنقاش أو المساومة، تتجاوز خطوطه الحمراء حدود الحزبية الضيقة، وتتخطى عقبات الطائفية الممزِّقة (بكسر الزاي) للمجتمع، قبل الوطن. فمن الطبيعي أن يتمسك أولئك الطهاة، بتوفر شروط المواطنة الصالحة في كل من يطمح في خوض غمار الانتخابات، وفي البرامج التي يعمل من أجل تنفيذها. إذ ينبغي للأفراد والقوى السياسية، على حد سواء، أن يحملوا عالياً في أيديهم راية المصالح الوطنية، المراعية لحقوق المواطن، والمدافعة عنها بكل السبل الممكنة من أجل الحفاظ عليها، وعدم التنازل عن أي منها، أو طرحها على بساط المساومات الحزبية أو المنافع الطائفية.

2. طبيعة المرحلة ونسبية المقاييس، فليس هناك أفراد صالحون بشكل سرمدي، أو برنامج ملائم وقابل للتنفيذ بشكل مطلق. واليوم، حيث تتحكم قوانين العولمة في العلاقات الدولية، وتتفاعل بتأثير متبادل مع العناصر الوطنية، مضيقة من خلال ذلك التفاعل مساحات الاختلاف المحلية بين الدول والمجتمعات، ومقلصة أوجه التباين بينها، وفارضة الكثير من المقاييس ذات المواصفات الدولية التي تتجاوز تلك المحلية أو الإقليمية، تزداد الحاجة إلى تغيير الأفراد والبرامج على نحو مستمر وبوتائر أكثر سرعة من المراحل السابقة. هذا يتطلب من أولئك الطهاة أن يمتلكوا قوائم متوالدة تمدهم بالأسماء المناسبة التي يحتاجونها، وبالكفاءات المتطورة القادرة على صياغة البرامج الملائمة للمرحلة المعينة، والقابلة للتغييرات التي تتطلبها التحولات التي باتت اليوم سريعة، والتي لا يمكن أن يقفز فوقها المجتمع المعني.

3. مواصفات المرشح، إذ لابد أن يتحلى من يختاره أولئك الطهاة، بالحدود الدنيا من الكفاءات المهنية، والمهارات الفكرية، والحضور الشخصي (الكاريزما)، الذي يبرر وقوف التنظيم السياسي الذي يختاره وراءه، فيبيح ما سوف ينفقه ذلك التنظيم من أموال، وما سوف يسخره من إمكانات داخلية وخارجية، من أجل ضمان فوز ذلك المرشح على منافسيه في الدائرة المعنية. هذه المواصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المرشح لا تكتسب في لحظة اتخاذ قرار الترشح، بل تبنى عبر سنوات يراكم خلالها ذلك المرشح، عبر قنوات معقدة، علاقات ذات طبيعة معينة مع جمهوره الذي يتوجه نحوه لكسب أصواته. هذا المدخل يقلص دور القرارات الفوقية المنطلقة من مواقع حزبية أو مراكز دينية.

4. العلاقات مع القوى السياسية الأخرى، أو بمعنى آخر ضمان عدم مساس الدفاع عن ذلك المرشح، بطبيعة العلاقات التي تحكم من يقف وراءه والقوى السياسية الأخرى. ذلك أن العملية الانتخابية لا ينبغي أن تكون محطة مفصولة عن محطات العمل السياسي الأخرى، أو مهمة واحدة مبتورة من مهام العمل الوطني، إذ يسبقها الكثير من المهام الأخرى، وتتخللها مهام أخرى أكثر صعوبة وأهمية، وتترتب عليها مستلزمات مستقبلية لا ينبغي التقليل من مكانتها ودورها.

ما يلمسه المواطن البحريني أن مثل هذه المقاييس، وأخرى غيرها، وربما أكثر أهمية منها، لم تعد هي المعمول بها في معظم، كي لا نخطئ من خلال التعميم فنشمل الجميع، صفوف القوى السياسية البحرينية المنخرطة في عمليات الانتخابات القادمة. لكن تلك النسبة الضئيلة، في حال تواجدها، تشكل الاستثناء الذي يثبت القاعدة، كما أن تواضع نسبة حضورها مقارنة مع النسب الأخرى الطاغية، يجعل تأثيراتها محدودة، وأصواتها غير مسموعة لطغيان الأصوات النشاز الأخرى عليها. التي نجحت في تشويه صورة تلك القوى المعارضة بشكل عام في عيون الناخبين، وأساءت إلى سمعتها السياسية في صفوفها.

المؤسف في الأمر، وما يحز في نفس المواطن العادي، أن الصورة القائمة اليوم تضرب عرض الحائط بتلك المقاييس، كي تحل مكانها أخرى تقوم على مجموعة مغايرة من المداخل، تطفو على سطحها المقاييس السيئة التالية:

1. الحزبية الضيقة العمياء، التي تضع مصلحة الحزب فوق مطالب المواطن، فيحل الحزب مكان الوطن، وتزيح الحزبية العمياء المتعصبة الولاءات الوطنية، وتحل مكانها. لذا بدأ المواطن يلمس تمترس الأحزاب وراء مرشحيها دون أي اعتبار لمقاييس المواطنة، إلا عندما تتطابق مع المصالح الحزبية.

2. الطائفية الممزقة (بكسر الزاي)، التي تحسن شحن العواطف، وإذكاء التاريخ، وتجييره طائفياً. ولكي لا يساء الفهم هنا، فما نشاهده من طائفية اليوم، لم يعد محصوراً في الطائفة الشيعية، أو قواها السياسية، كما يحلو لبعض القوى أن تروج. إنها سمة بدأت تسيطر على نسبة عالية من مكونات الخطاب السياسي البحريني، وهو أمر يقلص من إمكانات تشكيل جبهة وطنية معارضة عريضة، ويحول دون تبلور تيار وطني معاصر يضم في صفوفه التيارات المدافعة عن المواطنة وحقوقها الديمقراطية، ويزود، على نحو مواز ومتزامن، السلطة التنفيذية بأدوات فعالة تعطيها مقومات التفوق على المعارضة بكافة أشكالها التنظيمية، وانتماءاتها الفكرية.

3. المزيج العفن من الحزبية الضيقة والطائفية الممزقة (بكسر الزاي)، حيث نمت على محيطات القوى السياسية البحرينية طحالب تنظيمية ضارة، مزجت بكفاءة عالية تحسد عليها بين ضيق الأفق الحزبي، ونزق السلوك الطائفي، فجاءت المحصلة قوى سياسية تدعو لتحقيق برنامج عمل سياسي يدخل البحرين في نفق مظلم تفوح منه رائحة ذلك التفاعل المزكم للأنوف الجامع بين التخندق الحزبي والتمترس الطائفي، بالمعنيين السيئين للتعبيرين

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2865 - السبت 10 يوليو 2010م الموافق 27 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً