لماذا لا تستفيد الجمعيات السياسية في البحرين من التجربة الانتخابية في لبنان وتفتح أبوابها ونوافذها لدخول هيئات وشخصيات تخفف من حدة الاستقطابات الطائفية والتجاذبات المذهبية التي تعطل الحوار وتساهم في توتير علاقات يفترض أنها تتلاقى على أرضية مشتركة؟
الجواب لا يعني أن الواقع اللبناني يتطابق مع البحريني. التطابق غير موجود بسبب التشعب السكاني في بلاد الأرز وتداخل تضاريس الجغرافيا بالتوزع الطوائفي والمذهبي وهذه الحال غير متوافرة في البحرين. كذلك توجد مجموعة اختلافات في البنية الهرمية للنظام في اعتبار أن السلطة في لبنان تعتمد المحاصصة الطائفية (50 في المئة من المقاعد للمسيحيين مقابل 50 في المئة للمسلمين). وداخل التقسيم الثنائي تتوزع المقاعد داخل كل طائفة إلى نسب مئوية ينال كل مذهب حصته بحسب حجمه في الدائرة الجغرافية.
أيضاً هذا التوزيع المتداخل بين الجغرافيا (المنطقة) والطائفة والمذهب غير موجود في البحرين في اعتبار أن البنية السكانية تختلف في تكوينها الخاص عن تلك الخريطة الديموغرافية المنتشرة في لبنان التي فرضت شبكة من الدوائر الانتخابية حتى تتناسب المقاعد مع طبيعة الانتشار السكاني وتوزعه على المناطق.
الاختلاف في الطبيعة والتكوين وهيئة السلطة لا يلغي التفكير أو البحث في إيجاد مخارج تستطيع الاستفادة من تجربة الجمعيات السياسية في لبنان وطموحها نحو تعديل الاستقطاب والتخفيف من حدة الاستنفار الطائفي والتجاذب المذهبي خلال فترة التحشيد الانتخابي. فالجمعيات السياسية تحرص دائماً على الظهور من خلال المشهد الوطني حتى لو كانت تدرك أن قاعدتها الانتخابية طائفية ومذهبية.
المظهر الخارجي فولكوري وأحياناً يفتقد إلى ذاك التجانس بين العضو المنتخب في المجلس النيابي وقاعدة التمثيل التي صوتت له. كذلك يبدو أحياناً المشهد المطل على الساحة الوطنية المشتركة وكأنه محاولة لتجميل الحزب بوجه من طائفة أخرى حتى لا يتهم بالانغلاق على دائرة مذهبية ضيقة. الديكور التجميلي (التعددي) مطلوب لأنه يساعد على فتح الأبواب والنوافذ في الأوقات الصعبة والفترات الحرجة. فالتنوع في لحظات الانعطاف يساهم في تكوين نواة وطنية صلبة يمكن الاعتماد عليها وتكليفها بمهمات خاصة تكسر حدة الاستقطابات وتخفف من التنافر الأهلي.
هذا الديكور الفولكوري يمكن ملاحظته في مختلف الكتل النيابية في البرلمان اللبناني. كتلة حزب الله النيابية تضم مثلاً شخصيات سنية ومسيحية. كتلة نبيه بري تضم وجوهاً درزية ومسيحية. كتلة المستقبل (سعد الحريري) تشتمل على أعضاء من الطوائف المسيحية والأرمنية والشيعية. كتلة وليد جنبلاط (اللقاء الديمقراطي) تضم في غالبيتها أعضاء من الطوائف المسيحية والسنية إلى جانب الدروز. كتلة ميشال عون تحرص على توسيع حجمها من خلال مد نفوذها إلى مناطق أخرى يغلب عليها التمثيل الدرزي أو السني أو الشيعي حتى لا تنعزل في دائرة ضيقة تعطل عليها إمكانات التواصل مع التكتلات السكانية الممتدة على مساحات الجمهورية.
حرص الجمعيات والهيئات السياسية في لبنان على التنويع لا يؤخر ولا يقدم في المعادلة السكانية وتوزعها الطائفي – المذهبي في أرض الواقع، ولكنه على الأقل يفتح ثغرة في الحصون والقلاع المتقابلة ويخفف من حدة الاستقطاب ويحد من نمو الغلو والتطرف في الظروف الحرجة. فهذه الشخصيات الموضوعة في الواجهة (الديكور) تقف على الحد الفاصل وتلعب دورها الخاص والمميز بوصفها تشكل معابر دخول وخروج حين تشتد الأزمة في بلاد الأرز. وقيمة هذه الوجوه الرمزية لا تقدر بثمن في حالات هبوط أو صعود حرارة التوتر بين ضفاف الطوائف أو داخل المناطق أو على جوار المذاهب نفسها.
القيمة ليست في العدد وإنما في النوعية وما تمثله من حجة خاصة حين تأتي لحظة سياسية يصعب التحكم بآلياتها. فالقلة في فترة صعبة يمكن أن تتجاوز إمكانات الكثرة لأنها تشكل تلك الجسور التي تربط بين جزر الطوائف والمذاهب وأحياناً تتحول إلى معابر تلطف من حدة الانقسام وتخفف من حالات الاستقطاب الذي يتمظهر في صور مختلفة يغلب عليها طابع سوء الفهم بسبب الابتعاد النفسي على رغم القرابة واقتراب المسافات.
كسر حدة التمثيل النيابي الطائفي مسألة لا تحتاج إلى سؤال لأنها أصلاً لها حاجة وتشكل وظيفة سياسية لابد أن تتنافس الجمعيات البحرينية على استثمارها للظهور في المشهد العام من خلال المشترك الوطني الذي يعزز الإصلاح ويدفع التطور خطوات إلى الأمام. الحاجة تفرض نفسها وهي ليست تنازلاً أو أمنية لكونها تلبي وظيفة تخاطب الجمهور العريض الذي يتشكل من طبقة وسطى صاحبة مصلحة في تشكيل رؤية تتجاوز حدود القلاع والحصون المنغلقة ذهنياً في أسوار وهمية لا تستطيع الصمود في عالم يتغير باتجاه الانفتاح.
الانكفاء إلى داخل أسوار الطوائف والمذاهب مشكلة اجتماعية نمطية لا يمكن تجاهل وقائعها الميدانية ولكن بإمكان الجمعيات أن تكسر حدتها أو تخفف من مخاطرها من خلال فتح الأبواب والنوافذ على عوالم أخرى تساعد مؤقتاً على إعادة تشكيل المشهد الديكوري من دون توهمات بإمكان تغييره. المطلوب الآن ليس التغيير وإنما تعديل صورة التجاذبات وتلوينها بأطياف متنوعة حتى تصبح الجمعيات في موقع يسمح لها بالإطلال على مساحات توسع الأفق وتوزع الرؤية على زاويا لا يمكن الاستغناء عن دورها في تأكيد الوحدة والمشترك الوطني في الكثير من القضايا العامة أو الخاصة.
الجمعيات السياسية في البحرين يمكن أن تستفيد من تجربة الأحزاب والهيئات في المجلس النيابي اللبناني على رغم الاختلاف في التكوين والنظام والتراتب والتوزع الجغرافي والسكاني. المطابقة بين النموذجين صعبة ولكن المقاربة ممكنة لأن العالم لا يمكن أن يتطور بالانكفاء نحو القلاع والحصون الطائفية والمذهبية بل بالانفتاح ومد الجسور وفتح المعابر. الحصار والعزل وضيق الأفق كلها عناصر تشد العصبية وتجذب الأنصار في لحظة انتخابية ولكنها في النهاية تشكل عوامل ضغط سياسية تهدد الحلقات الضيقة بالانكسار من الداخل
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2865 - السبت 10 يوليو 2010م الموافق 27 رجب 1431هـ
لم لا ؟
رأي فيه من الحكمة والفكرة ما يدعو المعارضة في البحرين الى التفكير بجد في الخليط الوطني المشترك بعيدا عن الطائفة والمذاهب. فالجميع في خدمة الوطن والمواطنين.
في البحرين توجد بعض الهواجس يجب دراستها وحلحلتها أن نتوقف عندها دون أن نجد مخرجا ما فهذا بعيد كل البعد عن العمل الوطني السياسي- في لبنان أعداء أصبحوا أقرب الى بعضهم في العمل الوطني فلا يمكن أن نتحجج بفشل هنا وخطأ هناك ونية سوء هنا أو هناك.
عبد علي عباس البصري
الي اشوفك يا وليد المعلم (ولد امس واليوم ) توك نازل البحرين ما تعرف التركيبه الديموغرافيه , اسأل صاحبك وأني اعلم انك تعلم بس يمكن تريد تقارن بين النقيضين ، لبنان والبحرين ؟ اصلا ما في ادنى تشابه ، بس لو قارنت بين البحرين والعراق لكان هناك ليس تشابه فقط بل تطابق تماما مثل تطابق المثلثات الهندسيه . بس مع لبنان ماأدري شنهو اقول . ومقالك يوضح بعض ما أريد ان اقول . والسلام .