العدد 2865 - السبت 10 يوليو 2010م الموافق 27 رجب 1431هـ

التنمية الاقتصادية في الخليج وحلّ الاشكالات المتعلقة بأسعار الطاقة

أبوظبي - مصرف الإمارات الصناعي 

10 يوليو 2010

اعتمدت دول مجلس التعاون الخليجي لسنوات طويلة في بناء قطاعاتها الإنتاجية، وخاصة الصناعية منها على مصادر الطاقة الرخيصة نسبياً والتي شكلت خلال العقود الماضية أساساً قوياً لاستقطاب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية وفي رفع القدرات التنافسية للمنتجات الخليجية في مختلف أسواق العالم.

واكتسب هذا التوجه الخليجي بعداً جديداً مع انضمام دول المجلس لمنظمة التجارة العالمية؛ إذ أزيلت العديد من الحواجز الجمركية بين البلدان الأعضاء في المنظمة؛ ما أدى إلى زيادة الميزات التنافسية التي تتمتع بها المنتجات الخليجية، كما أن إبرام دول المجلس لاتفاقيات التجارة الحرة أعطى فرصة إضافية للصادرات الخليجية.

لقد أدت هذه وغيرها من العوامل إلى نمو قطاع الصناعات التحويلية بوتائر عالية والى ارتفاع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وخصوصاً أن دول المجلس وفرت تسهيلات وخدمات إضافية لاستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية؛ ما انعكس بصورة إيجابية على التركيبة الهيكلية للناتج المحلي الإجمالي لينتقل مركز الثقل من القطاع النفطي إلى القطاعات غير النفطية.

وعلى رغم هذه الايجابيات الناجمة عن استغلال مصادر الطاقة الرخيصة، باعتبارها أهم الميزات التنافسية التي تتمتع بها دول المجلس؛ الا أن هناك توجهات حديثة ترمي إلى تحرير أسعار الطاقة ورفعها التدريجي؛ ما سيفقد دول المجلس أحد أهم الميزات النسبية التي ساهمت على مدى سنوات في زيادة وتائر النمو وخاصة نمو القطاع الصناعي والذي أصبح يحتل المرتبة الثانية بعد النفط في مكونات الناتج المحلي الإجمالي في دول المجلس.

وفي الوقت نفسه، فإن هذا التوجه يأتي في ظل سعي دول المجلس إلى تطوير مصادر الطاقة البديلة والمتجددة والتي يمكن ان تساعد على تعدد مصادر الطاقة المحلية وتخفيض أسعارها، بما فيها الطاقة الكهربائية التي تعتمد في إنتاجها حالياً على مصادر النفط والغاز الطبيعي، علماً بأنها تستخدم على نطاق واسع في المنشآت الصناعية وتشكل مدخلاتها نسبة كبيرة من إجمالي مكونات الإنتاج الصناعي.

لقد شكلت قضية أسعار الطاقة مسألة مهمة للغاية للمستثمرين الصناعيين في دول المجلس على مدى العقود الماضية والذين بذلوا جهوداً كبيرة من خلال المؤسسات الرسمية والمؤتمرات والندوات لتسخير هذه الميزة لدعم قطاع الصناعات التحويلية الذي يعاني من إحجام المستثمرين بسبب طبيعة الإنتاج الصناعي المكلف وبعيد المدى.

وعلى المستوى الخليجي الجماعي، فإن مثل هذه الخطوة ستؤدي من الناحية العملية إلى وجود اختلالات في بنية السوق الخليجية المشتركة بسبب تفاوت أسعار الطاقة بين دول المجلس من جهة وإلى بروز صعوبات عديدة أمام الصادرات الخليجية في الأسواق العالمية من جهة أخرى.

وفي الوقت الذي تبلغ نسبة التفاوت 100 في المئة في أسعار البنزين، فإنها تتجاوز ذلك بكثير فيما يتعلق بأسعار الديزل والكهرباء والتي تعتبر مدخلات أساسية في الإنتاج الصناعي والخدمات التجارية والمواصلات.

ونظراً إلى إلغاء الحواجز الجمركية بين دول المجلس بعد قيام السوق الخليجية المشتركة في العام 2008، فإن مثل هذه الفروقات في أسعار الطاقة ستجد لها انعكاسات على أسعار السلع المنتجة في الدول الست؛ ما سيؤدي إلى عملية استقطاب ليس للصناعات الجديدة فحسب وإنما للصناعات القائمة في الوقت نفسه.

وإضافة إلى ذلك، فإن مثل هذا التفاوت سيؤدي إلى تفاوت مماثل في معدلات التضخم ومستويات المعيشة، بما لا يتناسب ومتطلبات السوق المشتركة وتنسيق السياسات المالية والنقدية في ظل التكتل الخليجي، والذي تستوجب التزامات تحقيقه تقريب مثل هذه السياسات والتوجهات، بما فيها أسعار الطاقة والتي تشكل أحد أهم مقومات نجاح السوق الخليجية المشتركة والتي تواجه تحديات عديدة في الوقت الحاضر.

وفيما يتعلق بالقضية المهمة المتمثلة في انضمام دول المجلس لعضوية منظمة التجارة العالمية، فإن مثل هذا التوجه العالمي يمكن ان يساهم في فتح آفاق جديدة لزيادة الصادرات الخليجية من خلال استغلال الميزات النسبية التي تتمتع بها في مجال الطاقة؛ الا أن تحرير الأسعار في هذا الجانب سيفقد دول المجلس هذه الميزة التي تعتبر أساسية للتنمية الاقتصادية والصناعية في دول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً أن هذه البلدان لا تتمتع بميزات كثيرة كالأيدي العاملة المحلية الرخيصة أو المواد الأولية.

والحال، فإن موقع كل دولة مجموعة اقتصادية في العلاقات الدولية وفي الهيكل الجديد للتجارة العالمية سيعتمد وبصورة أساسية على مدى الميزات النسبية التي تتمتع بها الدول أو كل مجموعة اقتصادية؛ إذ ستتوقف مكاسب البلدان من العلاقات العالمية المستجدة في نطاق منظمة التجارة العالمية على مدى حسن استخدامها للميزات النسبية المتوافرة لديها.

من هنا نجد أن هناك تقارباً كبيراً في أسعار الطاقة والمواد الأولية بين بلدان التكتل الواحد أو السوق المشتركة الواحدة كبلدان الاتحاد الأوروبي، وذلك لضمان التكافؤ والتناسق بين اقتصادات البلدان الأعضاء في الاتحاد وإتاحة فرص متساوية للمستثمرين في البلدان الأعضاء في التكتل الاقتصادي، وهو ما لا يتوافر في التكتل الخليجي بسبب التفاوت الكبير في أسعار الطاقة والخدمات. لذلك، فإنه لابد من التنسيق لايجاد الأرضية اللازمة للتكامل بحده الأدنى في مختلف المجالات، وخاصة في مجال الطاقة وتقليص التفاوت في الأسعار بين دول مجلس التعاون الخليجي من خلال إعادة النظر في الأسعار المرتفعة لتحقيق تكافؤ الفرص للمستثمرين وإتاحة المنافسة المتكافئة داخل السوق الخليجية المشتركة ولفتح آفاق جديدة للمنتجات الخليجية في الأسواق الدولية.

من هذا المنطلق، فإن التنمية الاقتصادية والصناعية تحديداً ستعتمد على حل هذه الاشكالات والتفاوتات المتعلقة بأسعار الطاقة والتي يمكن ان تتكامل مع مستوى الخدمات الراقية التي تقدمها دول المجلس والبنى الأساسية المتطورة التي اقامتها هذه البلدان في السنوات الماضية؛ ما سيوفر أرضية قوية ومناسبة لاستقطاب رؤوس الأموال، ليس للقطاع الصناعي فحسب وإنما لمختلف القطاعات الاقتصادية في دول المجلس، وهو الأمر الذي سيتيح بدوره إمكانات لنجاح السوق الخليجية المشتركة والتي يمكن أن تحتل مكانة اقتصادية وتجارية مميزة في العلاقات الاقتصادية الدولية في ظل منظمة التجارة العالمية؛ ما سيحقق لدول مجلس التعاون الخليجي الكثير من المكاسب في ظل العلاقات الاقتصادية الدولية المستجدة

العدد 2865 - السبت 10 يوليو 2010م الموافق 27 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً