أسفر اللقاء الرابع الذي جمع الرئيس باراك أوباما مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض عن إنتاج «قنبلة بخارية» لا طعم لها ولا لون. فالقنبلة دخانية وتؤكد أن مسألة التفاوض بشأن معالجة الملفات العالقة في الموضوع الفلسطيني لن تتقدم بوصة واحدة في الأمد المنظور، لذلك لجأ الطرفان إلى افتعال نجاحات وهمية للتهرب من مواجهة الحقائق الميدانية.
الرئيس الأميركي دعا تل أبيب إلى إجراءات «لبناء الثقة» في الضفة الغربية وإجراء «المزيد من التقدم» في قطاع غزة لجهة تخفيف الحصار. وهذا الكلام الدبلوماسي يعني في لغة السياسة لا شيء (صفر مكعب). أما نتنياهو أكد بعد اللقاء «الكيماوي الممتاز» أنه مستعد «للمجازفة من أجل السلام». وحين يكون السلام «مجازفة» فمعنى ذلك أن مخاطره أقل من الانتحار في حرب ولكنه أفضل من التورط في عملية التسوية. والنتيجة أن الخيار الأحسن بالنسبة لحكومة نتنياهو أن تستمر في سياسة اللاحرب واللاسلم.
تمديد فترة المراوحة في المكان وهي القنبلة البخارية التي أنتجها اللقاء الرابع بين الطرفين في اعتبار أن أوباما لا يريد إزعاج نتنياهو حتى لا يغضب اللوبيات الإسرائيلية في الولايات المتحدة لأنه يحتاجها أو على الأقل يخاف منها في وقت يستعد الحزب الديموقراطي إلى اختبار قوته في معركة الانتخابات البرلمانية النصفية التي ستجرى في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. كذلك نتنياهو لا يريد إثارة غضب أوباما لأن تل أبيب بحاجة إلى الورقة الأميركية للضغط على تركيا وإقناعها بضرورة تخفيف شروطها لمعالجة تداعيات الاعتداء على قافلة الحرية التي كانت متجهة إلى غزة المحاصرة.
الطرفان يحتاجان إلى هدنة مؤقتة لتمرير الأسابيع المقبلة من دون توتر أو قرع طبول. وحتى تمضي الفترة بهدوء قرر اللقاء أن يخترع قنبلة دخانية بشأن الملف الفلسطيني تركزت على موضوع «المفاوضات المباشرة». أوباما توقع الانتقال إلى المفاوضات المباشرة قبل «وقت كبير من انتهاء فترة تجميد الاستيطان» في سبتمبر/ أيلول المقبل. ونتنياهو اعتبر أن «الوقت حان فعلاً» للانتقال إلى المفاوضات المباشرة.
المشكلة إذاً ليست في الاحتلال والاستيطان وتوسيع المستوطنات وقضم الأراضي وقطع الأشجار وهدم الأحياء السكنية في القدس وجدار الفصل العنصري وطرد الناس من منازلهم والتهرب من التسوية وإنما باتت الآن تقتصر على طبيعة المفاوضات أي «مباشرة» و»غير مباشرة». فالمشكلة برأي اللقاء الثنائي ليست في جدول أعمال «المفاوضات غير المباشرة» وإنما في نقلها من دائرة الظلمة إلى الضوء لتصبح علنية و»مباشرة».
ما هو الفارق بين «غير المباشرة» و»المباشرة» إذا كانت نتيجة المفاوضات واحدة ومتشابهة؟ الجواب الواضح لم يرد في كلام أوباما «مباشرة» وإنما أتى في صيغة مواربة (غير مباشرة). فهو أشار إلى موضوع عملية السلام بالقول «أعتقد أن نتنياهو يريد السلام (...) وخلال محادثاتنا كرر التزامه الخوض في مفاوضات جدية مع الفلسطينيين». هذا الكلام المطاط لا يعني سوى رمي المزيد من القنابل الدخانية للتغطية على الفشل في الحصول على مجرد وعد بوقف الاستيطان الذي أصلاً لم يتجمد حتى يستمر في سبتمبر المقبل.
بدوره لم يتردد نتنياهو في قذف الكرة من ملعب «غير المباشرة» إلى ملعب «المباشرة» حين أشار من دون أن يقدم أدلة دامغة تثبت صحة كلامه أن عملية السلام «تتحرك إلى الأمام. نحن ملتزمون السلام. أنا ملتزم السلام. وهذا يغير المنطقة». هذا الكلام العام (البخاري) ربطه رئيس الحكومة الإسرائيلي بشرط واحد وهو نريد «سلاماً آمناً».
ماذا يعني «السلام الآمن»؟ مفهوم بلاستيكي لا قيمة له لأن السلام كلمة واضحة في معناها ومبناها وهي لا تعني غير السلام ولا تحتاج إلى ربط أو إضافة. فالسلام يعني نعم للأمن ولا للحرب وإلا لكان بالإمكان استخدام مفردة غيرها.
المشكلة ليست في اللعب بالكلمات والتلاعب بالألفاظ والتهرب من الالتزامات وإنما أصبحت الآن تتجاوز الحدود لتدخل في مجال التحايل على العقول واستخدام مصطلحات مبهمة للتشويش من خلال إطلاق بالونات حرارية توهم العواصم أن هناك مؤشرات جدية تستوجب الانتظار والتفاؤل. وبناءً على هذه القنبلة البخارية قرر الطرفان الإسراع لنقل المفاوضات من «غير مباشرة» إلى «مباشرة» قبل أن تنتهي فترة تجميد المستوطنات ويدهم عامل الوقت احتمال التوصل إلى اتفاق يوسع صلاحية السلطة في الضفة ويحرز التقدم في وضع غزة. والمضحك في المسألة أن أوباما يبدو وكأنه على قناعة بأنه حقق إنجازات أو أنه في الطريق نحوها. فهو طالب - حتى تنجح «المفاوضات المباشرة» في جدول أعمالها- الدول العربية أن تبادر إلى تقديم أفعال لدعم السلام، أي الانتقال من طور الكلام إلى أنشطة ملموسة لأنه بمنظوره الخاص «لا يمكن النجاح من دون دور أكبر من دول المنطقة في العملية».
أوباما لم يحدد طبيعة الدور المطلوب من الدول العربية حتى تساهم في نجاح السلام غير»الكلام عنه». كذلك لم يحدد ذلك الفارق بين مفاوضات «غير مباشرة» و»مباشرة» إذا كان نتنياهو يرفض أن يلتزم بالحد الأدنى من النقاط المطلوبة منه لتحريك عملية السلام الموقوفة بسبب الاحتلال والاستيطان وتغيير المعالم التاريخية والمسار الجغرافي لخريطة التسوية والحدود التي ستقوم عليها الدولة المستقلة ذات السيادة.
اللقاء الرابع بين نتنياهو وأوباما الذي وصف بأنه الأفضل كيماوياً يبدو أنه أسفر عن إنتاج «قنبلة بخارية» للتغطية على الفشل في التوصل إلى تفاهمات يمكن أن تحرك عجلات التفاوض «غير المباشر» لذلك تم اللجوء إلى شراء الوقت وتمديد فترة اللاسلم واللاحرب تحت عنوان نقل المفاوضات إلى «المباشرة». الفشل في الجانب الفلسطيني لم يكن من دون ثمن: أوباما أخذ تعهداً بعدم إثارة اللوبيات قبل الانتخابات النصفية الأميركية، ونتنياهو حصل على دعم واشنطن في الضغط على حكومة أنقرة للتخفيف من شروطها حتى يمكن تسوية تداعيات الاعتداء على قافلة الحرية.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2862 - الأربعاء 07 يوليو 2010م الموافق 24 رجب 1431هـ
الكفار
لا اعلق على اسرائيل