العدد 2862 - الأربعاء 07 يوليو 2010م الموافق 24 رجب 1431هـ

فضل الله شاعراً

حبيب حيدر comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ثمة دلالة رمزية في أن يكون آخر إصدار للسيد محمد حسين فضل الله هو ديوان شعر بعنوان في «دروب السبعين» ليعود بنا إلى إحدى أهم صوره شاعراً له لغة خاصة شفافة ندية دالة عليه.

مازلت أتذكر رفقة في نهاية الثمانينيات حين كنت مع الصديق الشاعر الشيخ عبدالهادي المخوضر صاحب «ديوان عليك تبكي السماء» ومع آخرين نتداول أشعار فضل الله عبر دواوينه «قصائد للإسلام والحياة» ورباعياته في «يا ظلال الإسلام» و«على شاطئ الوجدان».

الجميل في هذه القصائد ذلك النفس الشفيف، والإيقاع الطرب الذي كنا نستعذبه، فكم هي اللذة حين تقرأ تلك القصائد الحرة التي تجري مع إيقاعات تدفق التفعيلة والنفس الذي يمتد بك ولا يريد أن يتوقف:

يا إخوتي مازال في الطريق...

مستنقع وضفدع يعيش للنقيق

ولم يزل في دربنا الطويل...

هكذا تتراقص الألفاظ في قصائد السيد وكم كنت حينها ومازلت مأخوذاً بهذا الإيقاع اللذيذ من هذا الرجل الذي لم يحجزه شيء عن التعالق مع موجة الشعر الحديث بل كان محفزاً لنا لأن ننطلق في رحاب الشعر الحديث من غير عقدة بين أصالة مدعاة أو حداثة ماثلة.

وثمة في الذاكرة أيضاً قصيدة جميلة أخرى مازال ألَقُها ماثلاً وذلك لمّا كنا نرجع في حينها إلى كتاب نصوص اللغة العربية للصف الأول الإعدادي لنقرأ قصيدة أخرى هي:

ها هي الروح التي تخفق في دنياي حولك

إنها اللوعة والإشفاق من قلبيَ نحوك

سوف يمتد بك العمر إلى ما لستَ تدري

وستمضي في خضم البحر في مد وجزر

وستمضي في دروب لست تدري أين تجري.

وكم كنا نمتلئ زهواً وفرحة حين نعود لديوانه فنقرأها بين قصائده فلا نستطيع الإمساك بالإيقاع من أن يمتد بنا إلى قراءة قصائد أخرى شغفاً بالوزن في حداثتنا الشعرية، واستهواء إلى لغة ندية شفافة مازال أثرها ينضح أحياناً كما أراه بين فترة وأخرى في قصائد المخوضر وغيره من الأصدقاء الذين أشير لهم أحياناً بطرف خفي حفيّا بقصائدهم الجميلة التي ربما تأخذني لقراءة تناصٍّ هنا على مستوى المعنى أو تعالق هناك على مستوى الألفاظ .

جميلة هي لغته وجميل هو فكره على مستوى الخطاب، وربما لا أذيع سراً إذا قلت أن للسيد محمد حسين فضل الله لغة خاصة دالة عليه لا تستطيع إلا أن تشير إليها إذا ما صادف وأن استعارها أحد أو تسّربت لخطابه وراح ينطلق بها ليقول ما يريد.

لقد بقي من فضل الله الكثير منه دعوته للتحديث، وممارساته التجديدية على مستوى الخطاب الديني من داخله لا من خارجه، مقولاته الإنسانية التي انشغل بها المريدون واشتغلوا بها كثيراً لتقدح فيهم استنارة في حلكة الأفكار، جرأته في إعلان رأيه، قدرته على امتصاص العاصفة وتسريبها من بين يديه بهدوء تام وابتسامة منيفة، ومنعة علمية، معتزاً بما لديه مع اعتراف بالآخر ما أمكنه الاعتراف به، دعوته للحوار الهادئ، حكمته وحنكته برنامجه العملي في معالجة الواقع وربما هذا ما أخذ إليه المريدون ليستدفئوا بعباءته بين حين وآخر كلما اشتد برد الزمان.

إقرأ أيضا لـ "حبيب حيدر"

العدد 2862 - الأربعاء 07 يوليو 2010م الموافق 24 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 4:46 ص

      الوسطية الواقعية

      شكرا جزيلا استاذنا الجليل على موضوعك الجزيل وبهذا النفس العليل البارد المنعش لحرارة الصيف الصليل ، ولكن لي عتب عليكم ايها الشعراء والكتاب وهو لمـــاذا مرثياتكم دائما تأتي بعد الرحيل لماذا عدم التبكير في الكتابة والافادة ، ومرة اخرى لكم اعتذارنا استاذنا القدير ، والعتب والعذر عند كرام الناس مقبول ..

    • زائر 3 | 1:22 ص

      كان سيد عابد خالص لله خادم لأهل البيت عليهم السلاة والسلام

      كلمات السيد لا توصف
      لا أذكر اني قرأت شعرا أجمل منه حقيقة..
      أعشقه وأعشق كلماته
      رحمة الله عليه

    • زائر 2 | 1:17 ص

      رحم الله المرجع فضل الله

      سلم قلمك يا أستاذ

    • زائر 1 | 12:45 ص

      قلم لا ينضب

      رحمة الله عليه فقد كان صاحب قلم لا ينضب ولا يمل من الكتابة فمداده ملأ الافاق بعلمه الغزيز

اقرأ ايضاً