لن تلقى المتاعب لو ولدت ذكراً في البحرين. ليس هذا درساً حول ذكورية المجتمع، الحديث الذي لا يُمل والذي يكاد يستحوذ على أغلبية المقاربات المتعلقة بالجنوسة أو النوع الاجتماعي. إنما تعبير عن تفضيل البحرينيين، رجالاً على وجه الخصوص، وفقاً لمعطيات الثقافة الشعبية، مولوداً ذكراً – لو تركت لهم الخيرة في أمرهم - على مولودة أنثى، كائنة من سوف تكون. ويجادل الباحث حسين محمد حسين في دراسة حديثة نشرتها مجلة «الثقافة الشعبية» العلمية المتخصصة في عددها الصادر حديثاً أن «حب إنجاب الذكور فكر اجتماعي قابع في عقول كثير من الرجال في المجتمع البحريني».
في المقابل، ما الذي «قد» تفضلنه النساء البحرينيات؟ حسناً، العكس بالعكس، إذ يقول من خلال تحليل الأمثال والأهازيج وكذلك الاستماع لآراء كثير من النساء المسنات «يتضح لنا أن المرأة تفضل أن تنجب الأنثى على أن تنجب ذكراً وأن تربية البنت عندها أفضل». تضاد طبيعي، أليس كذلك؟ ليس هذا بالضبط. فالأمر متعلق بالثقافة قبل كل شيء، وهذه الثقافة ذات جذور قديمة في المجتمع، وهي ليست قصراً على المجتمع البحريني وحده، وفق ما يوضح.
دورية «الثقافة الشعبية» الفصلية التي تصدر من البحرين ويرأس تحريرها علي عبدالله خليفة، صكت أحدث أعدادها – رقم (10) في الأول من هذا الشهر يوليو/ تموز، محتوية على عديد من الدراسات ذات الصلة بمجالات التراث الشعبي والفلكلور.
ويعزو حسين في دراسته التي جاءت تحت عنوان «ثقافة حب إنجاب المولود الذكر في البحرين» ضمن باب «عادات وتقاليد» من المجلة، جزءاً من دواعي وجود ثقافة أفضلية المولود الذكر إلى الموروث اليوناني، وتحديداً أقوال آناكساغور وجالينيوس وأرسطو. قال «يوجد في الثقافة الشعبية في البحرين بعض المزاعم التي تعتبر طرقاًُ لإنجاب مولود ذكر وهي شبيهة بما جاء في الأقوال اليونانية» وفق تعبيره.
في سياق آخر، اختارت المجلة أن تلقي بالضوء في افتتاحيتها على مسيرة الأسواق الشعبية التي رأت أنها «بحاجة إلى إعادة اعتبار وإعادة اهتمام». ولفتت بهذا الصدد في الكلمة الموقعة باسم «هيئة التحرير» إلى ضرورة «المحافظة عليها قبل أن تتعرض للاندثار». وقالت المجلة إن «الأسواق الشعبية أضحت في زماننا، إلى جانب دورها الأساس، سجلاً شعبياً اجتماعياً اقتصادياً، ومقصداً سياحياً يؤدي دوراً مهماً في تنشيط الحياة الاقتصادية والسياحية بالبلاد».
ويكتب الباحث عبدالرحمن مسامح دراسة عن ألوان «المهن والحرف التي سادت في مجتمع البحرين قديماً». وبين هذه المهن التي يوليها بالدرس والتحليل وفقاً لترتيب مسمياتها الأبجدي: بائع الكاز، البقال، التناك، الحجامة، الحصاية، الحمالي، زري عتيق، العبّار، العكافة، والمنبّت. إضافة إلى مهن عديدة أخرى. وهي جميعها دوالّ معرّفة إلى مهن كانت تنتشر ما قبل الثورة النفطية واندثر كثير منها. ويقول بهذا الصدد «الأمثلة التي نسوقها في هذه المشاهدات إن هي إلا دليل على ديناميكية المجتمع البحريني عبر التاريخ ونزوعه إلى تغيير أنماط حياته الاقتصادية سعياًُ».
وبين أهم الدراسات التي ضمتها المجلة بين دفتيها، والتي أخذت حيزاً كبيراً من صفحاتها، حوالي 83 صفحة، هو فهرس «ستث طمسون» للمأثورات الشعبية الشفاهية، والذي أنجز ترجمته الباحث حسن الشامي. وألمح المترجم في معرض تصديره للدراسة التي حملت عنوان «فهرست الجزيئيات للمأثورات الشعبية الشفاهية» إلى أنه أنجز تعريب الفهرست في منتصف الثمانينات، لكن ظروفاً قاهرة حالت دون نشره. والفهرست عبارة عن ثبت عام لجزيئات البحث والتحليل في ميادين المأثور الشعبي، بشقيها: الجزيء (أداة بحثية تسمح بالتحديد والعزل الافتراضي للتراث الشعبي وفقاً لمكونات صغيرة الحجم) والطراز (وحدة تحليلية أكبر وغالباً ما تكون حكاية كاملة مشتملة على جزيئات عديدة).
في حين يتصدى الباحث ناجي التباب إلى مقاربة كيفية «تعامل المستشرقين مع الموروث القولي» عند العرب، مع اتخاذه للأمثال نموذجاً. ويقول في معرض دراسة عن المستشرق والرحالة السويدي كارلو لندبرج اعتماداً على الآراء التي سطرها في كتابه «الأمثال السائرة والأقوال الدائرة عند أولاد العرب» (1883) إن «الاهتمام التخصصي في الظاهر انتهى به إلى التصنيف والمقارنة بين الثقافات، وهذا هو المزلق الذي وقع فيه لندبرج كغيره حين قاس المجتمع العربي بالمجتمع الأوروبي» واصفاً هذا النوع من التعامل بأنه «يتعلق بما يوجد في أسفل القدر». وأضاف في هذا السياق «إن لندبرج يبقى شخصية غامضة محيرة فقد لمسنا فيه في آن، تعاملاً حميماً مع الشرق وتعالياً، إنصافاً ونقداً» على حد تعبيره. ورأى أنه «لم يستطع أن يتخلص من هاجس المركزية الأوروبية».
إلى ذلك، فقد حوت «الثقافة الشعبية» دراسات ومقالات عديدة أخرى. فقد ناقش عضو هيئة مستشاري التحرير مصطفى جاد في «تصدير» للمجلة ما دعاه في صيغة سؤال استنكاري «مؤامرة ترتكب ضد حركة توثيق تراثنا الشعبي العربي». ويعلق في محاولة للإجابة «لا أجد مبرراً واحداً يجعلنا حتى الآن لا نملك أرشيفاً عربياً موحداً لتراثنا الشعبي العربي». كما كتب إبراهيم عبدالحافظ ورقة عن «الفضلة الشفاهية في عالم الكتابية». وتصدى سميح الشعلان لمقالة في «ملامح الأعراف القبلية». وفي «أصالة الفروسية بالمغرب» يكتب علال ركوك. بينما يتوقف جمال السيد بالحديث عند «آلة الطبل». وينجز مولدي لحمر مقالة عن «دينامية التراث»، في حين يتناول محمد بشرى بالقراءة حياة العالم في دراسات الفلكلور السوداني الطيب محمد الطيب و»خمسون عاماً في الحقل». أما أحلام أبو زيد فتلقي بالخيط على جديد النشر في مجالات الثقافة الشعبية، وأحدث الإصدارات.
يشار إلى أن مجلة «الثقافة الشعبية» تكاد تكون الفصلية الوحيدة المنتظمة الصدور في مواقيتها منذ تأسيسها في البحرين بالتعاون مع المنظمة الدولية للفن الشعبي (IOV) في العام 2008. يرأس علي عبدالله خليفة هيئتها التحريرية فيما يشغل محمد عبدالله النويري إدارة التحرير. أما طاقمها التحريري فيضم كلاً من: «محمد النويري ونور الهدى باديس ومحمد المهدي بشرى وجورج فرندسن وبشير قربوج. إضافة إلى آخرين.
العدد 2862 - الأربعاء 07 يوليو 2010م الموافق 24 رجب 1431هـ