أشار تقرير صادر عن منظمة تدعى «بتسليم»، وهي منظمة حقوقية «إسرائيلية»، إلى «أن المستوطنات اليهودية تسيطر عملياً على مساحة 42 في المئة من الضفة الغربية، وأن هناك نحو 300 ألف إسرائيلي من أصل نصف مليون يعيشون في 121 مستوطنة، فيما يعيش الباقون في 12 مستوطنة أقامتها إسرائيل على الأراضي التي ضمتها إلى منطقة نفوذ بلدية القدس المحتلة». وانتقد التقرير بشدة الجماعات الاستيطانية اليهودية. بالمقابل هاجمت الدوائر الرسمية «الإسرائيلية» ذلك التقرير، واعتبرت توقيته بمثابة القنبلة الموقوتة التي تستهدف اللقاء الذي يجري هذه الأيام بين رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي باراك أوباما.
على نحو موازٍ شددت أنقرة من لهجتها ضد الدولة الصهيونية، مهددة إياها «بقطع العلاقات إذا لم تعتذر عن العدوان الذي شنته على أسطول الحرية ما أسفر عن استشهاد تسعة أتراك، كما أعلنت إغلاق مجالها الجوي أمام الرحلات العسكرية (الإسرائيلية)، بعدما كانت قد فرضت حظراً على التحليق يتناول كل حالة على حدة». جاءت هذه النبرة التهديدية الشديدة في الموقف التركي إثر انقضاء يومين على إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو «أن بلاده لن تعتذر عن الهجوم الذي شنته قواتها في المياه الدولية على أسطول الحرية، ولن تقدم أي تعويضات لذوي الضحايا».
تتوالى هذه الأحداث في وقت يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الموجود حالياً في واشنطن «استعادة ثقة الإدارة الأميركية، بعد شهور من التوتر بين واشنطن وتل أبيب بشأن التوسع الاستيطاني»، من خلال التركيز، كما أوردت الإذاعة «الإسرائيلية» على «مناقشة عدد من القضايا من بينها الملف النووي الإسرائيلي، والضمانات الأميركية التي ستحافظ على التفاهمات القائمة بين الطرفين بهذا الشأن إضافة إلى العملية السلمية». كما يأتي هذا السلوك «الإسرائيلي» المراوغ، والذي يبذل قصارى جهده كي يكتسب بعض المرونة الشكلية من أجل إعادة المياه إلى مجاريها بعد أن سادها بعض التوتر إثر إعلان تل أبيب عن «بناء وحدات سكنية في القدس تزامناً مع أول زيارة لنائب الرئيس، جو بايدن، لإسرائيل في مارس/ آذار 2010».
وتجمع الآراء، كما تقول مراسلة هيئة الإذاعة البريطانية جيريمي باون على «أن العلاقات الأمركية - الإسرائيلية التي تميزت بالكثير من التناغم والتقارب لمدة عقود»، يشوبها الفتور اليوم جراء «مجموعة من الأحداث التي أدت مؤخراً إلى توترها، ولذلك ينظر الإسرائيليون بكثير من الترقب إلى الزيارة (الأخيرة) التي يجريها رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو إلى واشنطن».
وتنظر دوائر صنع القرار في الدولة العبرية بشيء من التشاؤم حول نتائج تلك الزيارة، ولذلك فهي لا تريد أن تأخذ على نفسها التزاماً بوقف الاستيطان بشكل مطلق ترقباً لما سوف تتمخض عنه تلك الزيارة، ولذلك نجد وزيرة الثقافة والرياضة ليمور ليفنات تؤكد على «أن أعمال البناء في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة ستستأنف في الخريف المقبل فور انتهاء مفعول القرار الذي جمدت الحكومة بموجبه التوسع في هذه المستوطنات». إذاً هناك إعلان واضح عن التوقف المشروط عن بناء المستوطنات، ولفترة زمنية محددة فقط.
ولا يختلف الموقف الإسرائيلي من الحصار على قطاع غزة عن سياسة تل أبيب الاستيطانية، حيث نجدها تصر دوماً على تخفيف الحصار وليس رفعه بشكل كامل، حيث أعلنت السلطات الإسرائيلية قبل أيام عن «رفع الحظر عن كل البضائع الاستهلاكية، مع الإبقاء على مواد البناء محصورة بمشروعات الأمم المتحدة، دون أن ترفع الحظر عن الصادرات من القطاع».
لقاء كل ذلك، نلمس الترحيب الدولي المشوب بالشك والحذر من السلوك «الإسرائيلي الذي لم يكفّ عن مطالبة الدولة العبرانية بتغيير موقفها المماطل من فك الحصار بشكل كامل ونهائي. ولعل ما جاء في تصريح مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط روبرت سيري لوكالة رويترز للأنباء في الكثير من معالم هذا الموقف الدولي المتشكك. فبعد أن رحّب سيري بخطوة تخفف الحصار قال فأكد أن «هذا شيء كنا نرغب بحدوثه منذ فترة طويلة، وقد قلت مراراً في مجلس الأمن إنه لا يمكن الإبقاء على وضع الحصار في غزة، وهو وضع غير مقبول».
وعلى المستوى السياسي وبينما تبذل تل أبيب قصارى جهدها للتملص من لقاء حاسم يخرج بقرارات جدية مبنية على قرارات الأمم المتحدة بشأن إيجاد حل عادل وشامل للصراع «الإسرائيلي» – الفلسطيني ، نجدها أيضاً، وإمعاناً في سياسة المراوغة تحاول أن تبدو وكأنها صادقة في لقاء مع السلطة الفلسطينية. هذا ما صرح به رئيس الوزراء «الإسرائيلي» خلال الاجتماع الحكومي الأسبوعي الأحد الماضي حيث قال، «إن الدفع باتجاه إجراء مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين سيكون محور مباحثاته مع الرئيس الأميركي، وإنه لا بديل عن المفاوضات المباشرة لتحقيق السلام».
يعكس كل ذلك طبيعة الضغوطات التي باتت تمارسها القوى العالمية، بما فيها الولايات المتحدة على تل أبيب من أجل وضع حد لهذه السياسة المراوغة التي تتبعها في علاقاتها مع الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، ومن ثم فإن هامش المراوغة آخذ في التقلص بفضل تلك الضغوط. ولعل العنصر الوحيد الذي يوسع من تلك المساحة، أو يحول دون تقليصها هو عجز الفصائل الفلسطينية من وضع حد للخلافات القائمة بينها والخروج ببرنامج متكامل لمواجهة المشروع الصهيوني. ولربما آن الأوان كي تسعى تلك الفصائل للاستفادة من تلك الضغوط لمشروعها التحرري.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2861 - الثلثاء 06 يوليو 2010م الموافق 23 رجب 1431هـ