بينما كانت الجماهير المصرية تودع شهيدها المفكر المصري نصر حامد أبو زيد، عن 67 عاماً، في جنازة خلت من أي مسئول رسمي من الدولة المصرية، من مسجد وهدان بمنطقة قحافة بطنطا، كانت العاصمة السورية دمشق تشيع عضو المجلس الوطني الفلسطيني وعضو المجلس الثوري لحركة فتح محمد داوود عودة، عن عمر ناهز الـ 73 عاماً. وقبل أن تنتهي مراسم التعازي في المدينتين، فجع العالم الإسلامي والعربي برحيل العلامة الإسلامي محمد حسين فضل الله عن عمر يقترب من الـ 75 عاماً.
كل واحد من هؤلاء الثلاثة تميز بشيء محدد وترك وراءه إرثاً غنياً بحاجة إلى الحفظ والمعالجة، لأن فيه الكثير من الدروس والعبر التي تحتاج إليها الأجيال العربية القادمة. العامل المشترك بين الشهداء الثلاثة هو محاولتهم الدؤوبة غير المتوقفة للاجتهاد، وقدح زناد الفكر، ورفضهم المطلق لكل ما هو صنمي جامد.
ولنبدأ بالفلسطيني منهم وهو محمد داوود عودة (أبو داود)، الذي ترك وراءه عمليتين قامت بهما المنظمة التي شارك في تأسيسها والتي عرفت باسم «أيلول الأسود». الأولى، وكان هو العقل المدبر الذي يقف وراءها هي «عملية احتجاز رياضيين اسرائيليين رهائن اثناء الالعاب الاولمبية السنوية في مدينة ميونخ الألمانية في العام 1972»، والتي يخطئ كل من يحاول أن يقيمها اليوم، بعد أن يجردها من محيطها التاريخي، أي بعيداً عن الأجواء السائدة حينها، والأهم فيها كان اضطرار المقاومة الفلسطينية للخروج من الأردن، والعربدة التي سيطرت على السياسة الإسرائيلية، تجاه فلسطينيي المناطق المحتلة، بما فيها أراضي 1948، والمخيمات الفلسطينية في البلدان العربية، وخصوصاً في الأردن ولبنان. أما الثانية فكانت في المغرب، في 20 أكتوبر/ تشرين الأول، أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربية في الدار البيضاء، وهي التي أدت، كما أجمعت وسائل الإعلام الصديقة والعدوة، في مراحل لاحقة إلى الاعتراف العربي بمنظمة التحرير الفلسطينية، وبعدها بأسبوعين تقريباً استقبلت الأمم المتحدة ياسر عرفات وتم الاعتراف العالمي بمنظمة التحرير، وإعطاؤها صفة «مراقب» في الأمم المتحدة في سابقة هي الأولى في التاريخ، أن تعطى حركة تحرر وطني هذه الصفة ويتم قبولها عضواً في هذا التجمع العالمي. كانت العلميتان اجتهاداً سياسياً جريئاً من أجل انتشال القضية الفلسطينية من السلبيات التي كانت تحيط بها حينذاك.
أما بالنسبة لـ»أبو زيد» فهو المفكر المصري الذي اشتهر بمطالبته بتشجيع الاجتهاد في الفكر الإسلامي من أجل تقليص نفوذ «سلطة النص المطلقة». وأثارت اجتهادات أبوزيد في التسعينيات من القرن الماضي زوبعة في صفوف المؤسسات الدينية الإسلامية أدت إلى تكفيره وصدور «قرار من محكمة الأحوال الشخصية بتطليقه من زوجته الدكتورة ابتهال يونس أستاذة الأدب الفرنسي في جامعة القاهرة بعد أن اعتبر مرتداً عن الإسلام»، ما اضطر كلاهما إلى طلب اللجوء إلى هولندا إثر هذا الحكم.
ورغم كل الحصار نجح أبوزيد في نشر مجموعة قيمة من الكتب «المجتهدة» من بين أهمها، على المستوى الفكري، «الاتجاه العقلي في التفسير دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة»، و»فلسفة التأويل دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي» و»أنظمة العلامات فى اللغة والأدب والثقافة مدخل إلى السميوطيقا» و»مفهوم النص دراسة في علوم القرآن».
ويلخص رؤية أبوزيد لسيادة النزعة التسلطية الجامدة في مؤسسات الثقافة العربية، ذلك الحوار الذي أجرته معه مجلة «أخبار الأدب» عقب اتهامه بالكفر، وقال فيه «هناك ما يسمى بالخطوط الحمراء في كل ثقافة، ولكن هناك فرق بين أن تكون هذه الخطوط هي القاعدة أو أن تكون هي الاستثناء الذي يحاول المثقفون أن يقللوا من مساحته، في ثقافتنا العربية مساحة التابو عالية جداً وتكاد تقلص المسموح به». بقي أن نعرف أن أبو زيد «عمل أستاذاً زائراً بجامعة أوساكا باليابان بين العامين 1985 و1989، وأستاذاً للدراسات الإسلامية بجامعة لايدن في هولندا منذ العام 1995»، إلى جانب نيله العديد من الجوائز، من أهمها جائزة (ابن رشد للفكر الحر) فى برلين في العام 2005. حاول أبوزيد أن يخلص الفكر الإسلامي المعاصر من ركود الاجتهاد وصنمية النص.
أما بالنسبة للعلامة الفقيد محمد حسين فضل الله، فأكثر ما عرف عنه، إلى جانب اجتهاداته الفقهية الجريئة، هو دعوته إلى التعايش بين الحضارات، وهذا ما جاء في نعي الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى حين وصفه بأنه «واحد من أبرز أركان المرجعية الدينية الشيعية، كما كان من أبرز دعاة أن يكون لبنان نموذجاً للتعايش بين الحضارات».
ويرى أحمد الموسوي من صحيفة «الرأي» أن فضل الله كان رجل الدين المميز الذي «أزعج التاريخ والموروث من خلال خوضه «تجربة فقهية أصولية، وغمار التجديد والإصلاح في الفكر الإسلامي عموماً والفكر الشيعي خصوصاً، وحاول أن يرسم خطاً بين ما هو من الاسلام القرآني وما أتت به سيرة الرسول والسلف الصالح من الأئمة والصحابة والفقهاء، وما دخل المجتمعات والعصور الاسلامية من خلافات نمت في طياتها تقاليد وعادات، وخرافات وأساطير، ومظاهر تقوقع وجمود وتراجع، حتى انقسم الناس حوله وفيه... فجهد من موقعه، ورؤيته الخاصة، ان يُضيء حيث الظلام، ويُطفئ إذ تشتد وتستعر نار التفرقة في السياسة والدين والتاريخ».
هذا على المستوى الفقهي، أما على المستوى السياسي، فلم يكن أمامه عدو سوى واشنطن وتل أبيب، وهذا ما أسر به، كما نقلت وكالة رويترز، إلى ممرضة تعمل في مستشفى بهمن قبل أن يفقد الوعي. سألته: ماذا تطلب لأحضره لك؟ فأجاب: لا أطلب إلا زوال الكيان الصهيوني».
هكذا كان فضل الله من أكثر دعاة التجديد في الفكر الإسلامي، بالمعنى العقائدي الرحب للاجتهاد البعيد، كل البعد، عن أي تحيز طائفي ضيق.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2860 - الإثنين 05 يوليو 2010م الموافق 22 رجب 1431هـ
أبو جالبوت
السلام عليكم جميعا
زائر 1و2 التزما نهج السيد محمد حسين فضل الله قدس سره الشريف في الحوار و لا يأخذكما التعصب و التحيز ووووو
بارك الله فيكما
المقارنة مرفوضة تماما ياأستاذ
لايوجد مقارنة أبدا بين المفكر المصري نصر أبو زيد الذي كتب ماكتب مما أثار جدلا واسعا في المجتمع الإسلامي وبين آية الله المجاهد والأب الروحي للمقامة الباسلة لحزب الله في لبنان وهو الفقيد السعيد العلامة السيد فضل الله رحمة الله عليه ورضوانه
أوجه المقارنة بين فضل الله و نصر أبو زيد
تكمن المقارنة في شيء واحد بالنسبة لي ألا و هو الشجاعة الفكرية و النقدية... الشخصيتان تنميان إلى مدرستين مختلفتين الأولى هي الإسلامية و الأخرى هي العلمانية الليبرالية. و لكن الشجاعة لكل منهما لا نستطيع انكارها. ففضل الله الفقيه المجتهد الذي وظف العلم في خدمة الفتوى و الدين و سائل النصوص و الإرث التاريخي و قابل محاولات التسقيط و التشهير و تأليب الناس عليه بشجاعة مشهودة و خرج منتصرا. و كذلك الأستاذ نصر أبو الزيد الذي واجه حملات التكفير و الإرهاب الفكري بشجاعة حتى وصلت للحكم بتطليقه من زوجته قسرا.
في تصوري المتواضع
لو قرأ السيد فضل الله تعليق زائر 1 و 2 لانزعج أيما انزعاج .. فضل الله الذي كان ينبذ التقديس الأعمى و يحاور التيارات المختلفة و لم يكن ليقبل التملق على الحوار الهادف. هذه هي المصيبة الجهلة عندما يلتفون حول العظاء و يحاولون أن يحجموهم و يأطروهم بأطاراتهم الضيقة المذهبية. فهم قد لا يكونون قد سمعوا أو قرأوا لنصر أبو زيد و لكنهم قفزوا للإستنتاج أنه لا يجوز مقارنة السيد فضل الله (ر ه) عليه بحمد نصر أبو زيد العلماني الليبرالي و نسوا أن السيد رحمه الله هو أكبر فقيه متحرر من الخرافة و التقديس الأعمى.
السيد المجاهد العالم المجدد الرباني
فعلا أنا مع زائر (1) , كيف يتم مقارنة السيد العلامة المجتهد آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله( قدس سره الشريف ) بمن هم دونه بمراحل لا تحصى ؟؟؟ إذا كنت تريد أن تبين مكانة أحد فقارنه بمن هو في مستواه , فلا يمكن مقارنة الحجر الصلد بالألماس مع آحترامي للجميع , فمكانة السيد الرحل (قده) أعظم وأجل من مكانة كاتب أو مجاهد ( فمداد العلماء أفضل من دماء الشهداء ) فما بالك بأناس عاديين لم يؤثروا سوى في محيطم ولم نعرفهم أو نسمع عنهم سوى في نعيهم .
عجبي من هذا الخلط
وهل يقارن فضل الله بهؤلاء مع احترامي للجميع