الأصل في اللغة (وَفِقَ) الأمرُ أي كان مصيباً وموافقاً للمراد، و(أَوْفَقَ) القومُ لفلانٍ: دَنَوْا منه واجتمعت كلمتهم عليه. و(وفقت) الإبلُ: اصْطَفَّتْ واستوتْ معًا. (وَافَقَ) فلانٌ بين الشيئين موافقةً، وَوِفاقًا: لاءَمَ. ووفق فلانٌ وفلانًا في الشيءِ، وعليه: اجتمعا على أمرٍ واحد فيه. (وَفَّقَ) بين القوم: أَصلح. و(وفق) الله فلاناً: أَلْهَمَهُ الخيرَ. و(وفق) اللهُ أَمرَ فلان: أَعطاه له موافقًاً لمراده. و(تَوَافَقَتِ) الجماعةُ: اتَّفَقَت وتظاهرت. واتفقوا في الأَمر: تقاربوا.

هذا هو أصل كلمة «الوفاق» في معاجم اللغة والتي جميعها تتجه نحو التوحد ونبذ الخلافات وتقليص مساحاتها. أما في القاموس السياسي البحريني فكلمة «الوفاق» أصبحت رمزاً يعبر عن «جمعية الوفاق الوطني» التي تضم، وليس في ذلك أي خطأ، أكبر تجمع سياسي للطائفة الشيعية، وكذلك أكبر كتلة برلمانية معارضة، إلى جانب كونها أكبر تكتل ديني – سياسي معارض للسلطة التنفيذية. ولا شك أن اختيار الاسم لم يأتِ مصادفة، بل يعكس توجهاً صادقاً من قبل مؤسسي الجمعية من أجل الوصول إلى وفاق وطني شامل يكرس سياسياً المدلول اللغوي للكلمة.

هذا الموقع يتطلب من الوفاق أن تتحرك في ثلاث دوائر رئيسة: الأولى تنظيمية، وتشمل الأعضاء «الوفاقيين» والأنصار الملتفين حول الجمعية؛ الثانية، وهي أكثر اتساعاً وتغطي الطائفة الشيعية، بمختلف تلاوينها السياسية، وانتماءاتها المرجعية والمذهبية؛ الثالثة وهي الأوسع نطاقاً وأكبر مسؤولية هي الدائرة الوطنية البحرينية. هذا الواقع «الوفاقي»، بقدر ما يعطي «الجمعية» حيزاً واسعاً في ساحة العمل السياسي البحريني، وثقلاً كبيراً في موازين قواه، بقدر ما يضع على عاتقها عبئاً كبيراً يتوقع منها جمهورها التصدي لمسؤولياته.

هذه الدوائر الثلاث المترابطة أيضاً في الشكل والمضمون، تحمل في طياتها لائحة طويلة من المطالب التي يمكن أن يرفعها المواطن البحريني ويتطلع نحو قيادة «الوفاق» كي تساعده على نيلها. يمسّ البعض منها العلاقات التنظيمية داخل الجمعية، والبعض الآخر له علاقة مباشرة بهموم الطائفة المباشرة ومشكلاتها، لكنها جميعاً تتراجع خطوات كثيرة وواسعة إلى الخلف كي يتقدم عليها، دون أية مساومة، المطلب الوطني الشامل المتكامل الذي يتطلع المواطن البحريني إلى «الوفاق»، شيعياً كان أم سنياً، متديناً كان أم علمانياً، من الفئات الميسورة أم المعدومة، كي تتظافر جهودها مع سائر القوى الوطنية الأخرى من أجل تحقيقه. هذا المطلب هو أن تمارس «الوفاق» دوراً قيادياً ملموساً على المستوى الوطني في المقاربة بين القوى السياسية المنظمة، وعلى وجه التحديد بين «التيار الإسلامي المتنور سياسياً»، والتيارات السياسية الأخرى غير المتطرفة أو المراهقة فكرياً. هذا السعي «الوفاقي» نحو الوفاق الوطني لن يكرس «الوفاق» كتنظيم معاصر بالمفهوم السياسي للكلمة فحسب، وإنما سيسجل التاريخ دورها، كما دون دور هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينيات من القرن الماضي، كأحد رواد العمل السياسي المناهض للطائفية، والداعي للتسامح، والعامل من أجل وحدة الصف الوطني، والمناهض، دون مساومة لأي شكل من أشكال العمل السياسي الطائفي.

قد يخالفنا بعض، كي لا نخطئ فنقع في التعميم ونشمل الكل، الأخوة «الوفاقيون»، في هذا المطلب، وينعتون من يدعونهم لذلك بـ «الرومانسية السياسية»، أو «المثالية الإفلاطونية»، حيث يطلب منهم العمل بسذاجة «النظافة الوحدوية»، في مستنقع «الطائفية السياسية» التي تغرق فيها البحرين اليوم. ونحن نتفق مع الإخوة «الوفاقيين»، على التشخيص، لكننا نختلف معهم على الاستنتاج. فطائفية الآخرين ممن لا تهمهم مصلحة البحرين ومستقبلها، من الخطأ، بل ولا ينبغي أن تجرّنا إلى ذلك المستنقع، وترغمنا على التلوث بأوحاله.

المطلوب من «الوفاق» هنا هو أن تقلب طاولة العمل السياسي عليهم، وأن تجبرهم على اللعب على ساحتنا، ووفقاً لقوانيننا العادلة لا سياساتهم الجائرة، وأساليبنا الموحدة (بكسر الميم)، لا مشروعاتهم الممزقة (بكسر الزاء).

وكي نبعد عن التجريد، ونتحدث عن مطالب واقعية ملموسة نتجه نحو الانتخابات البرلمانية المقبلة، والتي تمتلك الوفاق حصة الأسد فيها التي تصل، في أسوأ الحالات ووفقاً لتقديرات «الوفاق» إلى ما يقارب من 50 في المئة من مقاعد المجلس المرتقب. ما ضر «الوفاق» اليوم، لو شاطرت بعض القوى والشخصيات الوطنية، ديمقراطية أو إسلامية، من التيارات السياسية الأخرى نسبة ضئيلة من تلك الحصة. ليس المهم هنا قيمة هذه النسبة، فالمهم هو المبدأ والتطبيق وليس كيفية الاقتسام.

لو أقدمت «الوفاق»، وهي قادرة، على مثل هذه الخطوة الجريئة، فسوف تحقق مجموعة من الأهداف يمكن رصد أهمها في النقاط التالية:

1. ستربك «الوفاق» خطوات القوى الأخرى الطائفية المعادية، ممن يحلو لها، ويحقق مصالحها استمرار سيادة النزعة الطائفية في ساحة العمل السياسي البحرينية، ومن ثم ستفقد تلك القوى نسبة من مصادر نفوذها، لكونها تلعب في ساحة غير ساحتها، ووفق قوانين مختلفة عن تلك التي تربّت عليها وأتقنت فنونها.

2. ستفقد القوى الطائفية قدرتها على شق المجلس النيابي إلى كتلتين تتمترس كل واحدة منها، شاءت أم أبت، في خنادقها الطائفية، وتضيع وسط صيحات الطائفية النشاز كل الأصوات الوطنية بما فيها صوت نواب «الوفاق»، غير الطائفيين.

3. ستدحض «الوفاق» من خلال تلك الخطوة كل ادعاءات القوى الطائفية التي لا تكفّ عن توجيه تهم الطائفية أو الحزبية الضيقة لجمعية «الوفاق»، وسترفل «الوفاق» في ثوبها السياسي الوطني الذي لا يتناقض بأي شكل من الأشكال مع التزاماتها العقائدية.

4. سوف تتمكن «الوفاق»، من خلال تلك الجبهة تحقيق الكثير من المكاسب على الجبهة الوطنية، دون التضحية بأي من المطالب على مستوى الدفاع عن الطائفة أو التفريط بحقوقها.

5. ستحيط «الوفاق» نفسها بسياج جبهوي من قوى حليفة وضع على عاتقه ونصب عينيه الدفاع عن ذلك التحالف، الذي لن يضعف جبهة القوى الطائفية وينهك قواها فحسب، بل سيقوي من صفوف القوى الوطنية المتحدة، ويعزز من خطواتها.

إن يوم الوفاق الوطني يشرع أبوابه واسعة أمام مفاتيح «الوفاق»، الذي لا يستطيع أحد أن ينكر أهمية دورها في يوم الوفاق الذي نتطلع جميعنا نحوه.