غزت «إسرائيل» في الخامس من يونيو/ حزيران العام 1967 مصر واحتلت شبه جزيرة سيناء. أدى هذا النصر، بالإضافة إلى احتلال مرتفعات الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية إلى مفهوم «الأرض مقابل السلام»، وهي فكرة أن باستطاعة «إسرائيل» مبادلة هذه المناطق بسلام دائم مع جيرانها العرب. عمل هذا المفهوم السياسي الأساسي على تأطير جميع المناقشات بين الأطراف، وتحديد عصر بأكمله، وأدى إلى توقيع معاهدة بين «إسرائيل» ومصر.
لسوء الحظ أن الواقع على الأرض في الضفة الغربية وغزة والقدس مختلف جدا. رسمت مفاهيم أخرى غير «الأرض مقابل السلام» الصورة السياسية خلال السنوات الأربعين تلك. فقد هدد الاستيطان الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية، إلى جانب الفشل في إيجاد دولة فلسطينية مستقلة إمكانية تحقيق معادلة الأرض مقابل السلام. وبشكل موازٍ، أدى الفشل في كسب الثورة أو السلام كذلك إلى زوال فتح كزعيم سياسي للشعب الفلسطيني وتحوّل المقاومة الفلسطينية من منظمة التحرير الفلسطينية إلى حماس.
تمثل ثمار عدم الكفاءة السياسية وسوء الإدارة لحقبة الأرض مقابل السلام - حماس والمستوطنات - الآن تهديدا خطيرا لإنهاء النزاع.
أضاعت «إسرائيل» مع الفلسطينيين فرصة الأرض مقابل السلام التي أوجدتها حرب العام 1967. بدلا من التسوية مع جيرانها أوجدت «إسرائيل» واقعا يثير تساؤلات خطيرة حول الحدود المستقبلية وسيادة الدولة ودولتان محددتان بشكل واضح لأمتين، وهي بالضبط تلك المفاهيم التي يطرحها مفهوم الأرض مقابل السلام.
بدلا من ذلك، تنذر حماس والاستيطان، وهو أمر مثير للسخرية، بظهور إقليمية جديدة. فالمستوطنات تربط الإسرائيليين والفلسطينيين بأساليب معقدة، تماما كما تفعل القدس. كما أن حماس هي حركة أيديولوجية مرتبطة من حيث بنيتها الأساسية بالحركات السياسية الإقليمية.
هناك في الحقيقة واقع ترابطي بين أجزاء الشرق الأوسط. يجب أن تكون غزة مرتبطة بمصر والضفة الغربية و»إسرائيل» بشكل لا سبيل للخلاص منه حتى يتسنى لها أن تزدهر. أما في الضفة الغربية والقدس فهناك تداخل وتشابك قوي بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
تكمن المشكلة في رفض هذا الترابط وإنكاره، واللجوء إلى شكل مختلف من التواصل لحل الخلافات، ألا وهو العنف.
لا يتعلق الشرق الأوسط فقط بمن يملك ماذا، وإنما بكيف تتفاعل الأطراف في الواقع ببعضها بعضا في هذا السيناريو المترابط، من خلال العنف أو أساليب أخرى. يجري التشارك فعليا في القضايا الحرجة الضرورية للحياة مثل المياه والأرض وقضايا مفعمة بالرمزية، مثل القدس، ولكن ذلك التشارك يتم بطريقة غير فاعلة إلى درجة كبيرة.
سوف تشكّل السيادات المنفصلة حالات ضرورية لإشباع الشهية الوطنية للطرفين، إلا أن هاتين الدولتين سوف تحتاجان لترتيبات مشتركة خلاّقة وإنشاء روابط مع بقية الشرق الأوسط حتى يتسنى عكس الواقع الحاضر.
سوف يتوجب الآن على حل الدولتين، إذا تسنى له أن يرى النور، أن يَقنَع بحقيقة أن الدولتين سوف تتطلبان درجة عالية من النفاذية لتتمكنا من العيش والازدهار، أي أن يكون الحل حقيقيا.
سوف تعني نفاذية الحركة والتنقل إمكانية وصول الفلسطينيين والمستوطنين إلى القدس، إضافة إلى النفاذية الاقتصادية لغزة.
إضافة إلى ذلك فإن مفتاح السلام الباقي لن يكون نظامين مختلفين للطرق وحواجز إسمنتية وضوابط أمنية، وإنما إطارا من المساواة بين الطرفين لتأطير أرضيتهما المشتركة. سوف يحتاج الفلسطينيون والإسرائيليون، بوجود هذا التشابك بينهم، أن يعيشوا حسب شروط عادلة ومتساوية لكليهما، الأمر الذي يعني تحولا غاية في الأهمية للأنماط العقلية.
قد يكون ماراثون المحادثات بين الإسرائيليين والفلسطينيين خلال العقود الماضية قد فشل، لأن خيار العنف المتوفر للجانبين الذي يذكي ناره الإنكار، كان موجودا دائما. لم يتخذ القرار أبدا بالسعي وراء أشكال جديدة من التواصل حول القضايا الحرجة، بينما يستمر الإنكار والرفض الأساسي للآخر.
لسوء الحظ أن المحادثات لا يمكنها أن تنجح في الشرق الأوسط ما لم يتخذ هذا القرار الشجاع ويتم وضع حدود على المتطرفين الذين لا يلتزمون به. ليست هذه مجرد كلمات أو مفاهيم مبهمة، وإنما هي الأساس المتين الذي يجب أن ترتكز عليه المحادثات، وهو أمر أساسي أكثر من «الأرض مقابل السلام»، هو الاعتراف باحتياجات الآخر في الواقع الراهن. وفي غياب هذا الإدراك، فإن التواصل عبر مدفع دبابة الميركافا وخط انطلاق صاروخ القسام مستمر. لا شك أن إنكار بشر مثلنا يقيمون بجوارنا سوف يولّد العنف بالتأكيد، تماما مثلما يدعو الاعتراف بحاجاته، والترتيبات لتحقيق هذه الاحتياجات، إلى الهدوء.
ماذا يعني ذلك بشكل عملي؟ ما زال الجواب هو الدولتان، ولكن بدرجة أعلى من حركة العمالة ووضع إقامة متنوع، وإطار سياسي إسرائيلي فلسطيني مشترك حول قائمة طويلة من القضايا: المياه والأمن والمواقع الدينية واستخدامات الأراضي والبيئة، ضمن أمور أخرى.
سوف ينتهي الأمر بالفلسطينيين والإسرائيليين، بغض النظر عما إذا كان ذلك عن طريق الحرب أو الدبلوماسية، بتبني هذه الترتيبات الهجينة: دولتان بدرجة عالية من النفاذية ضمن إطار مشترك من المساواة، يمكنه حتى أن يمتد إلى الدول المجاورة كذلك.
وإذا لم يجرِ أتباع هذا السبيل فإن ثمار السنوات الأربعين الماضية، كالإنكار والرفض والعنف والاستيطان وحماس لن تبذر بالتأكيد لا بذور السلام ولا الاستقرار، وإنما جحيم لا يمكن تصوره الآن.
يعود الأمر للإسرائيليين والفلسطينيين لأن يقرروا ما إذا كانوا يرغبون بالوصول إلى ذلك الهدف، كما فعلت أوروبا، ولكن بعد أن لا يترك بلاء الحرب أي حل آخر، أو بأساليب أخرى أكثر منطقية.
*مدير برنامج الشرق الأوسط ومحيط البحر الأبيض المتوسط لمركز توليدو الدولي للسلام. وقد كان في السابق مدير مكتب القدس لمنظمة البحث عن أرضية مشتركة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2392 - الثلثاء 24 مارس 2009م الموافق 27 ربيع الاول 1430هـ