العدد 2855 - الأربعاء 30 يونيو 2010م الموافق 17 رجب 1431هـ

العلاقات السعودية – الأميركية: نقاط الجذب ومراكز الطرد (2 - 3)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لوضع الإطار العام لهذه العلاقة لابد من تحديد أهم ما يريده كل طرف منهما من الآخر. أكثر عامل يحكم الموقف الأميركي من السعودية هو حرصها على ضمان تدفق النفط بالكميات التي يحتاجها السوق الأميركي، وبالأسعار التي لا ترهق الاقتصاد الأميركي، سواء بضمان مواقف مرنة داخل صفوف منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك)، أو من خلال تعويض أي نقص ينجم عن أزمة، تؤثر على الإنتاج، ومن ثم على الأسعار في أي من الدول المصدرة للنفط. على أن يترافق ذلك مع الحفاظ على نسبة عالية من حجم التجارة الخارجية السعودية لصالح الخدمات والبضائع الأجنبية.

وكما يبدو فإن هذين الهدفين قد تحققا، سواء على الجبهة النفطية أو التجارية، فرغم تراجع حصة واشنطن في التجارة السعودية لصالح بعض الشركات الآسيوية والأوروبية، لكنها ماتزال تحتفظ بحصة الأسد فيها والتي تصل إلى نحو 15 في المئة حسب الإحصاءات الأخيرة. وقد نجحت الرياض في الالتزام بذلك لفترة زادت على ربع قرن منذ السبعينيات.

مقابل ذلك، تتطلع الرياض نحو واشنطن من أجل تأمين مساعدتها على الدفاع عن النظام من الأخطار الخارجية والداخلية على حد سواء، من خلال سياسة تسليح متنامية، واتفاقيات تعاون مشترك على هذا الصعيد. وقد نجح البلدان في تحقيق شروط تفعيل هذه العلاقة، رغم ما اعتراها من بعض الاهتزازات المؤقتة وغير الجوهرية، مثل متطلبات إخراج القوات العراقية من الكويت، وتلكؤ الرياض في إعطاء واشنطن الضوء الأخضر لاستخدام أراضيها لأغراض عسكرية، إلى أن طرأ عليها حادثان، أو ذلك الشعور المعادي للولايات المتحدة بعد هجومها الإعلامي بعد تلك الأحداث على الرياض.

الأول، وكان له تأثير سلبي بالغ الأثر على التحالف الإستراتيجي بين البلدين، كان الهجوم الذي شن في 11 سبتمبر/ أيلول 2001، على مواقع حساسة في الولايات المتحدة، والكشف عن مجموعة سعودية الأصل من بين الفرق التي قادت تلك الهجمات، وارتفاع الأصوات الأميركية التي ربطت بين تلك الهجمات وتنظيم «القاعدة»، الذي يقوده هو الآخر أسامة بن لادن وهو سعودي أيضاً.

وكشفت تقارير مبنية على استطلاعات للرأي السعودي والأميركي، كل على حدة، قامت بها مؤسسات أميركية مثل «غالوب»، في أعقاب 11 سبتمبر 2001، عن تردي العلاقات بين العاصمتين، فبينما كان هناك «58 في المئة من الأميركيين لا يكنون المودة للسعودية بعد أن كانت 56 في المئة في يناير/ كانون الثاني 2001، وصلت نسبة السعوديين الذي لا يكنون المودة للولايات المتحدة إلى 64 في المئة».

لقد كشفت تلك الهجمات، عن بروز تيار «إرهابي سني»، كما صنفته الإدارة الأميركية، والذي وصفته بأنه «وهابي الجذور»، لديه نزعات معادية للغرب، وقادر على توجيه ضربات موجعة لمؤسساته. وسواء قبلنا بالرواية الأميركية أم شككنا فيها، تبقى الحقيقة الأهم أن مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة، وخصوصاً تلك التي لها علاقة بالسياسات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، قد أشارت بأصابع الاتهام إلى «الإسلام السني»، وحذرت من علاقاته مع الرياض. جاء ذلك في أعقاب تركيز المؤسسات الإعلامية الغربية، على «الإسلام السياسي الشيعي»، واعتباره العدو الأول لها في منطقة الشرق الأوسط، متخذة من خلافاتها مع إيران، ذريعة في إثبات تلك المقولة.

الثاني كان الغزو العسكري الأميركي للأراضي العراقية، وإسقاط نظام صدام، فقد جاءت الخطوة الأميركية بعد موافقة ممتعضة ومتلكئة من الرياض، التي عرفت بعض أشكال التململ السياسي الداخلي، أشار إليه رئيس مجلس سياسة الشرق الأوسط والسفير الأميركي الأسبق لدي الرياض تشاس فريمان قائلاً «هناك حالة انفصال غريبة. ثمة اعتراف من جانب حكومتي البلدين بالأهمية الكبيرة لهذه العلاقات»، ولكنه حذر في الوقت ذاته من سلبياتها على الأوضاع الداخلية في المملكة، التي كانت تخشى أن يقود سقوط صدام، والتشرذم السني السياسي هناك، إلى بروز كتلة «شيعية سياسية» قوية تمسك بزمام الأمور في بغداد، وتعطي إيران عمقاً «فارسياً/ شيعياً» يهدد حدودها الشمالية، وقد يؤدي إلى تشجيع الكتلة الشيعية داخل المملكة إلى التعاطف مع الحكم في العراق.

أبعد من ذلك، تخشى الرياض أن تفقد مكانتها المميزة لدى واشنطن، فيما لو اتجهت الشركات الأميركية، كما تشير بعض التقارير إلى الاستثمار في النفط العراقي لزيادة حصتها في الإنتاج العالمي، الأمر الذي يقود إلى تقليص حجم اعتماد الولايات المتحدة على النفط السعودي، مما قد يؤدي إلى تراجع مكانة الرياض في السياسة الأميركية الشرق أوسطية.

وتربط صحيفة «لوس أنجليس تايمز» بين النفط والأمن اللذين يحكمان العلاقة قائلة، خلال أزمة النفط في السنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين «إن ضعف العلاقات الاقتصادية بين البلدين جاء في الوقت الذي بدأت فيه العلاقات الأمنية بالترنح».

يتفاعل هذان الحدثان مع تطور الأوضاع في الشرق الأوسط، والمبادرة العربية التي أطلقتها الرياض في العام 2002، والتي لم تحظَ بالدعم الذي تستحقه أو تتوقعه، الرياض من واشنطن. كانت الرياض العراب الرئيسي لتلك المبادرة، التي لاقت حتفها على يد السياسة الصهيونية، التي لم تتعرض، كما أرادت الرياض أية ضغوط من واشنطن. وحتى بعد اعتلاء باراك أوباما سدة الحكم في البيت الأبيض، واستبشار العرب خيراً بتصريحاته إزاء القضية الفلسطينية، وخصوصاً تلك التي أطلقها في خطابه الشهير في جامعة القاهرة في الرابع من يونيو/ حزيران 2009، وقبل ذلك في تركيا، ولكن لم يتقدم قطار السلام قيد أنملة، بل زادت وتيرة بناء المستوطنات الإسرائيلية وحصار غزة، في ظل عدم جدوى المفاوضات غير المباشرة، وتأخر المحادثات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولم تسفر المساعي الأميركية إلا عن جولات مكوكية لمبعوثها إلى الشرق الأوسط، كما تناقلت وسائل الإعلام عند تقويمها للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2855 - الأربعاء 30 يونيو 2010م الموافق 17 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً