لا يختلف اثنان على انتشار الكثير من نقاط الجذب فوق بساط العلاقات السعودية – الأميركية، فعلى المستوى الاقتصادي هناك النفط الذي تملكه السعودية، وتعتبر أقوى اللاعبين في أسواقه، وتحتاج له الولايات المتحدة، وتعتبر أكبر المستوردين له. وإلى جانب ذلك، هناك الصادرات الأميركية، وعلى وجه الخصوص منها الأسلحة والمعدات والخدمات الأمنية، الباحثة بلهفة عن أسواق جديدة تخترقها، وتعمل بجهد للمحافظة على أسواقها التقليدية التي بدأت تغزوها البضائع والخدمات القادمة من آسيا، والمستهدفة السوق السعودي، كأكبر سوق لها.
أما على الجانب السياسي، فهناك حرص كليهما على استتباب الأمن في منطقة الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص في الخليج، حيث النفط، والمناطق الملتهبة القريبة منه مثل العراق، والمتاخمة له مثل أفغانستان والصومال.
لكن نقاط الجذب هذه، تهمّشها، وتقلّص دورها مراكز الطرد في بعض الأحيان جرّاء التباين في وجهات النظر، والإستراتيجيات بين العاصمتين، والتي يمكن حصرها وفق الفئات التالية:
1. العقيدية، والمقصود بها تحديداً الموقف من الفكر الإسلامي، فبينما لا تستطيع الرياض أن تفرط في موقعها القيادي في المؤسسات الإسلامية العالمية مثل منظمة العالم الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي. وقد أفصحت السعودية عن ذلك في أكثر من مناسبة، خصوصاً في المناطق الساخنة مثل فلسطين وأفغانستان. مقابل ذلك لا تستطيع واشنطن أن تضحّي بمكانتها كزعيمة للفكر العلماني والليبرالي. اتضح هذا التنافر بوضوح في أعقاب هجمات سبتمبر/ أيلول 2001، وعلى وجه التحديد ما جاءت به التقارير التي أعدتها مؤسسة «راند» الأميركية، وهي مؤسسة استشارية تحظى بكلمة مسموعة لدى الدوائر الرسمية الأميركية، كما تدير «راند» مركز السياسة العامة لمنطقة الشرق الأوسط «CMEPP»، الذي أنيطت به مهمة بحث الطرق من أجل مساهمة الولايات المتحدة، للدفاع عن مصالحها، على فهم متطلبات المشاركة في «التطوير السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتقني» في الشرق الأوسط، من أجل «جعل المجتمع أكثر أمناً ووعياً ورفاهية»، والتي أثارت الكثير من ردود الفعل السلبية لدى الرياض أدت في نهاية الأمر إلى تعاقدها مع «شركة أميركية متخصصة في العلاقات العامة لتحسين صورة السعودية، ولإعطاء المزيد من المعلومات لوسائل الإعلام الأميركية».
وعلى نحو موازٍ، وكما نقلت صحيفة «عرب نيوز» الصادرة في جدة عن إبلاغ «ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز علماء (الدين) في المملكة بأن البلاد تمر بأوقات عصيبة، وعليهم إبداء الحذر والمسؤولية في تصريحاتهم العلنية». أدى كل ذلك إلى نوع من الفتور في العلاقات حاولت إدارة بوش أولاً، وأوباما في مرحلة لاحقة إخراجها منه.
2. السياسية، وتحديداً الموقف الأميركي من الدور السعودي في منطقة الخليج، فبينما تطمح الرياض، انطلاقاً من قناعاتها بأنها الدولة الأكثر قرباً من واشنطن، وبالتالي فهي تستحق أن تنال اعتراف هذه الأخيرة بحقها في تبوء المركز القيادي الذي تستحقه، نجد واشنطن، ماتزال لم تحسم أمورها على هذا الصعيد. فرغم كل ما يقال من الموقف العدائي الأميركي من طهران، لكن الخيوط ماتزال ممدودة بين العاصمتين، وماتزال الولايات المتحدة، حتى بعد فتح الملف النووي الإيراني، غير قادرة على حسم اختيار حليفها الإستراتيجي في هذه المنطقة، الأمر الذي يزعج الرياض ويعرقل حركتها. وكما يبدو فإن دوائر صنع القرار الإيرانية مدركة لهذا التردد الأميركي، وأحسنت تجييره لخدمة مصالحها القومية. أما على المستوى الخليجي العربي، فليس في وسع الرياض أن تقفز على محطات الغزل المتكررة بين واشنطن والدوحة، والتي جاءت، كما تراه الرياض على حساب العلاقات التاريخية المميزة بين السعودية والولايات المتحدة.
3. الاقتصادية، وعلى وجه التحديد في اختلاف وجهتي نظر العاصمتين بشأن المسئولية المالية التي ينبغي أن تتحملها الرياض لتقليص سلبيات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الغربي عموماً، والاقتصاد الأميركي على وجه الخصوص. وقد جاء التنافر متبادلاً بين الطرفين على هذا الصعيد، فبينما حاولت واشنطن أن تتحمل الرياض وزراً كبيراً في انتشالها من أزمتها المالية منذ العام 2006، وسعت إلى ذلك من خلال قمم مجموعة العشرين التي انضمت الرياض إلى عضويتها، وجدنا هذه الأخيرة تتدخل بحذر وبمساهمات محدودة اعتبرتها واشنطن متواضعة، ولا تفي بالغرض المطلوب. وحتى عندما حاولت أميركا استخدام سلاح النفط السعودي للضغط على إيران في الملف النووي، من خلال إرغام السعودية على زيادة صادراتها النفطية إلى الصين، كي تخفّف درجة اعتماد بكين على النفط الإيراني، وبالتالي تتراجع بكين عن موقفها المتردد من إنزال العقوبات على إيران، وجدنا المملكة تتردد في ذلك، لكنها في الوقت ذاته، وعلى العكس مما أرادته واشنطن تضاعف من حجم تبادلها التجاري مع الكتلة الآسيوية، وفي مقدمتها الصين، الأمر الذي أزعج الكارتيلات الصناعية الأميركية التي فقدت نسبة عالية من حصتها من السوق السعودية، التي تراجعت جرّاء تلك السياسة من نحو 17 في المئة إلى نحو 14 في المئة.
4. القضية الفلسطينية، وهي مسألة معقدة تتداخل فيها العقيدة بالاقتصاد سوية مع السياسة. فهناك القدس، ومشاريع التسوية، والموقف الأميركي من تل أبيب، بما يشمل المساعدات المالية والدعم السياسي، على التوالي. كل ذلك يحرج الرياض، ويرغمها على الابتعاد عن واشنطن الأمر الذي يغلب فعل مراكز الطرد على عناصر الجذب، وبالتالي يزيد من توتير العلاقات بدلاً من ترطيبها بينهما. وقد فشلت مساعي الرياض التي تكثفت بعد تبنيها المبادرة العربية في العام 2002، التي حدد معالمها مهندسو السياسة الخارجية السعودية، في إقناع واشنطن في التوقف عن الكيل بمكيالين ولصالح الدولة العبرانية في سياستها الخارجية الشرق أوسطية. حتى بعد وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض، ورغم جهوده المتواصلة في أخذ سياسات متوازنة من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لكنه لم ينجح في ذلك، بفضل النفوذ الذي يتمتع به اللوبي الصهيوني في أوساط الدوائر الرسمية الأميركية من جهة، وللحالة المتخلفة التي تعاني منها السياسة الخارجية العربية، والداخلية الفلسطينية من جهة ثانية.
في ضوء كل ذلك، ونظراً للحالة السياسية الهلامية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط فمن المتوقع أن تستمر، وفي المستقبل المنظور أيضاً، حالة الصراع بين عناصر الجذب ومراكز الطرد في العلاقات السعودية - الأميركية قبل أن تستقر الأمور لصالح واحدة منهما في حال حصول تغير جذري في المنطقة باتجاه واحدة وعلى حساب الأخرى.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2856 - الخميس 01 يوليو 2010م الموافق 18 رجب 1431هـ
السعودية: الجلد والسجن لنساء ورجال
كيف يمكن أن ترقى تلك العلاقات ولا يزال السياط مسلطا ..أصدرت محكمة سعودية في مدينة حائل أحكاما بالجلد والسجن على 4 نساء و11 رجلا بتهمة الاختلاط في حفل حسبما أكد مسؤولون قضائيون.وقد حكم على الرجال -الذين تتراوح أعمارهم بين 30 إلى 40 عاما- وثلاثة من النساء اللاتي تقل أعمارهن عن 30 عاما بعدد غير محدد من السياط إضافة إلى السجن لعام أو عامين. أما المتهمة الرابعة -والتي اعتبرتها المحكمة قاصرة- فقد حكم عليها بالجلد 80 جلدة
العلاقة بين ما يدور في الواقع والتمنيات
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تأخذ الدنياغلابا ... مع تحيات ندى أحمد