العدد 2391 - الإثنين 23 مارس 2009م الموافق 26 ربيع الاول 1430هـ

الموقف العربي الصحيح من مستجدات العلاقات الإيرانية - الأميركية (2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

‌أ. إصرار إيران على أن تكون عنصرا أساسيا ومؤثرا، لا تابعا ولا ذيليا، عند إعادة رسم معالم خارطة الشرق الأوسط الجديد، إذ تدرك إيران، أنها اليوم أكثر من أي وقت مضى، منذ انتصار الثورة الإسلامية، تشهد أسرع وأعمق تطورات إقليمية عرفتها هذه المنطقة خلال السنوات العشر الماضية، بفضل تفاعل المنطقة مع تغييرات بنيوية متزامنة معها، على المستوى الدولي.

هذه الحالة تنبئ بتنفيذ مشاريع جديدة في المناطق الاستراتيجية العالمية من أمثال منطقة الشرق الأوسط.

وتحاول إيران أن تستفيد من هذه التطورات بما يحقق لها أفضل المكاسب عند توزيع الحصص، آخذة في عين الاعتبار، عند التخطيط لذلك، دخول فرسان جدد، وبشكل مباشر، إلى الساحة من أمثال حزب الله، وحركة حماس، وتراجع أدوار قوى عالمية من مستوى روسيا وتركيا.

‌ب. ازدياد الوضع الداخلي الإيراني تماسكا، فمنذ حملة الحصار والمقاطعة التي فرضتها واشنطن على إيران، والتي أوصلها إلى قمتها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش قبيل رحيله من البيت الأبيض، تراجعت الخلافات الداخلية الإيرانية من على السطح، كي يحل مكانها، ما يشبه الجبهة العريضة، التي، بغض النظر عن هشاشتها، لكنها كانت دائما ما تتصدر الصفوف عندما يتعلق الأمر بالمواجهات مع أطراف خارجية، وخاصة عندما تمعن الدول التي تقف وراءها في سياسة التحدي ومحاولات الإذلال. وكل الدلائل تشير إلى تماسك هذه الجبهة الإيرانية، على رغم ما يرشح عنها بين الحين والآخر من مظاهر الصراعات الثانوية، ذات الطابع الآني زمنيا والمحدود سياسيا وسكانيا.

‌ج. القدرة على تعزيز الأوضاع الداخلية وعلى وجه الخصوص الاقتصادية منها، حيث حاولت طهران أن تصمد في وجه سياسة المقاطعة من خلال اختراقها لأسواق ثانوية، غير تلك المقاطعة (بكسر الطاء)، وخاصة القريبة منها مثل دبي.

لقد غضت الحكومة الإيرانية الطرف عن بعض الأموال المهاجرة المتسربة عن طريق جزيرة «كشم»، طالما أن تلك الأموال تجلب إلى الأسواق الإيرانية الكثير من البضائع التي تحتاجها تلك الأسواق، بما فيها تلك التي تصنفها واشنطن على أنها «سلع استراتيجية» غير المسموح لتصديرها لغير الأصدقاء والحلفاء المقربين.

بالقدر ذاتها لم تحاصر إيران بعض الأموال الإيرانية العائدة التي وجدت في السوق الإيرانية بعض الإغراءات والتسهيلات، التي تحقق من وراءها نسبة عالية من عوائد الاستثمار، وخاصة في صناعات الطاقة وإنشاءات البني التحتية.

‌د. توسيع التحالفات الخارجية، حيث انطلقت طهران نحو بلدان غير الحليفة لواشنطن، أو تلك التي تحكمها علاقات عداء، أو تنافس، معه هذه الأخيرة، من أمثال الصين والهند وباكستان، بل وحتى روسيا واليابان، مستخدمة في ذلك سلاح النفط، وخاصة خلال السنتين الماضيتين، عندما وصلت أسعاره إلى سقوفها، في توسيع نطاق الجبهة الخارجية، ولم تتوان طهران، عن زيادة حصتها التي قررتها الأوبك، في بعض الأحيان، أو التصرف في الأسعار في حدود معينة، عندما تخدم مثل تلك الوسائل الأغراض الاستراتيجية الكبرى، التي تمدها بالقدرة على الصمود في وجه الضغوطات الأميركية وحلفائها.

‌ه. التمدد الشرق الأوسطي، استفادت إيران من موقعها الجغرافي في الشرق الوسط، ومن منطلقات الثورة الإيرانية التي وضعت تحرير القدس في صلب أولوياتها، في بناء تحالفات سياسية وعسكرية، فشلت دول عربية في الوصول إلى مستواها.

لقد أسست علاقات طهران مع كل من حركة حماس وحزب الله تحالفات من طراز جديد في المنطقة، سمحت لإيران بأن تكون لاعبا أساسيا في هذه الساحة يستحيل على واشنطن تجاوزه، إن هي أرادت إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، انسجاما مع الظروف التي ولدتها حروب «إسرائيل» الأخيرة مع حزب الله، وفيما بعد مع حركة حماس.

باختصار، هذا الضعف الأميركي على المستوى العالمي، المترافق مع عجز إسرائيلي في مواصلة دور الهراوة الثقيلة المرهوبة الجانب من الجيران من عرب وغير عرب، في الشرق الأوسط، يشجع طهران على تصدر الصفوف والمطالبة بأكبر حصة ممكنة في الشرق الأوسط الجديد.

هذا الأمر: الضعف الأميركي من جانب والطموح الإيراني من جانب آخر، هو الذي دفع الطرفين، إيران والولايات المتحدة نحو التقارب والموافقة على تشريع أبواب الحوار، وهو الذي يفسر أيضا، الاندفاع الأميركي والبرود والتريث الإيراني.

أمام هذه الصورة، ترتفع علامة استفهام استراتيجية كيف تحدد الكتلة العربية موقفها من هذا الغزل الإيراني - الأميركي؟

الأمر الذي ينبغي أن يعترف به العرب، مهما كانت مرارة طعم هذا الاعتراف، أنهم، وحتى اليوم، لا يمتلكون رؤية عربية موحدة يمكن الحديث عنها أو الدفاع عن أهدافها. تدلل على ذلك سلة القمم العربية التي تنافست فيما بينها في مطلع العام 2009، والتي شهدت الساحة العربية من جرائها، حروبا إعلامية استنزفت الكثير من الجهود والأموال، وأرغمت كل عاصمة عربية احتضنت أي من تلك القمم على تقديم التنازل تلو التنازل لقوى أجنبية، بما فيها «إسرائيل»، من أجل كسب تأييدها، أو ضمان حياديتها من دعم هذه القمة أو حجب تأييدها عن الأخرى.

حالة التمزق العربي هذه كشفت الكثير من عناصر الهزال العربي، وأضعفت بالتالي الأوراق العربية على طاولة أية مشاورات ممكنة بشأن الأوضاع في المنطقة أو مستقبلها، بما في ذلك طبيعة العلاقات التي يمكن أن تسود بين بلدانها.

يترافق ذلك مع أزمة اقتصادية تعم الدول العربية دون أي استثناء، تتزاوج فيها تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية مع تراجع أسعار النفط، وتتفاعل سلبيا مع انعدام وجود خطة اقتصادية عربية ملموسة قابلة للتطبيق، وهو الأمر الذي أفصحت عنه قرارات وتوصيات قمة الكويت الاقتصادية التي انعقدت في مطلع العام 2009.

على رغم كل ذلك لا يمكن للعرب أن يقفوا مكتوفي الأيدي، أو في مقاعد المتفرجين، في مرحلة دقيقة كتلك التي تمر بها حاليا منطقة الشرق الأوسط، بما فيها مشروع التقارب الإيراني - الأميركي، فالنهاية الطبيعية لاستمرار الموقف العربي على ما هو عليه اليوم، هو تلقي النتائج التي سيتمخض عنها ذلك التقارب، والقبول بالنتائج التي سيسفر عنها، والتي هي في الغالب ستراعي، في المقام الأول مصالح طرفي التقارب، حتى وإن تم ذلك على حساب مصالح الدول العربية وأمالها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2391 - الإثنين 23 مارس 2009م الموافق 26 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً