العدد 2854 - الثلثاء 29 يونيو 2010م الموافق 16 رجب 1431هـ

الهوية والهجرة والعقيدة

كرمت إحدى جلسات منتدى الدوحة العاشر والذي انعقد في الفترة ما بين 31 مايو/ أيار و2 يونيو/ حزيران 2010 إلى قضية الهوية الوطنية والهجرة والعقيدة. وقد أدار الندوة ريتشارد بيرغ مدير مركز والتون بارم، شارك فيها كلٌّ من:

-1 عبد الخالق عبدالله، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات.

-2 حسن الأنصاري، مدير مركز الدراسات الخليجي بجامعة قطر.

-3 جيمس موارن، عضو مجلس الشيوخ الأميركي.

-4 اريك رولو، الصحفي المعروف بصحيفة «اللوموند»، ووزير وسفير فرنسي سابق.

-5 جوزيف ميلا، رئيس وحدة الديانات بوزارة الخارجية الفرنسية.

وقد تناولت الجلسة محورين أساسيين وهما:

-1 العمالة الأجنبية في الخليج وانعكاساتها على الهوية الوطنية.

قدم عبدالخالق عبدالله عرضاً موسعاً لتدفق العمالة الأجنبية إلى الخليج العربي، في مختلف المراحل وخصوصاً مرحلة الصناعة النفطية مع ما صاحبها من نشاط اقتصادي واسع وتحولات جذرية في البنية الاقتصادية، والتركيبة السكانية.

عرض عبدالخالق إلى الأبعاد المترتبة على التدفق الهائل للعمالة الأجنبية فيما يخص الهوية الوطنية والتركيبة الاجتماعية، وما يترتب عليها سياسياً.

عرض عبدالخالق ظاهرة انحسار نسبة المواطنين وطغيان نسبة العمالة الأجنبية في التركيبة السكانية لدول مجلس التعاون الخليجي بصورة متسارعة ومطردة بحيث أضحى المواطنون يشكلون أقلية تتراوح ما بين 5 في المئة في الإمارات العربية المتحدة أغلبية ضئيلة

كما في السعودية 60 في المئة وعمان 55 في المئة ولكن وفي جميع دول المجلس فإن العمالة الأجنبية تشكل الأغلبية لقوة العمل وتسير قطاعات حيوية، وبدونها يتوقف الاقتصاد بل والحياة تماماً.

كما عرض عبدالخالق التحول في تركيبة العمالة الأجنبية بزيادة نسبة العمالة غير العربية وخصوصاً الآسيوية على حساب العمالة العربية، بعد كارثة غزو واحتلال الكويت في 1995.

وطرح عبدالخالق خطورة تحول المواطنين من شعب إلى أقلية في بلدهم والتأثيرات الطاغية لمجتمع العمالة الأجنبية على الهوية الوطنية من حيث نسق اللغة والانتماء والثقافة والقيم. كما عرض للآثار الاقتصادية المترتبة على سيطرة العمالة الأجنبية على مفاصل الاقتصاد وتحويلاتها. كما حذر من التبعات السياسية المرتبطة بحقوق العمالة الأجنبية المستقرة لسنوات في ضوء القانون الدولي، ومنها حق الجنسية.

أما حسن الأنصاري فعرض للوضع القانوني للعمالة الأجنبية باعتبارها عمالة مؤقتة، وتفاوت هذا الوضع من بلد خليجي إلى آخر. كما عرض للموقف المشترك لدول المجلس باعتبار هذه العمالة عمالة مؤقتة مرتبطة بأعمال محددة أو متطلبات متغيرة وليست عمالة مهاجرة نتيجة للاستقرار.

أما المحور الثاني من جلسة فعرض إلى الهجرة الأجنبية وخصوصاً العربية والإسلامية للدول الغربية، وخصوصاً تجربة الولايات المتحدة وفرنسا السناتور جيمس موران، من ولاية فرجينا، عرض إلى تجربة الولايات المتحدة كونها شعباً تشكل أساساً من مهاجرين، ولايزال يعاد تشكيله مع استمرار تدفق العمالة الخارجية إلى الولايات المتحدة واستقرارها وأكد السناتور موران على أن ما يميز الولايات المتحدة عن غيرها من الدول المستقبلة للهجرة هو تجاوز الاندماج مع الاحتفاظ بالخصوصية. فالولايات المتحدة هي الأكثر تميزاً في اندماج المهاجرين من مختلف القوميات والثقافات والبلدان والأعراق مع بعضهم بعضاً ومع المجتمع الأميركي وفي ذات الوقت، فإن الولايات المتحدة تتيح لمكونات المجتمع الأميركي الاحتفاظ بهوياتها ومميزاتها الأصلية والدفاع عن مصالحها. لذلك فإن إلى جوار اللغة الإنجليزية تتجاوز اللغات الإسبانية والبرتغالية والهندية والعربية والعبرية وغيرها. بحيث يتم تعليم هذه اللغات إلى جانب اللغة الإنجليزية لمختلف الجاليات في المدارس بما فيها المدارس الرسمية، وتستخدم في الإعلام المحلي من صحف ومحطات تلفزيونية وإذاعية وغيرها.

أما جوزيف ميلا، رئيس وحدة الديانات في وزارة الخارجية، فأكد في البداية مغزى تشكيل هذه الوحدة من قبل وزير الخارجية الفرنسية كوشتر، لأهمية عامل الدين والثقافة والجاليات ذات المختلفة في فرنسا.

عرض جوزيف ميلا لقضية حساسة وهي التشريع الفرنسي الجديد بحضر النقاب في الأماكن العامة. فأكد أن منطلقات الجمهورية الفرنسية لا تستهدف الإسلام والمسلمين، بل هي معنية بتأكيد قيم الجمهورية الفرنسية الراسخة وهي الحرية والمساواة والكرامة. وأكد أن النقاب ليس رمزاً دينياً بل هي ممارسة ناتجة من تسلط وإكراه النساء من قبل الرجال ذوي النزعة الذكورية أو استلاب من قبل النساء، ويترتب عليه عزل المرأة والتمييز ضدها، وسلب شخصيتها، كما أن للنقاب أبعاداً أمنية خطيرة، في ضوء الجرائم المرتكبة من قلب ملثمين.

أما السيد أريك رولوا أحد أعمدة صحيفة «اللوموند دبلدماتيك»، والذي يتحدث بطلاقة، والمولود في مصر، والذي شغل مناصب وزارياً وسفيراً لبلاده في المنطقة العربية، فتحدث عن السياسية الفرنسية تجاه الهجرة وسياسية الاندفاع الوطني، وهو ما يختلف عن السياسية الأميركية. أكد رولوا على أن فرنسا تحترم مكونات المجتمع من المواطنين أو المهاجرين وأن فرنسا علمانية وهي محايدة تجاه مختلف الأديان مع تأكيدها على حرية العقيدة والعبادة وإقامة دور العبادة ونشر وتعليم الأديان من قبل مختلف المجموعات لكن فرنسا تلتزم بمبادئ الجمهورية التي يجب أن يهتدي بها جميع القاطنين في فرنسا مواطنين ومقيمين، ومن هنا تشديد فرنسا على مبادئ الحرية والمساواة والكرامة الإنسانية، ومساواة المرأة بالرجل، ومعارضتها لتهميش المرأة المسلمة والحط من كرامتها بعزلها في النقاب.

تبع العرض نقاشات صاخبة ومطولة، وغلب على كثير من العرب المتدخلين طابع الخطابة والانفعال. حيث تكرر الاتهام للغرب بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا بازدواجية المعايير والتمييز ضد العرب والمسلمين، والانحياز لليهود و»إسرائيل» بل وممارسة سياسة استعمارية.

وهناك قضيتان ذات أهمية فيما يخص موضوع الندوة.

الأول هو ما طرحه عبدالخالق في التنمية المشوهة لبلدان مجلس التعاون والتي تركز على إرضاء مصالح أرباب الأعمال وهم في ذات الوقت مسئولون في الدولة والتي تتميز بالتوسع السريع في الاقتصاد من دون ضوابط وخصوصاً في القطاعات الإنشائية التي تتطلب عمالة كثيفة غير ماهرة، وسياسات الهجرة المتراخية والتي أدت إلى جانب أسباب أخرى في هذا التدفق الهائل للعمالة الأجنبية واختلال التركيبة الديموغرافية وتشوهها، واضمحلال الهوية الوطنية.

وقد طالب عدد من المتدخلين بأنه يتوجب ضبط تدفق العمالة في ضوء تنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية عقلانية، تؤهل المواطنين ليتحملوا المسئولية الأولى في التنمية وإدارة البلاد. وفي ذات الوقت احترام الحقوق الإنسانية للعمالة الأجنبية وضرورة استقرارها وليس اعتبارها عمالة مؤقتة أو عابرة، وضرورة التفاعل الإيجابي بين المواطنين والمقيمين ليشعر الجميع بالانتماء إلى البلد الذي يعيشون فيه كما طرح البعض بدائل في ضرورة إعطاء الأولوية للعمالة العربية. وطرح كذلك التجنيس ولكن في ضوء اعتبارات قانونية واحتياجات بلدان مجلس التعاون، وضرورة التأكيد على المواطنة الخليجية وتساوي مواطني المجلس في حقوق أساسية.

أما القضية الثانية فهي المتعلقة بوضع العرب والمسلمين في الغرب وبالتحديد في الولايات المتحدة وفرنسا. عبر عدد من الأميركيين العرب والمسلمين في مقابل نظرائهم الفرنسيين والأوروبيين، عن أن الولايات المتحدة توفر ظروفاً أفضل لاندماج المهاجرين، ومساواة وفرص أفضل لمختلف مكونات المجتمع. وأمام انعقاد العديدين لانحياز الولايات المتحدة إلى جانب «إسرائيل» حتى في ظل إدارة أوباما التي قدمت وعوداً وردية للعرب والمسلمين، فقد ردّ السناتور موران، على ظاهره انكفاء العرب والمسلمين على أنفسهم وعدم اندماجهم الكافي في المجتمع الأميركي واستنكارهم للمشاركة في العمل السياسي والتطوعي.

على رغم الفرص المفتوحة والتي أوصلت أول أسود وابن مهاجر إلى سدّة الرئاسة الأميركية.

كما عرض السناتور موران إلى ظاهرة الصراعات ما بين العرب والمسلمين الأميركيين لاعتبارات دينية وسياسية ومذهبية والانتماء لمختلف البلدان العربية والإسلامية وافتقارهم إلى المنظمات القوية التي تدافع عن مصالحهم وتمارس دور اللوبي الفاعل في الدوائر السياسية وغيرها أما بالنسبة لأوضاع العرب والمسلمين في فرنسا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام فإن صيرورة كل بلد مختلف عن الآخر، فبريطانيا مختلفة عن فرنسا، وكذلك الأمر بالنسبة لأوضاع العرب والمسلمين فيها. ودورهم في الحياة العامة. لكن عدداً من المتحدثين والمناقشين اتفقوا على الاعتراف بالامتيازات التي يتمتع بها المهاجرون العرب والمسلمون في أوروبا، والضمانات المتوافرة لهم سواء كمواطنين أو مقيمين، والمؤشرات الإيجابية في صعود العديدين فهم إلى المواقع القيادية السياسية والاقتصادية والأكاديمية والاجتماعية، بحيث أضحى هناك وزراء ونواب وسفراء وممثلو الحكم المحلي في العديد من بلدان أوروبا

أما الظاهرة التي لفت إليها بعض المتحدثين فهي أن عدداً من البلدان الإسلامية يمنع النقاب أيضاً مثل تركيا وتونس، ويضطهد المنظمات والمجموعات والشخصيات السلفية المحبذة للنقاب. أحد المتحدثين أكد على أن ظاهرة الهجرة هي باتجاه الغرب وليس العكس، وأن الأغلبية المطلقة لمن يهاجرون إلى الغرب يستقرون هناك ولا يرغبون في العودة إلى بلدانهم الأصلية، ويؤكدون أنهم يتمتعون بأوضاع أفضل بكثير من بلدانهم. بل إن الهجرة إلى الغرب أضحت حلم الأجيال الشابة.

العدد 2854 - الثلثاء 29 يونيو 2010م الموافق 16 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً