العدد 2854 - الثلثاء 29 يونيو 2010م الموافق 16 رجب 1431هـ

عبد العزيز الغرير: كبش الفداء؟

سليمان الهتلان comments [at] alwasatnews.com

-

هل كان عبدالعزيز الغرير، رئيس المجلس الوطني الإماراتي، ضحية لضيق الناس في الإمارات بغلاء المخالفات المرورية وكثرة رادارات مراقبة السرعة في شوارع دبي؟ أم أنه من ضحايا أدوات التشهير الجديدة في مجتمعات الـ (بلاك بيري) والمنتديات والمواقع الإلكترونية؟

في ظني أن الضجة التي أحدثتها رسائل البلاك بيري حول ما قيل عن مطالبة رئيس المجلس الوطني الاتحادي في الإمارات بإعفائه من رسوم المخالفات المرورية ليست سوى دليلاً جديداً على أن أدوات «التعبير» الجمعي - أو الاحتجاج الاجتماعي – ستلعب أدواراً أكبر في التأثير على «الرأي العام» وربما في توجيه السياسات الحكومية والقرارات الإدارية.

تقنيات الاتصال تتطور باليوم الواحد، وأحدث أجهزة الاتصالات تصلنا في ذات الوقت التي تصل فيه إلى نيويورك ولندن وطوكيو، الأجهزة تتغير وتتطور أما أدوات تفكيرنا، هنا في العالم العربي، فلعلها مازالت هي ذاتها إن لم تتراجع. التقنية الجديدة، مثل كل شيء حولنا، يمكن أن تكون آليات بناء أو أدوات هدم. يمكنها أن تكون أدوات فاعلة لدخول الحداثة من أبوابها المشرعة ويمكنها أيضاً أن تكون مجرد أدوات لتأصيل الجهل وخدمة التخلف. والمجتمعات التي لم تتعود على وسائل إعلامية تحترم مفاهيم المصداقية والدقة والمسئولية ستجد في تقنية الاتصالات الحديثة ضالتها للترويج للقصص الكاذبة وإشاعة الأخبار المضللة وتعميم الشائعة. ونحن للأسف مجتمعات نشأت على التلقين والحفظ، لا تفكر. دع غيرك يفكر نيابة عنك. نحن تصلنا النتائج جاهزة من غير أن نبحث في خلفياتها أو الظروف المحيطة بها. لا تجادل أو تمارس تفكيراً نقدياً. لا تشكك. فقط احفظ واقبل ما يقال لك من غير سؤال أو اعتراض. في هكذا بيئة، كيف نستغرب أن تنتشر الإشاعات سريعاً ثم تتحول في غضون ساعات قليلة كما لو كانت «حقائق» لا تقبل الجدل؟

ربما كان عبدالعزيز الغرير «كبش فداء» ضيق الناس في الإمارات بغلاء الغرامات المروية وتمادي «رادارات» السرعة في ملاحقة الناس بغراماتها المتلاحقة. أو ربما أن تلك الرسالة، التي تداولها الناس عبر هواتفهم وفي مواقع النت، هي تعبير غير مباشر عن مشاعر غاضبة إزاء زحمة الفواتير الغالية التي تربك الناس مثل الفاجعة. ولكن يبقى «البعد الثقافي» في تحليلنا لظاهرة البلاك بيري (ورسائل الجوال) مسألة ناقصة في تحليلنا لظاهرة خطيرة تعيشها مجتمعاتنا العربية - والخليجية خصوصاً - فهل من الشيم والأخلاق أن يبدع المرء في «صناعة الفضيحة» أو يروج لمعلومة غير دقيقة أو إشاعة قد تكون من صنع خصم إن خاصم فجر؟

ثمة فرق كبير بين حرية النقد وترويج الكذب. من حق الناس أن تعبر عن ضيقها بأي حدث، ومن حقها الأكيد أن تعبر عن همومها وعن مشكلاتها ومعاناتها. هذا حق لا يُجادل فيه. ونفهم أيضاً أن «الشخصية العامة» معرضة دائماً للنقد، بحق أو بغيره، بما فيه أحياناً من قسوة أو سخرية. تلك ضريبة الشهرة أو الوظيفة العليا. لكننا هنا لا نكتب عن هذا النوع من النقد، الذي نقصده هنا تلك الظاهرة المزعجة التي فيها حماس كبير لتداول الأخبار السيئة و»فزعة» الترويج للشتيمة والبحث عن أية فرصة فيها «تشهير» أو إساءة للناس!

قبل عام، كتبت مقالاً بعنوان «أهلاً بكم إلى عصر الفضيحة». نعم إننا نعيش عصر الفضيحة بامتياز. فما كان يحتاج إلى تقنيات نادرة وأجهزة أمنية سرية تزوّر الصور وتروج الأكاذيب - لتشويه صورة الخصوم والمعارضين - هو اليوم متاحاً في كل جيب وفي كل بيت! فما هي سوى رسالة قصيرة تُكتب في دقائق، بكذبها وفجورها، حتى تطوف العالم كله في ظرف ساعة. ويبقى السؤال الأساس: لماذا ننجرف سريعاً لتصديق كل كذبة يؤلفها مجهول لا نعرفه؟

قبل سنوات، كنت في مطار الرياض أنتظر طائرتي إلى دبي. فاجأني صديق من كبار المسئولين هناك يسألني عن أكاذيب تروجها عني - وعن غيري - مواقع أصولية تسعى لتشويه صورة كل من يعمل على تأسيس خطاب نقدي مختلف وضد كل من يحاول التحذير من مخاطر الانسياق وراء الخطاب الوعظي المتطرف. وكنت حينها أستغرب كيف تصدق الناس من يرتدي برقع «الاسم المستعار» للحديث الكاذب عن أناس معروفين بأسمائهم الحقيقية ومواقعهم الوظيفية أو مكانتهم العلمية؟ أنا لا ألوم الجبناء الذين يتبرقعون بالاسم المستعار من أجل الترويج لأكاذيبهم وإشاعاتهم، فتلك شيمهم، لكنني ألوم الإنسان العاقل - أو تفترض فيه العقل - الذي يقرأ أصلاً كذبة لا يعرف من يقف وراءها ولا يبحث في مصدرها ثم يصدقها ويرددها! مازلت ألوم من يصدق الشائعات والأكاذيب لمجرد أنها نشرت على الإنترنت أو تداولها الشباب عبر البلاك بيري.

قصة الرسالة التي تداولتها الألسن في الإمارات وخارجها طيلة الأيام القليلة الماضية هي مجرد بداية. القادم أخطر. تقنيات الاتصال القادمة سيكون الكثير منها خارج حتى عن السيطرة المحلية. ومع المشاكل الاقتصادية المتواصلة وغلبة الثقافة الاستهلاكية المنهكة، وفي ظل التراجع السياسي والثقافي في المنطقة، ستعم فوضى المعلومة المضللة وستنتشر الإشاعات وأساليب التشهير بالناس مثل النار في الهشيم. ومع تهاوي وسائل الإعلام التقليدية أمام الإعلام الجديد، لا حل أبداً من غير التأسيس لثقافة النقد المسئول التي تقطع الطريق أمام ثقافة تروج للأخبار السيئة وتحتفي بالفضيحة وتتبادل أخبار الشر. وحينما يكون لدينا إعلام ناقد ومسئول، يعطي الناس فرصة النقد والتعبير الحر، ومناخ لا يضايق صاحب الرأي المستقل ولا يقصي الفكر المختلف، عندها تتلاشى الحاجة لتتبع الإشاعات والأخبار المغلوطة و»القيل والقال» عبر رسائل الهاتف ومواقع النت.

باختصار: حينما يملك المجتمع - أي مجتمع - إعلاماً مسئولاً ومستقلاً مع مناخ يسمح بالنقد وبمناقشة صريحة لهموم الناس ومعاناتها، تنقطع الطرق أمام مروجي الإشاعات والأخبار الكاذبة. وعندها يمكننا أن نتحدث عن «ثقافة» عامة تحث على التفكير المستقل وتبحث عن مصداقية الأخبار وتشجع على الخروج من دوائر الترويج للأخبار المغلوطة والأكاذيب المقصودة!

إقرأ أيضا لـ "سليمان الهتلان"

العدد 2854 - الثلثاء 29 يونيو 2010م الموافق 16 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:49 ص

      يالبؤس أهل الرياض....وياغبطة أهل دبي !!

      الإشاعة "بديل" لآرضيه تفتقد الحقيقة والخبر الرسمي؟؟؟؟
      :
      :

      ما مثلنا ومثلك الا كما قال الأعشي:
      علّقتها عرضاً وعلّقت رجلاً ... غيري وعلّق أخرى غيرها الرجل!!!
      أحبك أهل الرياض ..وأحببت أهل دبي..وأحب أهل دبي ابناءها :)
      "F"

اقرأ ايضاً