ترحيل قمة «الدول الثماني» الملفات الخلافية الاقتصادية إلى قمة «مجموعة العشرين» في تورنتو يؤشر إلى بداية اعتراف من جانب الدول الصناعية الكبرى بقوة الدول الصاعدة ودورها الخاص في إمكان المساهمة في تفكيك أزمة مالية عالمية عصفت بالأسواق خلال السنتين الماضيتين. فالعالم فعلاً بدأ يتغير ولم يعد بإمكان حفنة من الدول تقرير مصير البشرية من دون انتباه لوجود قوى أخرى بدأت تلعب دورها في مساحات جغرافية من جنوب الكرة الأرضية.
المتغيرات لاتزال في بدايات الشوط وهي لم تستقر على قاعدة واضحة ولكنها بدأت تشق طريقها في سياقات تاريخية – جغرافية سيكون لها وزنها الاقتصادي في تعديل توازنات في الخريطة السياسية وتوزع مراكز القوى بين الشمال والجنوب. فالعالم الذي تم تشطيره بين شرق متخلف وغرب متقدم في القرن التاسع عشر أصبح من الماضي بعد أن حققت دول الشرق خطوات اقتصادية متقدمة في المجالات التقنية والتنموية ودخلت على سوق التنافس مع شركات أوروبية – أميركية احتكرت لفترة عقود مجالات الإنتاج والتصريف. والعالم الذي تم تقسيمه إلى شمال متقدم وجنوب متخلف في القرن العشرين دخل الآن في منطقة رمادية ويرجح أن تتعدل توازنات القسمة بعد عقود من الزمن في حال واصلت دول الجنوب نموها على مستوى استقطاب الرساميل واستثمارها في مجالات إنتاجية تتعدى حقول الاقتصاد الريعي.
هذه التحولات المعلنة والمضمرة لم يعد بالإمكان تجاهلها. حتى الرئيس الأميركي باراك أوباما قال صراحة في قمة تورنتو إن الاقتصاد العالمي أصبح متداخلاً ومعقداً ولم تعد الولايات المتحدة تشكل ذلك القطب الوحيد الذي يعتمد عليه. وكلام أوباما الذي يعترف مواربة بالشراكة ودخول قوى على خط المعادلة الدولية يؤكد فرضية نمو تعددية قطبية لاتزال في مهدها ولكنها تؤشر إلى بروز قوى متوازية أخذت تساهم في إعادة هيكلة خريطة العالم وترسيم خطوط الطول والعرض وفق معادلة تتجاوز تلك التقسيمات القديمة بين الشرق والغرب أو الشمال والجنوب.
المسألة إذاً مسألة وقت والمسار الجديد في العملية التاريخية يحتاج إلى قراءة استشرافية لتحديد طبيعة العلاقات بين الدول تتجاوز تلك التقسيمات النمطية التي حددت نقاط القوة والضعف ضمن توصيفات عرقية ولونية وجغرافية ودينية ثابتة فأسقطت إمكانات التقدم عن شعوب وربطت شعوباً أخرى بالتخلف. وهذا النوع من التنميط الثقافي – الحضاري للشعوب الموروث عن الحقبة الاستعمارية (الكولونيالية) بات بحاجة إلى إعادة قراءة حتى يتناسب التوصيف مع حقائق ميدانية بدأت تكسر تلك الصورة التي تم التعارف على هيئتها في فترة زمنية محددة.
المتغيرات في التوازن الاقتصادي لا يمكن أن تستمر في النمو من دون أن تترك تأثيرها على المعادلة السياسية وموازين القوى. كذلك لا يمكن أن تتطور السياقات السياسية من دون أن تتعدل المفاهيم الثقافية وتتكسر تلك الأنماط التي اعتمدت للدلالة على معنى التخلف والتقدم أو البدائي والحضاري في لحظة كان الغرب في موقع القرار أو كان الشمال ينفرد في التحكم بمقاليد الأمور ويسيطر من دون شريك على مداخل العالم ومخارجه.
الممرات لم تعد الآن حكراً على قوة عالمية جهوية. والمفاتيح لم تعد موضوعة في خزانة واحدة تتحكم بإدارتها جهات جغرافية محصورة بحفنة من الدول تصادف وقوعها في الشمال الغربي من العالم. هذا الاحتكار تحطم لأسباب كثيرة منها له صلة بالتاريخ ومنها له صلة بالديموغرافيا ومنها له صلة بآليات السوق ومنها له صلة بالحاجة إلى المواد الأولية (المعادن والطاقة) ومنها له صلة بالجغرافيا (المواصلات والاتصالات). وأدى هذا التحول الكروي إلى إدخال عالم الشمال بالجنوب والشرق بالغرب ما أعطى فرصة لتعديل نمطية العولمة وتنويع ألوانها وتلطيف حدتها وإبعادها رويداً عن «الأمركة».
دخول البرازيل وإفريقيا الجنوبية وتركيا والسعودية والهند وغيرها من دول الجنوب إلى دائرة «مجموعة العشرين» ليس سوى بداية في مسار تاريخي طويل أخذ يرسل إشارات تؤكد على وجود متغيرات في معادلة القوة والضعف والتوزع الدولي لمراكز القوى. فهذا الجديد الذي طرأ على ساحة العولمة بعد الانهيار النقدي في العام 2008 لا يمكن أن يمر من دون ملاحظة تلك المتغيرات التي أدت إلى اعتراف أميركي بوجود شركاء وأن الولايات المتحدة باتت بحاجة إلى العالم كما كان العالم بحاجة إليها في السابق.
انتقال العولمة من الأمركة إلى خط التبادل لايزال في طوره الأول ولكن هذا لا يعني أن القطار العالمي للتطور الجديد سيتأخر في السير على سكة الحديد. الصفارة انطلقت وما كان أمس من المستحيلات أصبح اليوم من الممكنات. وما كان من الصعب تصور حصوله في الولايات المتحدة قبل عقود أصبح من الحقائق الظاهرة في مشهد البيت الأبيض. فالاعتراف بالآخر لا يحصل دائماً عنوة أو عن طيبة قلب وخواطر عاطفية وإنما يأتي طبيعياً وفطرياً ورداً على حاجة تفرضها الضرورة حتى تتكيف عناصر القوة مع متطلبات الحياة.
ترحيل الملفات الاقتصادية الخلافية من دول قمة الثماني إلى مجموعة العشرين للبحث والتقصي والمساعدة على اكتشاف الحل الثالث بين تعارضين يشكل بداية طريق تاريخي طويل وشاق. والطريق الجديد يكون صعباً في طوره الأول، ولكنه على رغم عقباته ومطباته يستحق المغامرة وذلك لسبب بسيط وهو أنه الوحيد الذي يفتح الباب نحو المستقبل وعالم آخر يرجح أن يكون أفضل من تلك الحقبات التي مرت بها البشرية في القرون الماضية.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2852 - الأحد 27 يونيو 2010م الموافق 14 رجب 1431هـ
عبد علي عباس البصري
توالي الخسائر الماليه في اليونان و أخرى مرشحه بعد اليونان , وكذلك افلاس البنوك الامريكيه والكثير من الشركات الكبرى في الولايات , وارتفاع سعر النفط والتلاعب بصرف العملات , والازمه التسرب النفطيه في سواحل الاسكى , وهيمنتها على السواحل الامريكيه , وفي المقابل صعود بعض الدول الآسويه وفي مقدمتها الصين والهند وماليزيا واندنوسيا واليابان , كل هذه العوامل ستقود الولايات الى اتخاذ قرارات جنونيه ربمى تغرق المنطقه الشرق اوسطيه في ظلمات ذو القرنين عليه السلام ,وتقول عليا وعلى اعدائي