في لفتة ناضجة، حرصت «وعد» على أن يشاركها جلسات مؤتمرها الاعتيادي الخامس مجموعة من الأصدقاء والأنصار من مختف أطياف التيار الوطني الديمقراطي، ومن «كهول !» ذلك التيار و»كهنته!». سادت جلسة صباح يوم الجمعة الكثير من المداخلات الجريئة التي حاولت أن تثير حواراً غنياً مع قيادتها، في ضوء تقاريرها السنوية المعروضة أمام أعضاء المؤتمر.
ظاهرة استحقت التوقف عندها، وهي ضآلة حيز المساحة التي تمثلها الفئة الشبابية من كوادر الصف الثاني، وأضأل منها تلك التي في الصفوف الأولى، في «وعد». وعندما همست في أذن أحد «الشباب الوعديين» المشاركين في المؤتمر إلى هذه الظاهرة، كان رده «انها ليست ظاهرة (وعدية) فحسب، بل هي ظاهرة سائدة في صفوف مختلف جمعيات هذا التيار،ولا أذيع سراً عندما أقول، ربما يربط بين قيادات الصف الأول والثاني شيء من القرابة الأسرية وفي أضيق حلقاتها».
تقف وراء هذه الحالة، غير السارة بالنسبة لجمعيات ذلك التيار، مجموعة من الأسباب التي يمكن حصرها أهمها في النقاط التالية:
1. تراكمات قمع، وفي مراحل أخرى حروب السلطة التنفيذية، فعلى امتداد السنوات الخمسين التي تلت انتهاء الحرب الكونية الثانية، الأخيرة من القرن الماضي، قدم التيار الوطني الديمقراطي الكثير من التضحيات على مذبح النضال، بما شمل ذلك من معتقلين ومنفيين، بل وحتى الشهداء. أدى هذا النزيف المتواصل وعلى امتداد تلك الفترة الطويلة، إلى استنزاف الكثير من طاقات، بما في ذلك المعين الذي يمده بالكوادر البشرية، التي سيطر عليها الخوف من انتقام السلطة التنفيذية منها جراء أي شكل من علاقة إيجابية مع ذلك التيار.
2.عدم مهاودة السلطة التنفيذية، حتى بعد مرحلة المشروع الإصلاحي، هذا التيار. تشهد على ذلك الحروب المتتالية التي عرفتها رموزه خلال الحملات الانتخابية للمجالس البلدية والبرلمان على حد سواء. والمقصود من هذه الإشارة ليس التبرير لذلك التيار او الشكوى بدلاً عنه، بقدر ما هي الرغبة في معرفة الأسباب وتشخيص النتائج المترتبة عليها.
3. استمرار الخلافات التنافسية بين جمعيات التيار المختلفة، وانتقال تلك الخلافات من الفئة الثانوية إلى الفئة الرئيسية، الأمر الذي مزق وحدة الكتلة التي تقذف بالقوى الشابة إلى صفوف تلك الجمعيات وأدى، إما إلى عزوف العناصر الشابة عن الانخراط في العمل السياسي تحت مظلة ذلك التيار، أو توزع النزر اليسير المتبقي منها على أكثر من تنظيم، مما ادى إلى تقلص عدد كوادر الصفوف الثانية في كل من تلك الجمعيات على حدة.
4. التحولات السلبية على الصعيدين العالمي والإقليمي، فسقوط الكتلة السوفياتية، وحلفائها الذين يدورون في فلكها، وتراجعها أمام المد الغربي من جهة، وفشل السياسة الأميركية، التي استفردت بزعامة العالم في تقديم النموذج الأفضل من جهة ثانية.
5. تنامي وانتشار المد التنظيمي للمد السياسي الإسلامي، بعد سقوط نظام الشاه في إيران أولا، وتمرغ الوجود الغربي في اوحال أفغانستان في البداية، وفي العراق في مرحلة لاحقة. أدى كل ذلك إلى حضور قوي للإسلام السياسي في مناطق كثيرة من العالم، لم تكن البحرين مستثناة منها. هذه الحالة بقدر ما زودت الحركة السياسية الإسلامية بمخزون غني بالكوادر المسيسة، بقدر ما حرم التيار الوطني من الاستفادة من تلك الكوادر الذين تربت نسبة عالية منهم في صفوفه، وفي منظمات الأنصار المتحلقة حول أحزابه المختلفة.
6. استمرار التيار في تعامله التقليدي غير الناجح مع منظمات المجتمع المدني عمالية كانت أم نسائية، بل وحتى الشبابية، والذي، أي ذلك التعامل، غير موفق كثيرا حتى في مراحل العمل السري، فما بالك اليوم مع وجود مساحة واسعة من حريات العمل الوطني. والمقصود هنا طغيان الخلافات التنافسية بين فئات التيار المختلفة، والتي غالباً ما تأتي نتائجها لصالح القوى الأخرى، بما فيها تلك التي تسيرها السلطة التنفيذية.
7. عدم قدرته على التغلغل في صفوف منظمات المجتمع المدني ذات الهوية المهنية، من أنماط جمعيات الإنترنت وتقنيات المعلومات، الأمر الذي أتاح الفرصة أمام القوى المضادة والمنافسة على حد سواء كي تستفيد من هذا الابتعاد، فتشرع هي، وضمن خطة واضحة لإحكام سيطرتها على تلك المؤسسات.
8. عزوف الكثير من العناصر الشابة، الجادة، والمؤهلة للانخراط في العمل السياسي عن الالتحاق بأي من المنظمات الجماهيرية ذات العلاقة بأي من جمعيات ذلك التيار، وتحولها، عوضاً عن ذلك، إلى منظمات أخرى، إما محض مهنية، أو ذات علاقة بقوى سياسية أخرى، بما فيها تلك التي تسيطر عليها السلطة التنفيذية. وهنا نجد المعادلة شبه ملتوية، فبدلاً من ان تخترق قوى التيار الديمقراطي منظمات السلطة، وتختار منها العناصر الأفضل والأكثر كفاءة كي تعمل بين صفوفها، وجدنا السلطة التنفيذية، وقوى أخرى خارج التيار الوطني الديمقراطي تخترق صفوف ذلك التيار وتستقطب كوادر الصف الثاني من بين أفراده المنظمين، ممن اكتسبوا خبرات سياسية غنية جراء عملها في جمعيات ذلك التيار.
تأسيساً على كل ذلك، وكي ينجح التيار الوطني الديمقراطي في إعادة بناء كوادر الصف الثاني ومن بين الفئات الشابة، ربما أصبح عليه أن يتوقف أمام هذه الظاهرة السلبية، كي يعيد ترتيب أوراقه، بما يضمن امتلاك قدرته على ذلك البناء على أسس صحيحة وركائز راسخة من خلال:
1. إعادة النظر، ومن منطلقات إيجابية، في طبيعة العلاقات التي تنظم قنوات التحالفات القائمة بين جمعياته المختلفة، في العمل في منظمات المجتمع المدني، بما يضمن تراجع خلافاتها الثانوية إلى الخلف، وتقدم عناصر التعاون فيما بينها نحو الأمام. هذه التراتبية لا ينبغي ان تكون مدونة في صفوف البيانات التي تتمخض عن اللقاءات المتكررة بين جمعيات التيار فحسب، وإنما تتجسد أيضا في الممارسة العملية الصادقة والملموسة بين ممثليه في تلك المنظمات.
2. مراجعة سياساته التنظيمية ذات العلاقة بالعمل في منظمات المجتمع المدني، ووضع سياسة صحيحة لاستراتيجية قابلة لتطبيق من أجل امتلاك البرنامج الصحيح الذي يبني علاقة سليمة مع تلك المنظمات، ويحقق التكامل الإيجابي معها، من أجل توسيع نطاق المحيط الذي تنهل منه جمعيات التيار عناصرها المستقبلية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2850 - الجمعة 25 يونيو 2010م الموافق 12 رجب 1431هـ
ويجب تدشين صفوف في محو الأمية من نوع خاص
كثيرا ما شكو المظلومية وما أن يتولوا المناصب حتى يسيئون استعلال سمعة الكرسي ويجب أن تكون هناك ضوابط لكل من يسىء الى الوطن مع تحيات Nadaly Ahmed