العدد 2849 - الخميس 24 يونيو 2010م الموافق 11 رجب 1431هـ

قافلة أسطول الحرية: الاستراتيجية الفلسطينية ودور تركيا

شفيق الغبرا - أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، 

24 يونيو 2010

ما وقع مع سفن الحرية التي جابت البحار، بهدف فك الحصار عن قطاع غزة أعاد فلسطين إلى الواجهة وأمد القضية الفلسطينية بالطاقة على الحياة والبقاء.

إن الكارثة التي وقعت مع أسطول الحرية وأدت إلى مقتل تسعة نشطاء أتراك وجرح عدد آخر، كشف الحقيقة التي يعرفها كل من تعرض للاحتلال والاقتلاع الذي تمارسه إسرائيل.

وبينما كانت تركيا للأمس من أقرب وأهم حلفاء إسرائيل وإذا بها اليوم في قيادة التصدي لحصارها لقطاع غزة ولاحتلالها للقدس والضفة الغربية والجولان.

كما أن التحالف الذي نشأ بين عشرات المنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني العالمي مع ناشطين عرب وأتراك يمثل تحالف دولي لأجل إنصاف القضية الفلسطينية.

وقد عادت الكويت بقوة إلى صلب القضية الفلسطينية من خلال مشاركة متطوعاً ومتطوعة. ولا يمكن إغفال دور القوى الإسلامية في المنطقة العربية بصفتها قوى ديناميكية حية تصطدم مع واقع النظام العربي وتطرح قضية فلسطين وتتمسك بها من القاهرة إلى تركيا والكويت.

ما وقع في سفينة الحرية في المياه الدولية للناشطين الأتراك والعرب والعالميين أحيا الضمير وأعاد للذاكرة «النكبة عام « حينما طرد الشعب الفلسطيني من أرضه وقامت إسرائيل بحرب ، حيث وقعت القدس والضفة الغربية وغزة والجولان السورية وسيناء المصرية تحت الاحتلال الإسرائيلي. وتواصل الحدث مذكرا بالانتفاضة الأولى العام ، والانتفاضة الثانية العام ، وذكرى احتلال بيروت وحصارها العام ومجازر صبرا وشاتيلا وقانا، وحرب حزب الله العام ، وحرب حماس في غزة ، وحرب الاستنزاف المصرية الإسرائيلية بين -، واجتياح إسرائيل للضفة ولجنين ورام الله العام ، وذكر الحدث بمئات الاجتياحات والمقاومات في محيط الدول العربية وفي جنوب لبنان وفلسطين على مدى العقود.

إن ما وقع مع قافلة الحرية في عرض البحر يشير إلى اتجاه يجب أن تسلكه المقاومة الفلسطينية. فالاتجاه يشير إلى أهمية بناء التحالف الدولي المدني والتمسك بالدعم التركي والعربي، وضرورة إدخال إسرائيل في وضع تدفع من خلاله ثمناً سياسياً ومالياً واقتصادياً وإعلامياً ودولياً واستراتيجياً من جراء حصارها واحتلالها.

ما وقع أشار لأهمية المقاومة الإيجابية ذات الطابع المدني الذي يكسب الشعب الفلسطيني تعاطفاً دولياً منقطع النظير، ويساهم في عزلة إسرائيل بين اشد أنصارها في الغرب. لهذا على المقاومة الفلسطينية في هذه المرحلة أن توحد استراتيجيتها في المقاومة، وأن تسعى لمواجهة إسرائيل حيث نقطة ضعفها المركزية: الرأي العام العالمي، الدعم الأميركي، المجتمع المدني الإنساني في العالم، تحريك القوى اليهودية والإسرائيلية المناهضة للاحتلال وصولا لفرض العقوبات على إسرائيل أسوة بما حصل مع جنوب إفريقيا عندما عارضها العالم على عنصريتها وتمييزها ضد سكان البلاد الأصليين. لنتذكر أن العالم يشعر بالضجر من إسرائيل والتضامن الدولي أمر قائم، ومن أهم أسبابه التطرف الإسرائيلي.

لكن من جهة أخرى ان التعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية ممكن أن يسقط إذا وقع تطرف فلسطيني في الوسائل في هذه المرحلة. ولندلل على موقفنا لنفترض أن مجموعة فلسطينية مدربة ومسلحة نجحت في الوصول إلى شواطئ حيفا هذا الأسبوع. سينقلب الموقف، سينقلب كل شيء، سيخف الضغط على إسرائيل وسينسى المجتمع الدولي أسطول الحرية لأنه سيركز على الضحايا في إسرائيل. لهذا هناك ضرورة لاستراتيجية فلسطينية موحدة دقيقة حول مشروع المقاومة.

إن نجاح الفلسطينيين في هذه المرحلة مرتبط بالمقدرة على مزج وسائل المقاومة بدءاً من الحجر والصمود والمقاطعة وسفن الحرية، مع سعي لغطاء دولي وإقليمي بل وإحداث انشقاق إسرائيلي يهدف إلى انتزاع حق الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.

من جهة أخرى أكدت المواجهة حول أسطول الحرية أن الشارع العربي يريد موقفاً أكثر قوة في تعبيراته تجاه فلسطين، وذلك في إطار بحثه عن ميزان جديد. لهذا يتطلع العالم العربي إلى تركيا لتغير ميزان القوى. فتركيا التي تتزعم القوة المعارضة لإسرائيل هي حليف حتى الأمس القريب لإسرائيل و جزء أساسي من النظام الدولي والنظام العالمي والنظام الأوروبي ومنظومة الناتو. لكن تركيا اكتشفت أن الاستقرار في الشرق الأوسط الذي تنتمي إليه لن يتحقق إلا بالسلام العادل، واكتشفت أن السياسة الإسرائيلية سوف تؤدي إلى خلق فراغات أمنية وحروب وصراعات تودي بكل تقدم لتركيا. ربما ترى تركيا أنها يجب أن تقود الموقف لإنقاذ الشرق الأوسط من إسرائيل وإنقاذ إسرائيل من نفسها وتطرفها.

لقد امتدت تركيا اقتصاديا وحداثيا وتطورت قدراتها، فهي اكبر اقتصاد في الشرق يصل إلى 660 مليار دولار وتمثل قاعدة صناعية إنتاجية لا مثيل لها في الشرق. وتمتلك تركيا حكما ديمقراطيا واقتصادا حيويا وجيشا متطورا واستقلالا. وتركيا ليست كإيران تعيش وضعا عسكريا ومقاطعة أميركية، وليست دولة راديكالية كحالة فنزويلا أو كوبا، بل إنها دولة شعبها في أغلبيته مسلم وهي اقرب لان تكون دولة أوروبية في اقتصادها وانفتاحها وارتباطها بأوروبا والعالم. وتمتلك تركيا المقدرة على أن تطرح مشروعا للسلام وآخر للمقاومة وثالث للتنمية في منطقة الشرق الأوسط.

لتركيا مصلحة عضوية في تحويل قوتها لصالح ازدهار المنطقة، وهي في هذا تعيد روابط استمرت لمئات السنوات بين العالم العربي وتركيا.

إن تركيا بدأت تعي بأن شروط الاستقرار والتنمية والتجارة الحرة وحقوق الإنسان والتطور الديمقراطي في الدول العربية مرتبطة ارتباطا كبيرة بإنجاز عملية تاريخية، مفادها تحقيق الحقوق الفلسطينية في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية.

ستبقى قوة إسرائيل في عسكريتها وجيشها وسيطرتها الكبيرة على الكونغرس الأميركي وتأثيرها الكبير على السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط. إنها بالفعل قوة كبيرة عسكرية وسياسية واقتصادية. وإسرائيل في النظام الدولي دولة أوروبية، ودولة عصرية، ودولة ديمقراطية، لكنها في الممارسة دولة عنصرية، تضطهد شعباً آخر، وتسعى كل يوم لسلب أراضيه وأخذ ممتلكاته وطرد عائلاته وسجن شبانه وشاباته. في الممارسة لا علاقة بين الصورة الإسرائيلية الحقيقة وبين الصورة الإسرائيلية الوهمية. إن ردة الفعل العالمية والتظاهرات في دول العالم الإسلامي والعربي والغربي تـؤكد بأن الصورة بدأت تتغير.

وتبين ردة الفعل أيضا أن العمل السلمي في ظل التحالف الدولي والموقف الواضح بإمكانه أن يحرج إسرائيل ويهدد احتلالها، ويظهر وجه إسرائيلي طالما تجاهله العالم.

إن دخول تركيا على الخط الساخن بأسلوبها الجديد الفعال يثير التفاؤل وسط الضياع العربي، لكن توحيد الاستراتيجية الفلسطينية هو شرط استراتيجي لاستكمال شروط التحرر الفلسطيني.

العدد 2849 - الخميس 24 يونيو 2010م الموافق 11 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً