العدد 2848 - الأربعاء 23 يونيو 2010م الموافق 10 رجب 1431هـ

معجون الطماطم

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سُئِلَ رئيس الوزراء العراقي (الأسبق) إبراهيم الجعفري وزعيم تيار الإصلاح، وعضو الائتلاف الوطني العراقي: هل حُقِنَت الدماء وروعِيَ الفقراء في حكومتكم؟ فردّ قائلاً «كنا ننتظر كلّ فرصة لنوزّع فيها هدايا على الشعب كمعجون الطماطم!». (راجع لقاء الجعفري مع الزميل معدّ فياض في صحيفة «الشرق الأوسط» 12 يونيو/ حزيران 2010 العدد 11519).

هذه الإجابة من الجعفري تبدو أكثر من مُستَهجَنَة. وتصيب مريديه بخيبة أمل. فحِيْن يكون التحفيز «الوطني» ومقاييس النجاح السياسي عبر التباهي بمستوى معيشي كالذي قاله الرجل «توزيع معجون الطماطم» فهو حقاً أمر مؤسف. بل ليس مؤسفاً فقط، وإنما يُعطي انطباعاً بتدنّي الأفق السياسي لجوقة غير قليلة من سياسيي العراق ما بعد الاحتلال، وبالتالي على مُجمَل الحال السياسي المُسيَّر اليوم في بلاد الرافدين منذ سبعة أعوام.

في الرابع والعشرين من أبريل/ نيسان الماضي كتبتُ عن التيار الصّدري. حينها قلت: إن إبراهيم الجعفري قد يكون الرّجل الأقدر على قيادة التيار من آخرين غير ناضجين، نظراً لقدراته الخطابية وحصافته السياسية.

اليوم يبدو أن هذا الانطباع ليس سابقاً لأوانه فقط، وإنما يجبّه واقع مُرّ يتعلّق بواقع الحال للأشخاص الحاكِمين. فالموَاقع السياسية للأفراد هي مُركَّبة ما بين واجب وطني، ومدارك نابِهَة، والأهم هو المُداراة الواقعيّة للناس. وإذا ما غَابَ ضلعٌ منها أصبح ذلك الُمركّب مضطرباً.

أن يعيش سياسيٌ عراقي في ذات القصر الذي كان يعيش فيه صدام حسين، ولا يصله أحدٌ من العراقيين إلاّ بشقّ الأنفس (هذا إن وصل فعلاً) بحجّة الدّواعي الأمنية ثم يقول إنه كان معارضاً لنظام أساء استغلال السلطة والمال العام، وهو اليوم يتصدّق على شعبه بـ «معجون الطماطم» فهو فعلاً استخفاف بالناس وبمشاعرهم.

لم يقُل أحد إن على السياسيين العراقيين أن يناموا على أرصفة الشّوارع فيكونوا هدفاً للإرهابيين لكي يُقال عنهم إنهم متواضعون ومُخلصون وأصحاب مُداراة، لكن الحال يقتضي أن يتخفّفوا ما أمكن من أيّ امتيازات «سُكْنَى» أو «معيشة» تُمايزهم بشكل فاحش عن حياة الناس، وإلاّ أصبحوا أبناء ذواتٍ وبرجوازيين.

كيف يُمكن أن يزيد راتب تقاعدي لأحد السياسيين العراقيين (الجعفري مثالاً) عن أفضل راتب لمواطن عراقي «فاعل ومن الدرجة الأولى» بخمسة وعشرين ضعفاً ثم نأتي لنقول إننا «جزء من الشّعب»! وكيف يُمكن أن أجعل مُقدّرات البلد تحت تصرّفي، وأنفق على أسرتي ومستقبلها وتعليمها ورفاهها من المال العام بحجّة استحقاقي القانوني والتنفيذي، ثم نأتي ونقول: إن مستقبل المواطن ومعيشته هي أساس كلّ شيء. إنه خداع وتضليل يتمثّل في أبشع صوره على أيدي هؤلاء.

كان حريَّاً بالجعفري أن يقول: إن حكومته «المُبَشَّر» بها الآن، لو عادت لتابعت موضوع الـ 630 مذكرة اعتقال الصادرة ضد مسئولين عراقيين متورّطين في قضايا اختلاس مالي في بحر عام واحد فقط. وإنه لو عاد رئيساً للوزراء فإنه سيُعيد فتح 135 قضية فساد أغلِقَت ملفاتها بسعي من مسئولين متنفذين. وإنه لو عاد فإنه سيباشر 1552 قضية فساد تمّ التراخي فيها.

وإنه لو عاد فإنه سيَخرج من قصر صدام الذي يسكنه الآن، والذي كان بناؤه (أيام البعث) غذاءً إعلامياً دسماً للمعارضة العراقية المناوئة لحكم صدام حسين طيلة ثلاثين سنة. وكان حريّاً بالجعفري أن يقول: إنه إذا ما عاد إلى الحُكم فإنّه سيوفّر المياه لسبعة ملايين ونصف مليون عراقي لا يجدون مياهاً نظيفة للشرب. أما الحديث عن صغائر الأمور فهو ما لا يريده أيّ عراقي تأمّل في أن يُصبح حاله أفضل من السابق.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2848 - الأربعاء 23 يونيو 2010م الموافق 10 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 12:47 م

      سؤال

      "وإنه لو عاد فإنه سيَخرج من قصر صدام الذي يسكنه الآن، والذي كان بناؤه (أيام البعث) غذاءً إعلامياً دسماً للمعارضة العراقية المناوئة لحكم صدام حسين طيلة ثلاثين سنة".
      هل الكاتب يحب صدام ؟ أين تريده أن يسكن؟ هل تريده أن يقتل على المقاومة العراقية البطلة؟ هل لديك ميول صدامية؟ هل كنت قادرا على كتابة حرف واحد عن صدام قبل 2003 ؟ هل كانت الصحيفة ستوافق؟ هل كانت ستغلق ؟ هلا غلقت هذا الموضوع لأن بلدك هو الآخر يضج من ملفات الفساد .

    • زائر 3 | 4:36 ص

      انشاء الله

      تكتب عن البحرين بأقل من هذه الحدة بخمسة وعشرين مرة.

    • زائر 2 | 3:15 ص

      الجعفري

      لا اتصور ان الجعفري سيعود الى رئاسة الوزراء في العراق فهو غير مقبول لدى العديد من القوى السياسية هناك

    • زائر 1 | 11:55 م

      كل من حكم ما رحم

      كل من حكم ما رحم يا حبيبي . نظرية عجايز لكن في الصميم

اقرأ ايضاً