العدد 2847 - الثلثاء 22 يونيو 2010م الموافق 09 رجب 1431هـ

مونديال مانديلا

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إن أجمل ما في دورة كأس العالم لكرة القدم 2010 أنها أقيمت في جنوب إفريقيا... والأجمل أنها ارتبطت باسم نيلسون مانديلا.

ولم يكن صدفةً أن تكون جنوب إفريقيا أول بلد إفريقي ينظّم المونديال، بل هناك من يذهب إلى أن من أسبابها تقدير هذا البلد الخارج من محنة العنصرية إلى فضاء الحرية الإنسانية حيث الهواء النقي، بالإضافة إلى أنه بلد مانديلا... ومن حسن حظي أن أنهي قراءة مذكراته أيام المونديال.

ولد في 18 يوليو/ تموز 1918، وسمّاه أبوه «روليهلاهلا»، وتعني بلغة قبيلته (الهوسا): «مقتلع غصن الشجرة»، ولها معنى عامي «مسبّب المتاعب»، ولم يدرِ أبوه أن القدر سيدّخر هذا الغلام لاقتلاع نظام عنصري بغيض، يميّز بين بني البشر بسبب ألوانهم، ويفرض عليهم العيش في غيتوات ومدن مغلقة، بعضها للبيض الأوروبيين، وبعضها للملونين والهنود، وبعضها للأفارقة السود. ويعلق على المعنى الثاني بقوله: «لم يكن في علم الأب أنه سيكون مطابقاً لمسيرة صاحبه الحافلة بمتاعب تنوء بها الجبال الرواسي، ما جعل أهله يربطون بين اسمه وما تعرض له من مصاعب وأهوال».

عاش في قرية صغيرة، ترقد على نهر مبيشي، لا صلة لها بالعالم الخارجي وما يجري فيه من أحداث جسام نهاية الحرب العالمية الأولى، في وقت شارك فيه وفد من «المؤتمر الوطني الإفريقي» في محادثات فرساي للسلام. كانت الشعوب المستضعفة أرسلت وفودها للمؤتمر، للمطالبة باستقلالها، ولكنها لم تدرِ أنها حضرت على موائد اللئام. فالدول الأوروبية التي تقاتلت أربع سنوات من أجل أطماعها الاستعمارية، لم تكن لتسلّم المستعمرات الجديدة لسكانها الأصليين.

أبوه زعيم أسرة محلية، تضعضعت منزلتها مع اشتداد قبضة البيض على السلطة، فألحقه بأسرة زعيم قبلي في صباه، ليكون في كبره مستشاراً لابن الزعيم المرشّح لوراثة أبيه ملك «الثيمبو» في الترانسكاي. وتعلّم في شبابه الحقوق، وبعدما تخرّج أسّس مع زميله مكتباً للمحاماة، وتخصّص في الدفاع عن الأفارقة الذين لم يكونوا يجدون العدل والإنصاف في القضاء القائم على التفرقة والتمييز وفق القانون.

المحاماة فتحت عينيه على حقوق الإنسان المضطهد، فالتحق بالحركة السياسية، وتدرج حتى أصبح على رأس المؤتمر الوطني الإفريقي الذي قاد النضال ضد حكم «الأبارتهايد». ودشن حركة التحدي للفت نظر العالم إلى سياسات النظام العنصري، مشدّداً على وحدة السود والهنود والأفارقة، حيث كان يلعب النظام على الخلافات بين مكوّنات الشعب. وبعد سنواتٍ من الكفاح، وجد نفسه ملاحقاً ومطلوباً للمحكمة، فعاش لأكثر من عامٍ متخفياً، مشرّداً، يموّه على حركته بالعمل سائقاً، أو عاملاً أو مشرفاً على عمّال مزرعة.

في مداهمةٍ لقوات الشرطة بفعل وشاية أحد الجواسيس، يقبض عليه ويحكم عليه بالسجن خمس سنوات. وبعد عامين تُعاد محاكمته مع العشرات من كوادر حزبه، فيُحكم بالسجن المؤبد، لينقل إلى جزيرة روبين، المعزولة وسط أمواج المحيط.

المذكّرات بث فيها مانديلا الكثير من الآهات، ومن أسوأ المشاهد المهينة التي ستعلق بالذاكرة، حين نقله في سيارةٍ للشرطة، وقيام أحد الحراس الغلاظ، بالتبوّل عليه وعلى زملائه من فتحةٍ بالسقف. فمهما كان الخلاف السياسي والكراهية، لا ينبغي أن ينحدر البشر إلى هذه الدرجة من الانحطاط الذي تترفع عنها الحيوانات.

دخل السجن وعمره أربعة وأربعون عاماً، وخرج منه وهو في الحادية والسبعين، ليُنتخَب رئيساً في أول انتخابات حرة، ويحقّق حلمه في جنوب إفريقيا ديمقراطية غير عنصرية. لو أراد لنصّبه الشعب حاكماً حتى نهاية عمره، لكنه تقاعد بعد خمس سنوات، كانت كافية للبقاء على العرش، بعد أن بنى له عرشاً آخر أكثر خلوداً، ليس من الذهب والزمرد والياقوت، وإنّما من حبّات القلوب، حبّاً حقيقياً وتقديراً لرمز نضالي كبير، تجمع عليه شعوب الأرض في القارات الست.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2847 - الثلثاء 22 يونيو 2010م الموافق 09 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 10:59 ص

      .....

      صدقت والله، لقد بنى له عرشاً آخر في قلوب الملايين في مشارق الأأرض ومغاربها. وهو يستحق ذلك لأنه فعلا رمز نضالي شامخ، تجمع على حبه كل شعوب الأرض في جميع القارات .

    • زائر 6 | 10:39 ص

      تمييز طائفي عنصري

      هناك أيضاً أنظمة أخرى تميز بني الناس بين قبائلهم أو طوائفهم أو معتقداتهم الدينية وتدعي الاسلام.

    • زائر 5 | 10:34 ص

      للزاغر 4

      يا ضنايا.. كسرت خاطري.. ما بعرف ألعب بلاي ستيشن اليوم !

    • زائر 4 | 4:01 ص

      ابو الحسن

      ياسيدنا العزيز كم تناولتنا في هذا البلد العزيز من مخالب الشر والعدوان وبدون انسانية بايدي ناس لايعرفون الا البطن وما اسفل منه وكما قالت السبط ماتسوي الربوطة الا من المهدوده،والحبل على الجرار ،السكن ،التعليم ،الصحة،الأمن،العمل،البيوت الآيلة للسقوط حدث ولا حرج (هذا في الصحف اليومية وليس من جيبنا)الإختطاف،الأموال التي تهرب،الشركات الوهمية اوه وووووووووووووووويشتعد ويش تحصي،ساحل؟اراضي؟بر بحر زرع ضرع؟؟؟!!!؟؟؟!!.

    • زائر 3 | 1:07 ص

      نلسون مانديلا

      لو كان عربياً ... لكان لحد الان ملتصقاً بكرسي الرئاسة

    • زائر 2 | 12:22 ص

      الى متى

      وسط كل هذه المعاني العظيمة وأجواء العدالة والانجازات علينا أن نجري المقارنات لنستخلص العبر ونتأمل حالنا المتعثر بين أمواج بشرية أتت من أعالي البحار وعبر البراري لتقتنص الفرص وتحوز على جنسية أهل البلد بأرخص ثمن وفي اكبر عملية توطين لخلط الأوراق والعبث بمقدرات الشعوب

    • زائر 1 | 12:20 ص

      المتكبر لا يدرك الأنسانيه

      الذين يقتلون الناس معنوياً و مادياً و جسدياً و يستضعفونهم التبول على الأنسان يعتبرونها من الأمور الحسنه و البسيطه و قد يعتبرونها رحمة و احسان.

اقرأ ايضاً