من الصعب جداً، أن نضع وجه مقارنة دقيقة من جميع النواحي بين الخليجيين، حيث يتعذر أن نقارن أنفسنا بمدى الوعي والاهتمام البيئي وحيازة التكنولوجيا مع دولهم المتطورة علمياً وتقنياً، ولكن باستطاعتنا أن نستقي بعض الأخبار ونعمل مقاربة بين الحالتين.
أثارني موقف أكبر رئيس شركة نفط عملاقة وهي شركة بريتش بتروليوم (BP) حين اعتذر لشعب أميركا وفتح صندوق تعويضات تقدر بنحو 100 مليار دولار، دفع منها 20 ملياراً كمقدم تعويضات لضحايا البقعة النفطية الآخذة في الانتشار في معظم سواحل أميركا.
كما هو معروف بأن هذا التعويض لم يدفع بسهولة أو بالمحاباة أو بالمصالح، وإنما قد تم دفعه بعد تكريس الجهود والضغوط وبعد أن انتفض الشعب كله وممثلوه والناشطون البيئيون والكونغرس الأميركي ومؤسسات المجتمع المدني حتى طالت الضغوط الرئيس الأميركي أوباما، ووجهت له انتقادات حادة ولاذعة، ما دفعه أن يضغط ويطالب بالتعويضات الضرورية والمناسبة بعد اجتماعه برئيس الشركة كارل هنريك سفانبرغ المتسببة بالكارثة البيئية والذي أعلن فيه بأنه انتزع منه 20 ملياراً كبداية ووعد الشعب الأميركي (سكان خليج المكسيك) بتعويضات إضافية قادمة، بعد أن تم الاتفاق على وضع صندوق تعويضات يقدر بنحو 100 مليار دولار.
من جهة ثانية، وفي هذه الأثناء يخطط ناشطون بيئيون ومسئولون أميركيون من مؤسسات مختلفة وبعض أعضاء الكونغرس الأميركي لتنظيم احتجاجات عالمية ضد عملاق النفط شركة بريتيش بتروليوم - بسبب التسرب النفطي في خليج المكسيك، في أسوأ كارثة بيئية تشهدها الولايات المتحدة. في حين حذّر علماء بيئيون أميركيون من أن التأثير المدمر للتسرب النفطي الهائل في خليج المكسيك، سيمتد الى أوروبا.
ورداً على هذا الإعلان، قال أحد الصيادين الذين أغلقت مؤسسته ومصدر رزقه في منطقة فينيس بولاية لويزيانا (جنوب) منذ شهر بسبب التسرب النفطي لوكالة فرانس برس «إنها لبشرى جيدة ورائعة»، مؤكداً أن «هذا الخبر هو أفضل ما سمعت منذ بدأت هذه الكارثة وانه يمنحنا شعوراً بالارتياح والاطمئنان بالمستقبل وبالمناسبة سوف تقوم الشركة بتعويض جميع الصيادين المتضررين، وعمال شركة بريتش بتروليوم الذين توقف عملهم، والشركات المتعلقة بمهنة الصيد وكل ما يتعلق عمله بهذه الكارثة.
في المقابل نرى صيادينا قد تضررت مصالحهم وتوقف مصدر رزقهم الوحيد، وليس هناك من يدافع عنهم أو يقوم بتعويضهم وهذا يشعرهم بالغبن والإحباط واليأس.
من ناحية أخرى بدأت السلطات الأميركية ترفع من جديد، تقديراتها لحجم التلوث فأعلنت أن كمية من النفط تصل إلى ستين ألف برميل تتسرب يومياً في المحيط، بزيادة تقديرية قدرها 50 في المئة مقارنة بما تم الإعلان عنه سابقاً. وعليه يكون ما مجموعه 400 إلى 500 مليون لتر من النفط قد تسرب خلال الشهرين الماضيين من البئر النفطية، إثر انفجار منصة «ديبووتر هورايزن» التي تشغلها المجموعة البريطانية قبالة سواحل لويزيانا.
بناء على ما تقدم، نبدأ بالمقارنة ونتفهم جيداً بأن هذه الكارثة كانت غير متعمدة، على عكس ما حصل في خليجنا العربي فالكوارث كانت معظمها متعمدة، بالإضافة إلى حوادث السفن التي تحصل فيه وتنظيفها من غير محاسبة ضمن القوانين البيئية، فما هو السبب؟
الأمر هذا يقودنا إلى الحيرة والعجب مع تقديرنا إلى النسبة والتناسب بين الخليجين من ناحية المساحة والعمق، سنجد أن الخليج العربي حصل فيه أكثر مما حصل في خليج المكسيك ولا نرى أية احتجاجات من مؤسسات المجتمع المدني ولا ضغوطات برلمانية ولا تحركات شعبية ما جعل حكومات الخليج في ارتياح تام من شعب لا يزعج وبرلمانات لا تنتقد ومؤسسات مجتمع لا تطالب وكأن على رؤوسهم الطير، مما آل إلى عدم التعويض عن الخسائر التي لحقت بالخليج، حتى أن معظم الصيادين قد خسروا مصادر رزقهم ومصالحهم وتضررت البيئة البحرية طبقاً للدراسات التي عملت على الخليج العربي في نسبة مدى تلوث شواطئنا بمشتقات النفط.
أما في بلدنا فنرى العجب العجاب، فبيئتنا البحرية قد ماتت ما دفع ببعض الصيادين للذهاب الى خارج المياه الإقليمية بحثاً عن الرزق، والأسباب معروفة، وتعبنا ونحن ننتقد كل الذي يجري عليها من دفان واستيلاء للشواطئ من قبل متعمدين وغير مهتمين بقوانين البيئة البحرية وغيرها. ولم نقم بمطالبة أي جهة حكومية بتعويضات جراء هذا العمل.
فحينما نرى ما حدث ويحدث من دفان وتدمير للبيئة البحرية واستنزافها، واستحواذ على الأراضي من غير وجه حق، نرى الصيادين قد خسروا وتضرروا وفقدوا مصادر رزقهم ولقمة عيش أبنائهم، ولم نر من يدافع عنهم بالتعويض أو يقوم بمعالجة مشاكلهم الاقتصادية بالحصول على عمل آخر.
فلو رجعنا إلى صلب الموضوع وعملنا وجه مقارنة سنجد أن الخليج العربي، الذي تبلغ مساحته نحو 233,100 كم²، ويتراوح عرضه بين حد أقصى نحو 370 كم إلى حد أدنى 55 كم في مضيق هرمز، ولا يتجاوز عمقه 90 متراً إلا في بعض الأماكن، أكثر تضرراً، بسبب أنه أكثر عرضة للتلوث النفطي كون أغلب صادرات النفط بالعالم تنقل من خلاله عبر الموانئ النفطية الموجودة على ضفافه، إذ إن أغلب البلدان التي تطل على سواحل الخليج العربي هي مصدرة للنفط إضافة إلى ذلك فإنه يضم حقول نفطية وغازية. بينما خليج المكسيك - لسنا بصدد تسهيل حجم الكارثة البيئية لأنها حقاً مأساة بيئية ضخمة - لسانٌ منحنٍ كبير من المحيط الأطلسي. ويكاد يكون هذا الخليج محاطاً بالولايات المتحدة والمكسيك. ويكوِّن هذا الخليج حوضاً ضخماً من مياه المحيط ويغطى ما يقارب 1,800,000كم². وطوله يبلغ نحو 1,300 كم (من الشمال إلى الجنوب) وعرضه نحو 1,770 كم.
ويبلغ طول ساحل خليج المكسيك نحو 4,800 كم. ولهذا الخليج مئات البحيرات الضَّحلة والعديد من المستنقعات المالحة التي تحدها الحواجز الرملية. وعلى الساحل قليل من المرافئ الجيدة. وأفضل موانئ الخليج هي فيراكروز ومكسيكو وكالفستن (تكساس) وموبايل (ألباما) وبنْساكولا وتامبا (فلوريدا) بالولايات المتحدة الأميركية، وهافانا بكوبا. وتبلغ مياه الخليج أقصى عمق لها (3,850 م مقارنة مع عمق الخليج العربي 90 م) بالقرب من ساحل المكسيك. وأقصى عمق للخليج في الأماكن الأخرى هو نحو 3,000 م. لكن قناة يوكاتان ومضايق فلوريدا لا تصل إلى هذا العمق، وتؤكد بعض المعلومات بأن البئر المنفجر يقع في عمق أكثر من 1,500 م، فالفارق كبير جداً، ومن البديهي بأن كل ما زادت المساحة والعمق للخليج كل ما قل الضرر حسب نظرية النسبة والتناسب.
من المستغرب أيضاً، عندما حصلت كارثة بيئية بالخليج العربي هبت الشركات الأجنبية والخبراء البيئيون الأجانب لنجدة وتنظيف الخليج وإغلاق الملف نهائياً - من غير رفع دعاوى من الحكومات ضد من تسبب في هذه المأساة، ولا من الشعوب الخليجية أو ممثليهم، كما أنه ليس هناك عدالة في تقسيم التعويضات بين الدول وتعويض المتضررين، بعد حرب الخليج الأولى في الكويت, عندما قامت قوات صدام حسين بحرق آبار النفط، والعرب لم يحركوا ساكناً كأن لم تكن لديهم مشكلة. وقد تم إغلاق القضية وأصبح حدثاً عابراً، ولم تحدث كارثة بيئية بالخليج العربي. فما هو السبب يا ترى؟
إقرأ أيضا لـ " أحمد العنيسي"العدد 2847 - الثلثاء 22 يونيو 2010م الموافق 09 رجب 1431هـ
الجهل هو السبب
سنجد أن الخليج العربي حصل فيه أكثر مما حصل في خليج المكسيك ولا نرى أية احتجاجات من مؤسسات المجتمع المدني ولا ضغوطات برلمانية ولا تحركات شعبية ما جعل حكومات الخليج في ارتياح تام من شعب لا يزعج وبرلمانات لا تنتقد ومؤسسات مجتمع لا تطالب وكأن على رؤوسهم الطير، مما آل إلى عدم التعويض عن الخسائر التي لحقت بالخليج، فالسؤال هنا ، لماذا لم نعوض ؟ وماذ يفسر عدم مطالبتنا بالتعويض؟
شكرا دكتور عنيسي
اصبت الحقيقة بأن التعويض غير عادل ويجب تعويض البحارة المتضررين من الردم والدفان وتخريب البيئة البحرية .
صح لسانك دكتور
صحيح تصعب المقارنة بين الخليجين ونتفق بأن الخليج العربي تعرض لكوارث بيئية عديدة منها الحروب وحوادث السفن فهو الاولى بالاهتمام والتنظيف