وقع بين يدي، مصادفة، كتاب صادر عن إدارة المناهج في وزارة التربية والتعليم البحرينية، مقرر على المدارس الثانوية، يحمل عنوان «المشروعات الصغيرة»، وشارك في تأليفه خمسة من الأساتذة المتخصصين في مناهج تعليم مختلفة، وصدرت الطبعة الأولى منه في العام 2007. لم يحمل الكتاب الرقم الدولي المعياري (ISBN)، ولا أجزم إن كان العنوان الفرعي (إدر 311 – مشر 311/351) يغني عن ذلك.
تتوزع محتويات الكتاب على خمس وحدات هي: المشروعات الصغيرة، المهارات الإدارية والقيادية، مصادر التمويل، دراسة الجدوى الاقتصادية، وأخيراً الحالات التطبيقية. كل واحدة من تلك الوحدات تستحق التوقف عندها ومعالجة محتوياتها، لكن عوضاً عن ذلك سنكتفي بالإشارة إلى ثلاث قضايا مركزية، نعتقد أنها كفيلة بإبراز الأهمية التي يتميز بها هذا الكتاب.
الأولى، هي موافقة وزارة التربية على إدراج ذلك ضمن مواد المرحلة الثانوية، ففي ذلك خروج إيجابي على ما هو تقليدي في البرامج، إذ يسلط الكتاب الضوء على ظاهرة جديدة، لاتزال تثير الكثير من الجدل حولها وهي «المشروعات الصغيرة». هذا الجدل يصل إلى مستوى الاختلاف على تعريف المشروعات الصغيرة ذاتها، حيث يقيسها البعض بناء على دخلها السنوي، فيما يضع البعض الآخر عدد موظفيها كعامل أساسي في ذلك التعريف. تبرز أهمية هذه الموافقة في كونها تضع الطالب البحريني أمام قضايا معاصرة بحاجة إلى تفكير إبداعي قادر على فهمها أولاً، والتعامل مع ما تجسده من ظواهر على أرض الواقع ثانياً، وإمكانية الاستفادة منها في الحياة العملية ثالثاً. ولربما شجع هذا الكتاب مبادرات أخرى تتحدث عن موضوعات معاصرة لاتزال بحاجة إلى إدراجها ضمن مقررات المرحلة الثانوية، مثل مصارف الإنترنت، ومنصات التجارة الإلكترونية.
الثانية، هي المنهج الإبداعي الذي تناول فيه المؤلفون موضوعات «المشروعات الصغيرة»، حيث نجحوا، بشكل ملموس على امتداد صفحات الكتاب التي تربو على 140 صفحة من القطع الكبير، في المزج بين ما هو تقليدي، وما هو معاصر. هذه النكهة الإبداعية المعاصرة التي لم تضحي بما هو تقليدي وضروري، من أجل إبراز أهمية وجدوى ما هو معاصر، نجدها تلازم القارئ وهو يبحر بين صفحات الكتاب. هذا على المستوى العام الشمولي، أما على المستوى الخاص المتعلق بكل وحدة على حدة، فنلمس هذا النفس الإبداعي في تفاصيل مواد الكتاب، حيث يستهل المؤلفون كل وحدة من تلك الوحدات بمقدمة غنية تحدد الأهداف التعليمية لكل منها، وتميز أهمية المشروعات الصغيرة في موضوعات تلك الوحدة المعنية. ولا يمكننا هنا تجاوز الوحدة الثالثة التي تعالج مسألة «مصادر التمويل»، وهي أكبر مشكلة يمكن أن تواجه أي مشروع من «المشروعات الصغيرة». ولابد من التأكيد هنا على التقسيم المبدع لمواد كل وحدة، الذي جاء بشكل نقاط محددة، تحاشت بشكل واضح ومميز الإسهاب التطويلي الذي من المتوقع أن يضجر الطالب، ويشتت أفكاره التي هو بحاجة إلى تركيزها عند مراجعة المادة المقررة.
في هذه الوحدة يهيأ القارئ كي يصبح متملكاً لآليات الوصول إلى مصادر التمويل، وكيفية التعامل مع المؤسسات الممولة (بكسر الواو)، مع لفتة خاصة إلى مصادر «التمويل الشخصي والعائلي»، التي يرى الكتاب أنها تعتمد «بالدرجة الأولى على المدخرات الشخصية للفرد الراغب في تكوين المشروع، حيث يستطيع الفرد توفير مبالغ يمكن أن يستغلها في تكوين مشروع فردي صغير». ومن يراجع تاريخ العديد من الشركات التي أصبحت اليوم في الفئة المتعملقة، سيكتشف، أن بدايتها، وعندما كان حجمها صغيراً، اعتمدت على هذا الشكل من التمويل.
إشارة أخرى تستحق المطالعة هنا، هو الباب الذي يتناول «إدارة الموارد المالية والمحاسبية للمشروع»، وتحذير الكتاب من أن «أغلب المشروعات تفشل بسبب سوء الإدارة المالية والمحاسبية للمشروع، مهما كان حجم المشروع صغيراً أو كبيراً فهو يحتاج إلى شخص (مدير) ملم بالعمليات المالية...»، وهنا يزود الكتاب قارئه بالكثير من النصائح التي من شأنها أن تقلص نسبة الأخطاء الناجمة عن عدم الإلمام بمتطلبات الإجراءات المالية والمحاسبية. ومرة أخرى هنا سيجد القارئ أن أحد أسباب فشل بعض مؤسسات الأسواق الناشئة مثل الصين والهند يعود إلى امتلاك مؤسسيها المستوى المطلوب في إدارة أصول تلك المشروعات مهما كانت صغيرة، والعكس صحيح أيضاً عند الحديث عن نجاح الأخرى التي وقفت الإدارة المالية الصحيحة، والنموذج التجاري الملائم وراء ذلك النجاح.
الثالثة، هي التركيز على النموذج البحريني والعرض التفصيلي المبسط لدراسة «النموذج البحريني لتدريب رواد الأعمال وتنميتهم»، والذي تم رسم معالمه عبر أربع مراحل هي:
«1 - تدريب القدرات وتنميتها.
2 - خدمات المشورة والربط التكنولوجي.
3 - الربط المالي.
4 - الاحتضان والرعاية»، والرابعة من تلك المراحل هي الأكثر أهمية، ومن ثم تأثيراً في نجاح المشروع الصغير أو فشله، حيث تتم عملية الاحتضان، كما ورد في الكتاب، «من خلال برنامج تدريب رواد الأعمال وتنميتهم وإنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حيث يتم البدء في التنفيذ وبدء عمليات الإنتاج في الحيز المكاني أو الوحدة التي يتم الحصول عليها في حاضنة مركز البحرين لتنمية الصناعات الناشئة التي أنشئت في الحد في العام 2003».
تنتهي الوحدة الخامسة من الكتاب بتحديد دقيق لـ «خطة العمل»، بما يشمل متطلباتها الأساسية، ومحتواها وبعض القسائم النموذجية التي تساعد من يريد أن ينخرط في إطلاق مشروع صغير على تنظيم عمله.
هذا الكتاب يمكن أن ينظر له على أنه خطوة صغيرة لكنها جريئة عند الحديث عن البرامج التعليمية، التي أصبحت اليوم مزيجاً من المواد النظرية الممزوجة ببعض التدريبات العملية التي تغني تلك المواد وتساعد من يقرؤها على الخلط الخلاق المبدع بين الخلفية العلمية النظرية والممارسة العملية التطبيقية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2846 - الإثنين 21 يونيو 2010م الموافق 08 رجب 1431هـ
اين المهتمين بادارة المشروعات
يبدو ان ادارة المشروعات ليست من المواضيع ذات الاهمية عند المختصين والبحاث العرب بقدر اهتمامتهم بالموضة والافلام والاغاني او بعالم الرياضة الي متى سنبقى نعطي اولويات الي الامور الكمالية وننسى الامور الرئيسية؟ نأمل الافاقة من النوم والتوجه الي علم الادارة والي تخطيط مستقبلنا حتى يمكننا مواكبة تطورات العصر والا سبقى في مكانك راوح او الي الخلف.
والله الموفق
طلب كتاب دراسي لمادة المشروعات الصغيرة
اطلب كتاب دراسي وذلك لغرض تدريس مادة المشروعات الصغيرة يتناول جميع ما يتعلق بالمشروع الصغير من تعاريف ودراسات المشروع المختلفة وغيرها نأمل المساعدة ممن يملكون اى نوع من هذه الكتب علماً بأن المكتبات العربية فقيرة لمثل هذه الكتب والموضوع يحتاج منا الي وقفة جمعية لان لا تقوم ولا تزدهر المشروعات الكبيرة بدون ازدهار المشروعات الصغيرة.
وفقكم الله
مزيد من هذه الكتب يا إدارة المناهج
نرجو من إدارة المناهج ان تخرج لنا مزيدا من هذه الكتب التي تنمي مهارات مهمة لتكوين شخصية قادرة على البحث والتحليل والاباع
شكر جزيل لكل من ساهم في عمل الكتاب وجاز الله الكاتب ألف خير على لفته الجميلة
صادق الفردان
كتاب من أروع ما يمكن، ويختلف كثيراً عن الكتب التي تعتمد الحشوى وتسفيه علم الإقتصاد والمال بالمواضيع الباهته التي لا لون لها ولا طعم. وإذ أحيي المؤلفين الأفاضل وبالخصوص أستاذ الكبير إبراهيم الماجد والأخ المبدع حميد السعيد وآخرين، والذين حورب كتابهم ووصف بأبشع الأوصاف وكاد يرمى في الأدراج، كما حدث بكتاب الإقتصاد للأخ حميد السعيد الأكثر من رائع ويفوق بأشواط ما يدرس حالياً في مدارسنا.
أي.. بعد البهدلة، لكل مجتهد نصيب :)