العدد 2845 - الأحد 20 يونيو 2010م الموافق 07 رجب 1431هـ

أيها المعلمون... والطلبة: لقد حان وقت كسر الحواجز

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

إنها لمقولة صادقة ومعبِّرة «آفة البشر أنهم يفقدون تدريجيّاً الإحساس بقيمة الأشياء إذا اعتادوا رؤيتها كل يوم، والرؤية تكون أوضح وأجمل دائماً عن بُعد، أما الاقتراب الشديد فيطمس أحياناً بعض معالم الصورة التي لا تُرى بوضوح إلا من مسافة معقولة، تماماً كما نفعل حين نشاهد لوحة جميلة معلقة على الحائط فنرجع إلى الخلف بضع خطوات لنستوعب تفاصيلها وصورتها الشاملة» عبدالوهاب مطاوع.

أثبتت الدراسات السيكولوجية والتربوية أن علاقة الطالب بالمعلم في المؤسسة التعليمية يشوبها نوع من الرتابة والملل والفتور، وذلك لأنه مقدَّر لكل منهما أن يرى الآخر ـ رأي العين ـ بشكل يومي، بدءاً من الطابور الصباحي ومروراً بالحصص الدراسية وفترة الاستراحة أثناء الفسحة وغير ذلك من المواقف التعليمية.

وبما أن المشهد التعليمي بالنسبة إلى أي مراقب من الخارج، أشبه ما يكون كما عبر عنه فرويد نبرجر بـ «الاحتراق النفسي Burnout»، والذي يعد أحد المفاهيم الحديثة ذات العلاقة بالاستجابات الجسمية والانفعالية لضغوط العمل لدى العاملين في المهن ذات الطابع الإنساني كالمعلمين، فإنه ينظر البعض إلى الاحتراق النفسي أنه يولِّد شعوراً عامّاً بالإنهاك والملل لدى المعلمين المتميِّزين الذين يبذلون جهوداً كبيرة في هذه الفترة الحرجة من مسيرة إصلاح التعليم في مملكة البحرين، من خلال العمل على توسيع دائرة تفعيل مفردات مبادرة مشروع «تحسين أداء المدارس»، وما يصاحب ذلك من تحديات ومعوقات قد تفرض نمطاً كلاسيكيّاً للحد من التطوير أو التجديد بشكل عام.

منذ فترة طويلة وهذا السؤال مطروح: لماذا يعشق الطلبة مادة التربية الرياضية؟ هل لأنها لا تحتاج إلى المذاكرة فقط؟ أم لأن نصيب المادة من الجدول الدراسي بمعدل حصتين في الأسبوع؟ وبالتالي فإن دخول أي معلم آخر غير معلم التربية الرياضية إلى الفصل لا يمكن أن يشكل عنصر تشويق وجذب بالنسبة إلى الطالب، نظراً إلى تعودهم على رؤيته، هذا فضلاً عن أن معلم التربية الرياضية يحظى بشعبية منقطعة النظير عن سائر المعلمين.

نعم، ثمة مواد دراسية ينظر إليها الطلبة على أنها جافة أو معقدة بحكم طبيعتها، وهنا يتطلب من القيادات التربوية وضع خطة عمل بديلة لمخاطبة الطلاب على قدر عقولهم بواقعية وبلغة رقمية وعلمية، وللاستدلال على ذلك دعونا نتأمل في قصة المعلم الذي كان يلقي الدرس على الطلاب، وكان هذا الدرس قبيل الاختبارات النهائية بأسابيع قليلة! وأثناء إلقاء الدرس قاطعه أحد الطلاب قائلاً: يا أستاذ ... اللغة الإنجليزية صعبة جدّاً! وما كاد هذا الطالب أن يتم حديثه حتى تكلم جميع الطلاب بالكلام نفسه، وأصبحوا كأنهم حزب معارضة! فهذا يتكلم هناك وهذا يصرخ وهذا يحاول إضاعة الوقت وهكذا، حينها سكت المعلم قليلاً ثم قال: حسناً، لا درس اليوم! وسأستبدل الدرس بلُعبة! فرح الطلاب، وبدأ المعلم برسم زجاجة ذات عنق ضيِّق على السبورة، ورسم بداخلها دجاجة، ثم قال: من يستطيع أن يخرج هذه الدجاجة من الزجاجة؟ ولكن بشرط ألا يكسر الزجاجة ولا يقتل الدجاجة! فبدأت محاولات الطلبة التي باءت بالفشل جميعها، فصرخ أحد الطلبة من آخر الفصل يائساً: يا أستاذ لا تخرج هذه الدجاجة إلا بكسر الزجاجة أو قتل الدجاجة، فقال المعلم: لا تستطيع خرق الشروط، فقال الطالب متهكِّماً: إذن يا أستاذ، قل لمن وضعها بداخل تلك الزجاجة أن يخرجها كما أدخلها. ضحك الطلبة، ولكن لم تدم ضحكتهم طويلاً، فقد قطعها صوت المعلم وهو يقول: صحيح... صحيح، هذه هي الإجابة! مَن وضع الدجاجة في الزجاجة هو وحده من يستطيع إخراجها، كذلك أنتم! وضعتم مفهوماً في عقولكم بأن اللغة الانجليزية صعبة، فمهما شرحت لكم وحاولت تبسيطه فلن أفلح، إلا إذا أخرجتم هذا المفهوم بأنفسكم من دون مساعدة، كما وضعتموه بأنفسكم من دون مساعدة. وفي المقابل على المعلم أن يوجِّه الطلبة إلى استخدام التعلم بـ «الإيحاء»، بأن يردِّد المتعلم يوميّاً جملة تحمل مدلولاً إيجابياً تجاه تلك المادة الصعبة، لكي يكون هناك دافع من الداخل بأنه قادر على فهم اللغة الإنجليزية مثلاً.

مؤخراً ـ وتحديداً ـ في الاجتماع الثالث لرؤساء وقادة مشاريع تحسين أداء المدارس، تمّت مناقشة مستجدات برنامج تحسين أداء المدارس خلال العالم الدراسي الجاري 2010/2009م، والجديد فيما تمَّ طرحه هو آلية تشكيل فريق عمل متخصص لوضع دليل موحد لبرنامج تحسين أداء المدارس، بحيث يكون أداة رئيسية فعالة لتوحيد جميع مشاريع التحسين تحت مظلة واحدة، ويكون مرجعاً عمليّاً في متناول أيدي جميع التربويين في الميدان ليسهل تنفيذ توجهات البرنامج (بحسب ما ورد في الاجتماع)، ونحن نرى أن هذا الدليل الموحد من شأنه أن يكون أهم من دليل المعلم في تدريس المادة، ولكن بشرط أن يُؤخذ برأي المعنيين بالعملية التربوية بالدرجة الأولى وهم «المعلمون».

لقد استطاعت الدول التي نحاول مقاربة تجربتها في مجال تطوير التعليم مثل سنغافورة أن توفر مناخات جاذبة للتعلم، من خلال نخل المواد الدراسية من الحشو والزيادة، والتخفيف من أعباء المعلم التدريسية، لإتاحة فرصة أكبر لممارسة الأنشطة الصفية التفاعلية، وتنمية مهارات التفكير وقدرات التواصل الفعال والعمل الجماعي، من خلال ما يقدم من مناهج وأنشطة صفية ولا صفية.

كما لا يمكن لأحد أن يقلل من مستوى النجاح الذي حققته سنغافورة في مجال التعليم، ولكن لماذا لم نقف بعد على أبرز التحديات أو المعوقات التي مرت بها تجربة سنغافورة حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن؟!

إن أرقى صور التعلم يكون في «الانتقال من لحظة التحدث إلى المتعلمين، إلى لحظة التحدث معهم»، ليعيش المتعلمون حالة من الانتظار والترقُّب لدخول المعلم الفصل الدراسي، وهو أمر يجب التركيز عليه لإحداث أي تعلم حقيقي في المستقبل، فهل يأتي ذلك اليوم الذي ينتظر فيه الطالبُ بلهفة شديدة المعلم وهو يدخل الفصل، كما ينتظر بعشق وطول تحمل وصول شخص عزيز عليه من السفر في جناح « القادمون « في المطار؟.

تلك هي القصة...!

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 2845 - الأحد 20 يونيو 2010م الموافق 07 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • الصريحه | 3:35 م

      مهنة التدريس من أصعب المهن على الاطلاق

      أعرف مدرسة مسكينه كانت متحمسة جدا لمهنة التدريس فقد كانت تقول بأنها مهنة الأنبياء وهي أشرف المهن وووووووووو وخلال عملها في التدريس انعدم نشاطها الاجتماعي إلى ماتحت الصفر ومتاعبها مع الطالبات المشاغبات جعلها على وشك الانهيار لاسيما وإدارة المدرسة لم تكن بجانبها كماينبغي الأمر الذي أدى إلى استقالتها من سلك التدريس وني نفس العام استقالت ثلاث مدرسات من نفس المدرسة
      كان الله في عون المدرسين والمدرسات

    • زائر 2 | 3:27 ص

      أسباب تدني مستوى التعليم في مدارسنا هي ...

      لعل من أهم أسباب تدني مستوى التعليم في مدارسنا الرسمية كما تشير هيئة ضمان الجودة النظرة الدونية للمعلم من قبل مسؤولي الوزارة , المعلم يجهد نفسه ويتعب داخل غرفة الصف ويطور نفسه والترقيات والحوافز للعاملين في الوزارة وبنظرة صادقة تجد سرعة الترقيات للعاملين في الوزارة واعني ديوان الوزارة لا امتحانات ولا غيرها وانظر الى أعمارهم الوظيفية والترقيات التي حصلوا عليها والادهي والامر جميعهم من طيف واحد , دول الجوار سبقتنا لانها تنظر الى الكفاءة لا غير .

    • common sence | 3:13 ص

      ما هو منطقي وعقلاني

      اتصل الظهر قبل الصبح ام العكس؟
      أيهما أول وصف الدواء ام تشخيص المرض ومعرفة المشكلة؟
      تحسين ماذا يقصد به.
      فمشاريع التحسين تبقى مشاريع قد تعالج بعض الجوانب وقد لا. ما المشكلة التي يعاني منها التعليم في مختلف مؤسساته والأجهزة المتعدد التي تعمل في هذا النظام لهو السؤال؟
      فتطالعنا الكثير من المفردات مثل إصلاح، تطوير، تحديث . . الخ فرغم التسارع في المتغيرات من حولنا هناك بطئ او عدم تقدم فالمشكلة باقية.

    • سترة نور العين | 1:50 ص

      سترااااوية

      القصة : خفيفة وحلوة ولها معاني كثيرة

      وجهة نظر بالنسبة لي : المفروض من بداية الدراسة يكون بين الطالب والمدرس تفاهم واحترام بينهم والمدرس يعامل الطالب مثل الأبن او الصديق او الأخ على حسب مستوى الدراسي عشان في النهاية يكون بينهم حب وأحترام و الطالب يطلع بتفوق في نهاية السنة لحبه لمدرّسة
      الطالب اذا شاف معاملة محترمة من الجميع فطبيعي من نفسة يحترم غيره مهما كانت الظروف

    • زائر 1 | 1:17 ص

      الشغله اتغيرت ماتدري؟!

      عزيزي فاضل حبيب،
      أظنك ماوصلك الخبر الأخير،أن المدرس اتغيرت شغلته من مدرس إلى موظف في وزارة التربية والتعليم،توقيع أوراق وتشكيل لجان وعمل ورش وعمل فايل تراكمي ومشاريع بحثية،تدخل الصف بس اتجهز أدوات الدرس وتهيئ الطلبة طافت عليك ربع ساعة بعد وين تحاور وين اتناقش الطلبة وين تتودد إلى الطلبة وين وين،المعلم أصبح في ورطة التدريس.

اقرأ ايضاً