إن القوانين الكونية للقوة والضعف معروفة، إذ تبدأ أشعتها بالصباح ضعيفة، وتشتد قوتها الوهاجة في منتصف الظهر، ثم يخفت بريقها مع الغروب فلا أحد يراها.
وهذا حال الإنسان يولد ضعيفا، ثم يشتد قوة في شبابه، وبعدها يرجع إلى الضعف والشيخوخة والموت، وهو حال كل شيء إنها سنة الحياة، فهل يستطيع الإنسان أن يتحداها؟
هل يستطيع الرئيس الأميركي باراك أوباما وجيشه من الخبراء والاقتصاديين أن يواجه القوة الكونية ويغير معادلة قانون القوة والضعف، وتصبح شمس الاقتصاد الأميركي مشرقة من دون أن تغيب؟
إن خطط الإنقاذ الاقتصادي التي تقوم بها دول العالم بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا واليابان والصين، ما هي إلا آمال وأحلام لا يمكنها مجابهة قوانين الحياة.
الاقتصاد الأميركي بلغ أقصى مراحل القوة في التاريخ البشري، والآن بدأت علامات الدورة الكونية للاقتصاد نحو الضعف بانفجار أزمة الرهن العقاري وتحولها إلى أزمة مالية عالمية وغرس مخالبها في الاقتصاد الحقيقي مبتدئة بصناعة السيارات الأميركية.
وخطط الإنقاذ وضخ مئات المليارات من الدولارات في الاقتصاد، ستقود الأمور نحو انهيار اقتصادي عاصف مدمر، فلكل فعل ردة فعل بنفس الاتجاه والقوة. لكن السؤال المهم متى ستبتدئ ردة الفعل؟
يوم الخميس الماضي أعلن المجلس الاحتياطي الفيدرالي (المصرف المركزي الأميركي) بشراء أذونات حكومية وسندات عقارية بقيمة تريليون دولار بهدف إنعاش الاقتصاد، وفجأة هبط سعر الدولار إلى مستويات متدنية جدا أمام العملات الرئيسية.
فخطة المجلس الاحتياطي الفيدرالي تعني عمليا زيادة في معروض الدولارات المطبوعة، يقابله انخفاض في قيمته، وهو ما سيثقل كاهل الميزان التجاري الأميركي فيما يتعلق باستيراد السلع غير المسعرة بالدولار. فالسلعة التي سعرها 10 يورو وتستوردها بـ 12 دولارا، ستستوردها الآن بـ 15 دولارا، لأن قيمة الدولار هبطت أمام العملات الآخرى، الأمر الذي سيزيد «الطين بلة» في الميزان التجاري الأميركي، وفي الميزان التجاري للدول التي تقوم عملتها بالدولار كدول الخليج.
وتدهور الدولار الأميركي يخلق مشكلات غير محمودة للاقتصاد الياباني، إذ سيترتب عليه ارتفع أسعار السلع اليابانية في الدول التي تربط عملتها بالدولار، وبالتالي عدم قدرة المستهلكين في هذه الدول على شراء السلع اليابانية. وهو ما يؤدي إلى كساد المنتجات اليابانية وتدهور الاقتصاد. وكذلك بالنسبة للاقتصاديات الأوروبية والتي هي الأخرى بلغت أقصى مراحل القوة، وعلامات الضعف بدأت عليها وهي الآن تسير نحو الشيخوخة، ولن تجدي خطط الإنعاش نفعا.
وستصبح العملة الأوربية الموحدة (اليورو) تحت الخطر، إذ إن انهيار دولة واحدة في الاتحاد ستؤدي إلى تذبذب هائل في العملة سيفقدها الكثير من موازين القوة والاستقرار.
ومع حدوث الدورة الكونية، سينتهي عصر الدولار كعملة رئيسية عالمية، وعلامات انتهاء هذا العصر بدأت، بسيطرة اليورو على أوروبا، وبدء سيطرة الين الياباني على شرق آسيا، وتمركز الدولار في القارتين الأميركيتين وبعض الدول المرتبطة بالاقتصاد الأميركي مثل دول الخليج.
الاقتصاديات التي بلغت أقصى مراحل القوة، كالاقتصاد الأميركي والأوروبي والياباني، من المحتمل أن تنهار بنفس القوة، وتتحول الدول النامية إلى قوة اقتصادية عالمية بقيادة الصين والهند، اللتان (ومعها الدول النامية) تملكان الكثير من الفرص الاستثمارية، بينما الدول المتطورة تكاد تنعدم فيها الفرص الاستثمارية.
ووفق هذا المنطق قد تكون إفريقيا هي القوة الاقتصادية القادمة، إذا ما اتجه العالم نحو التركيز على الزراعة التي أصبحت واحة للاستثمارات المربحة. فالإنسان قد يستغني عن شراء سيارة، ويتراجع عن شراء ساعة، لكنه لا يستطيع أن يمتنع عن شراء الطعام، لأنها مسألة حياة أو موت. وهذه الخاصية في السلع الغذائية تعطي إفريقيا ميزة هائلة في استقطاب الاستثمارات.
وقد بدأت فعليا الشركات من مختلف دول العالم بما فيها دول الخليج بالاستثمار في القطاع الزراعي في إفريقيا وضخ مليارات الدولارات فيها.
إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"العدد 2390 - الأحد 22 مارس 2009م الموافق 25 ربيع الاول 1430هـ