ربما أن الخبر الذي بثته وكالة أنباء البحرين (بنا) في 26 فبراير/ شباط الماضي بدا غريبا وخارج السياق، إذ تحدثت الوكالة الرسمية عن وصول مستشار جلالة الملك لشئون السلطة التشريعية محمدعلي الستري بصفته «مبعوثا شخصيا لجلالته» إلى النجف الأشرف في العراق، وأنه التقى ظهر ذلك اليوم مع «المرجع الديني الأعلى سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني». وفي 4 مارس/ آذار نشرت «بنا» خبرا آخر قالت فيه إن الستري التقى في النجف الأشرف «كلا على حدة مراجع الدين سماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم وسماحة آية الله العظمى الشيخ بشير حسين النجفي وسماحة آية الله العظمى الشيخ اسحاق الفياض... حيث نقل سعادة الدكتور الستري لمراجع الدين العظام تحيات حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى وتقديره البالغ للدور الذي يضطلعون به...». وقبل نشر هذين الخبرين، كانت هناك أخبار أخرى تحدثت عن تفاصيل لقاء المرجع الديني السيد علي السيستاني مع نواب من كتلة الوفاق ومع شخصيات بحرينية أخرى، وانتقل بين الناس أن السيستاني حثّ بشدة على التزام العمل السلمي من خلال الطرق المتاحة. ولعل انتشار هذه الأنباء كانت مشجعة لإرسال مبعوث رسمي للمرجعية الدينية في النجف الأشرف.
وعند استقراء الواقع الديني الشيعي، فإن هناك رموزا دينية كبرى في النجف، ودورها مهم جدا في كل البلدان التي يوجد فيها مسلمون شيعة، ولكن هناك في كل بلد رموز دينية محلية. وفي العادة، فإن الرموز الكبيرة لا تتدخل في التفاصيل مادامت هناك شخصيات مرموقة ومعروفة في أوساط الحوزات الدينية تعيش في البلد المعني، بل إنها تتبادل (بصورة مباشرة أو غير مباشرة) الآراء معها لتستشف رأيها. ومن دون شك، فإن هناك عددا من علماء الدين البحرينيين الذين لا يمكن تجاوزهم بأي حال من الأحوال، ومن بين هؤلاء: السيد جواد الوداعي والشيخ عيسى قاسم والشيخ عبدالحسين الستري والسيد عبدالله الغريفي، وغيرهم من كبار العلماء «المعروفين جدا» في أوساط النجف الأشرف.
ومن الأمور المحمودة لدينا في البحرين أن نرى توافق وجهات نظر المرجعية الدينية في النجف مع كبار علماء الدين في البحرين في مجال العمل السياسي السلمي. فالشيخ عيسى قاسم كرّر كثيرا مواقفه، وآخرها يوم الجمعة الماضي عندما قال: «إن رأينا وصوتنا كان ولا يزال مع الحفاظ على حرمة الدم والمال العام والأعراض، وهو من مسئولية الكل وفي المقدمة الحكومة وهذا لا يقلل من مسئولية الشعب على الإطلاق». وقال: «إن الشعب له مطالب واقعية فعلية، وهم لا يطلبون من الحكومة القمر ولا المستحيل».
وكذلك الحال مع السيدعبدالله الغريفي الذي كرّر حديثه في الاتجاه ذاته، وقد تحدث في حديثه يوم الخميس الماضي عن «الشراكة المجتمعية»، وقال: «نتمنى أن تنطلق شراكة مجتمعيّة حقيقيّة تدفع في اتجاه التواصل الجاد لحلحلة الأوضاع المتأزّمة، من خلال حواراتٍ صادقةٍ ومنتجة (...) وأن الشراكة المجتمعيّة إذا أريد لها أن تكون شراكة قادرة أن تمارس دورا فاعلا في خدمة قضايا الوطن يجب أن تؤسس وفق مبادئ وقيم تتفق عليها جميع القوى الدينيّة والسّياسية والمجتمعيّة، وأن تنفتح السلطة انفتاحا صادقا على هذه الشراكة».
إن ما نحتاجه هو أن نبني على هذه التوافقات العقلانية وأن نصغي إلى صوت العقل ونبتعد عن مستشاري وكتّاب السوء الذين لا يحبون البحرين ولا يحبون قادتها ولا يحبون أهلها، ولكنهم ربما وجدوا أن مصالحهم الخاصة تكمن في تشويش العلاقة بين الحكم وجزء غير صغير من المجتمع.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2390 - الأحد 22 مارس 2009م الموافق 25 ربيع الاول 1430هـ
السيستاني
هل السيستاني راضي عن التجنيس يا دكتور؟ هل هو راضي عن التمييز ؟ هل هو راضي عن سرقة الآراضي؟ هل هو راضي عن التشكيك في وطنيتنا؟ حتى يتم الحديث, أجب عن هذه الأسئلة, مع اتفاقي معك فيما أسلفت.