العدد 2843 - الجمعة 18 يونيو 2010م الموافق 05 رجب 1431هـ

الفساد ينخر العراق: طلاء عشرين مخفراً للشرطة بـ 25 مليون دولار!

حرب الثلاثة تريليونات دولار (6 – 6)

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الحلقة الأخيرة من قراءتنا لكتاب «التريليونات دولار» للثنائي جزيف ستيغلتز/ ليندا بيلمز نخلُص إلى نتيجة الحرب الكارثيّة على العراقيين. وعلى حجم الفساد الذي أدخلته الإدارة الأميركية وشركاتها المتعاونة إلى العراق. كما سيتبيّن حجم تراجع النموذج الأميركي في العالَم، حتى بين دول العالَم الأنغلوساكسوني. سيشهد التاريخ كم مارس الأميريكون من سياسات أدّت إلى إفقار الشعب العراقي، وإلى إثقاله بالأمراض.

فبسبب قلّة الخدمات المدنية والصحيّة، فقد تكبّد العراقيون أخطاراً جسيمة تتعلّق بالأمراض المُعدِية. فأصبح شرب الماء المُلوّث بغائط البشر المرضى وفضلاتهم سبيلاً لنشر المزيد من المصابين. لقد كان العالَم يسمع عن الكوليرا في إفريقيا وأماكن أخرى محدودة في العالَم. لكن وبعد الحرب الأميركية على العراق، بات العراقيون يسمعون عن هذا المرض وهو يقظ مضاجعهم. فبحلول 14 أغسطس/ آب من العام 2007 اكتُشِف المرض في العراق. وانتشر بسرعة في تسع محافظات. وتأكّد إصابة 3324 شخصاً. وهو الرقم الذي يفوق عدد المصابين في قارة آسيا برمّتها.

لقد ازدادت نسبة الوفيّات في العراق طبقاً لدراسة جامعة جونز هوبكنز. ومنذ العام 2006 وحتى العام 2010 فإن الوتيرة في الوفيات قد تأخذنا إلى مليون حالة وفاة في صفوف العراقيين. كذلك فإن الناتج المحلي العراقي ليس أعلى مما كان عليه قبل الحرب. وبغداد لا تصلها الكهرباء إلاّ تسع ساعات في اليوم. وواحداً من أصل أربعة عراقيين عاطلين عن العمل. لقد كان تلك النتائج هي ما حُبِيَ به العراقيون جرّاء الحرب الأميركية «المشئومة» عليهم.

اليوم يتمّ الحديث عن نجاحات أميركية وهميّة في العراق. هم لا يكترثون بما يُعانيه العراقيون البسطاء في القرى والمدن خارج المنطقة الخضراء. فالجيش الأميركي يقبع في قاعدة أناكوندا والتي تمتد لـ 4.5 أميال. أو في قاعدتي الأسد والتليل (20 ميلاً). أو في قاعدة فيكتوري/ ليبرتي التي تستوعب مضماراً لرياضة الترياتلون بطول 140 ميلاً، وبها مطارات عسكرية، وشبكة اتصالات هاتفية وانترنت ونظامَا تدفئة وتبريد ومستشفيات وأسواق ومطاعم وشركات تأجير للسيارات وشبكة أمان حديدية، في حين يعيش المواطن العراقي أقسى أنواع الحياة خارج هذه القواعد، وخارج المنطقة الخضراء.

لقد أرادت الولايات المتحدة أن تُمدِّن الاقتصاد العراقي وهو لا يزال هشّاً مريضاً ومُهَلهَلاً. ففي شهر سبتمبر من العام 2003 أصدر بول بريمر الحاكم المدني لسلطة الائتلاف هناك قوانين تحظر العديد من التعريفات الجُمركية، وتضع سقفاً لضريبة الشركات وضريبة الدخل، وخصخصة الصناعات المُؤمّمة، رغم أن اتفاقية لاهاي 1907 حول الأنظمة المتعلقة بقوانين الحرب وأعرافها حيال الأرض تمنع على المُحتلّ بين أصول وموجودات البلاد المُحتلّة. وعندما قوبِل توماس فولي رئيس لجنة تطوير القطاع الخاص في العراق بذلك قال «لا آبه لشيء من هذا القبيل، إنني لا أقيم وزناً للقانون الدولي!».

لقد ضرب الفساد مؤسسات الدولة. وبات طلاء عشرين مخفراً للشرطة يُكلّف 25 مليون دولار. وباتت مزايدات البيع لا تخضع للتحكيم المطلوب. وأصبح الانتقال من اقتصاد عاجز وخارج من حصار رهيب إلى اقتصاد ليبرالي مفتوح بدون مقدمات ولا آليات مُحدّدة كفيلاً بأن يضيع أكثر من 12 مليار دولار حيث كان يُمكن حمايتها من الاحتيال والسرقة. وأصبح العراق يحتل المرتبة 178 من بين 180 دولة في العالَم من حيث تفشّي الفساد.

بطبيعة الحال فإن حرب العراق كانت «حريقاً عالمياً» بامتياز. وباتت الدول الحليفة وغير الحليفة تتعرّض لهزّات اقتصادية كبيرة جراء أزمة النفط العالمية قدّرها الباحثان بـ 590 مليار دولار على أوربا وحدها. أما اليابان فقد تكبّدت 307 مليارات دولار. في حين كان نصيب الدول الصناعية المتقدمة (والتي تشمل كوريا الجنوبية أيضاً) قد بلغت الخسائر 354 مليار دولار.

لكن المشكلة الحقيقية هي ليست في الخسائر المادية فقط، بقدر ما هي خسائر تتعلّق بالسّلم والأمن العالمييْن. فالتطرف زادت وتيرته بعد حرب العراق. ومع حلول العام 2007 كانت سمعة الولايات المتحدة (وشعار الديمقراطية) قد هبطت بنسبة 29 في المئة في إندونيسيا، و 71 في المئة في فلسطين، و72 في المئة في باكستان، و81 في المئة في تركيا، وبات الرئيس الروسي (السابق) فلاديمير بوتين يحظى بثقة أكبر من الرئيس الأميركي في كندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وهم الحلفاء الطبيعيون والتاريخيون للأميركيين. وبات 65 في المئة من الألمان و 66 في المئة من الإسبان يمقتون الأفكار الأميركية حول الديمقراطية.

في المحصلة، فإن الاحتلال الأميركي يدخل عامه السابع دون أن تقلّ أعداد «المقاومة العراقية» (السُّنّيّة فقط) عن 70 ألف مسلّح. وبات 78 في المئة من العراقيين يعارضون التواجد الأميركي (97 في المئة في المناطق السُّنّيّة، و 83 في المئة في المناطق الشيعية). وباتت مَشَاهد الدّم في العراق وكأنها ألعاب فلوكلوريّة. وحين يسمع الناس أن عشرة أشخاص قد قُتِلوا في بغداد أو في أيّ محافظة أخرى، لا يتمّ الاكتراث بهم، بل يخرج أحد المسئولين الأمنيين العراقيين ليقول بأن عدد القتلى قد انخفض هذا الشهر، وكأن حرمة الدّم لا يتمتّع بها جميع البشر.

قبل ختام هذه القراءة، أطرح ملاحظتَيْن مهمّتَيْن: الأولى: إذا كانت كلفة الحرب بهذه الأرقام الفلكيّة فمن يا تُرى سيتحمّل أعباءها؟ لا أظنّ أن الولايات المتحدة قد تقمّصت ثوب «البذل الخيري» لكي تقوم بما قامت به وأنفقت من أجله دون أن تأخذ حقها من ذلك التغيير. وبالتالي فإن العراق تنتظره فاتورة حساب هائلة. سيدفعها ولو عن طريق امتيازات النفط طويلة الأجل. أو عبر الإخلال بميزان القوى الإقليمي. سيتعيّن على العراقيين وعلى مدى ستة أجيال قادمة أن يدفعوا تلك الفاتورة الباهِظة.

ومثلما كان ذلك الإنفاق على حساب دخل الأسر الأميركية وعلى الناتج القومي للولايات المتحدة وعلى البطالة والتعليم والصحّة وعلى الأسهم والتبعات الاجتماعية، فإنه سيكون كذلك على العراقيين ومستقبلهم. ليكون التحسّر في ذلك مُزدوج. وهو ضياع كل هذا المال دون فائدة تُذكر، ثم انحدار البلد في هاوية المجهول لا يلوي على شيء. ليس أقلّها خطراً ولوج ناسه في حرب طائفية بين مكوّناته وطوائفه. حدث ذلك في مجتمع عشائري معقّد ومستعد لأن يتنبّه للثأر وبامتياز مع مرتبة الشرف.

الملاحظة الثانية وهي أن مَنْ بقي له حسّ دستوري وحقوقي داخل الولايات المتحدة يجب عليه أن يدقّ ناقوس الخطر. فمؤسسات هذا البلد من مؤسسة الرئاسة إلى المؤسسة التشريعية والهيئات الرقابية باتت محلّ ابتذال. وأصبح هامش «الاستخدام الأعوج» لنفوذها طاغياً على مفهوم الدولة الراشدة التي تُفرط في استخدام السلطة وعنفها. كما أنه ومن غير المعقول إيهام الناس بمشروعات سيئة نتائجها الكارثيّة حتميّة الوقوع على أنها مكسب لأمنهم القومي.

لقد أدّت تلك السياسات الرعناء، إلى جعل المواطن الأميركي مُستَهدَف في كلّ مكان من العالَم. وأصبحت نداءات الخارجية الأميركية لرعاياها بتوخّي الحيطة والحذر في هذا البلد أو ذاك مُملّة للفرد الأميركي، الذي بات مقيّداً بكمٍّ هائل من القيود والتي لا تجعله يعيش كأي واحد من البشر الأسوياء. إنها حقاً مأساة لا تُماثلها إلاّ مأساة سقوط بلد قوي في شراك الانحدار.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2843 - الجمعة 18 يونيو 2010م الموافق 05 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 10:32 ص

      الغبي بن لادن برجين بدولتين بل بأمة

      لم تفكر امريكا يوما ان تدخل العراق ولا افغانستان لتغيير واقعا قائما لولا الحجة التي قدمها بن لادن لامريكا بوش بضرب البرجين.
      وسبق الغبي بن لادن الغبي صدام الذي جلب بدخوله الكويت الاساطيل و جعل الامريكان يجثمون على اراضي الخليج.

    • زائر 11 | 5:56 ص

      ايران هي السبب في كل ما يحصل

      ان ايران وبتدخلها في شئون العراق هي السبب وراء ما يحصل من دمار وتشتت بين العراقيين ونحن الآن نشهد بداية سقوط دولة العراق وبداية علامات حرب أهلية سوف تأكل اليابس والأخضر خصوصا بعد خروج الامريكان والانجليز. سوف تستحوذ ايران المجوسبة على خيرات العراق وثرواتها.

    • زائر 10 | 5:12 ص

      ملاحظات

      كأنك تتكلم عن بلد كان في قمة المجد ولم يكن على حافة الهاويه, عندما تتكلم عن العراق فلسانك سليط, ولكن هلا تكلمت عن بلدك الحر وعن املاكه المنهوبة, القتل الذي الذي تكلمت عنه يقوم به ناس إنتحاريين, وهؤلاء يقتلون باسم الرب, وهم مدعومون ممن اراد الخلاص منهم ومن ضحاياهم, دع العراق وشأنه وتكلم عن شؤنك ولو كانت بلديه, بالمناسبة الإنترنت لا يصنع ثقافة وكاتب خبير بشئون البلد الفلاني.

    • زائر 9 | 4:05 ص

      أراض اجارها بدينار

      روح اكتب عن الفساد أرض البا أجارها 3فلس في اليوم صبغ دوار الؤلؤة ب560000 دينار وووووووووووووووووووو

    • زائر 8 | 2:52 ص

      بو جاسم

      فلنترك العراق لأهله فالمثل الأعرابي يقول"أهل مكة أدرى بشعابها"ولكن لماذا لا تتكلم عن الفساد في البحرين الذي يفوق أي دولة في العالم فأين ذهبت 35 مليار من خزينة الدولة وأين وأين وأين الفساد في البحرين طوفان نوح فكان عليك أولاً أن تكتب عن الفساد في بلدك وعدم التدخل في شؤون غيرك,لو كان لدينا كتاب نزيهين وطنيين لوالله ألفنا موسوعة في الفساد طيلة 250 سنة وكل الوثائق موجودة في اوروبا وبعش دول المشرق فقط تريد من يسلط الضوء عليها لكن أين هم؟!!

    • زائر 7 | 2:52 ص

      اضافة

      وكما تلاحظ فان الذين يكتبون عن ايران اما انهم لا يعرفون لا عن تاريخها ولا يفهمون قراءتها او انهم اعداء لها وفي الحالتين هم يخطئون في التقدير . ارجو ان تاخذ ذلك بعين الاعتبار فهو لا ينحصر بي فقط وانما باخرين يشاطروني الرأي. اما العراق فمصائبه نتيجة طبيعة لكل شيء من صدام وحتى المحتل ودول الجوار . شكرا لكم

    • زائر 6 | 2:48 ص

      طلب ورجاء

      رجاء وطلب من الاستاذ محمد . ارى انك لا تتطرق الى الشان الايراني منذ فترة بعيدة في حين انه ملف مهم جدا وانت تعلم ما جرى قبل مدة من فرض عقوبات على ايران ومرور سنة كاملة على انتخاب نجاد وما اعقب ذلك من احدث

    • زائر 5 | 1:55 ص

      ماحدا بك مما بدا

      اليس من الافضل ان تناقش وتفتش على مثل هذه المواضيع في بلدك.
      اكشف ما نحن فيه واذا ترك لنا المجال انتقلنا لغيرنا
      ورحم الله من عرف قدر نفسه

    • زائر 4 | 1:40 ص

      سين

      (وبات طلاء عشرين مخفراً للشرطة يُكلّف 25 مليون دولار.) يقولون في امريكا في قانون؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    • زائر 3 | 1:36 ص

      انظر من حوليك

      استغرب حقا منك كيف تسلط الضوء على الدول التي ليس بها استقرار وتترك دولتك المستقرة وما يعم بها من فساد ..لماذا الهروب الى الامام ...

    • زائر 2 | 1:12 ص

      ونعم الادارة

      ماذا تنتظر من حكومة خائنة

    • زائر 1 | 12:30 ص

      خلك في بلادك

      تعيب الناس والعيب فيك

اقرأ ايضاً