العدد 2843 - الجمعة 18 يونيو 2010م الموافق 05 رجب 1431هـ

تردّي أوضاع البحث العلمي في البلاد العربية (2 - 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ترسم ورقة قدمها رئيس جامعة اليرموك د.سلطان أبو عرابي للجامعة العربية وألقاها في الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة، صورة مجسمة لتردي واقع البحث العلمي في البلاد العربية، إذ تحذر الورقة من أن «35 في المئة من مجموع الكفاءات العربية في مختلف الميادين تعيش في بلاد المهجر، وهناك مليون اختصاصي عربي يعملون في الدول الغربية وثلثا المهاجرين ليس لهم برنامج للعودة، كما يتدنى نصيب البلدان العربية من النشر العلمي في العام 2008 إلى أقل من سدس نصيبهم من سكان العالم ويرتفع نصيب إسرائيل إلى عشرة أضعاف، وتحتل إسرائيل المركز الثالث في العالم في صناعة التكنولوجيا المتقدمة وهي الأولى على صعيد إنتاج البحوث العلمية بالنسبة إلى عدد سكانها».

ويرى إدريس لكريني من المغرب أن «الدول العربية أضاعت، ليس فقط فرصة الاستفادة من البراءات والاختراعات العلمية الناجحة التي أنتجها المبدعون العرب، بل خسرت أيضاً القسم الأكبر من أولئك المبدعين الذين أدركوا أن ثمرات عملهم تهدر في أدراج البيروقراطيات العربية المترهلة».

أما الكاتب العماني عقيل بن عبدالخالق اللواتي، فيرى هو الآخر أن «أزمة البحث العلمي في العالم العربي مستمرة، ومازالت مؤسساتنا البحثية تعيش حالة من الغيبوبة، في وقت سبقنا فيه القاصي والداني في إنهاض بحثه».

مقارنة مهمة يجريها الكاتب السوري سعيد حنا، تقول إنه في العام 2004 وصلت نسبة الإنفاق على البحث العلمي في الكيان الإسرائيلي إلى 4.7 من ناتجه القومي الإجمالي، علماً بأن معدل ما تصرفه حكومة الكيان الإسرائيلي على البحث والتطوير المدني في مؤسسات التعليم العالي يساوي 30 في المئة من الموازنة الحكومية المخصصة للتعليم العالي بكامله، ويصرف الباقي على التمويل الخاص بالرواتب، والمنشآت، والصيانة، والتجهيزات. على العكس تماماً ما يحدث في البلدان العربية، إذ أغلب الموازنة المخصصة للتعليم العالي والبحث العلمي تصرف على الرواتب والمكافآت والبدلات وغيرها. ويُذكر أن المؤسسات التجارية والصناعية في الكيان الإسرائيلي تنفق ضعفي ما تنفقه الحكومية الإسرائيلية على التعليم العالي. إذاً، بينما تصرف الأموال المخصصة للبحث العلمي في إسرائيل على عمليات البحث نفسها، تستنزفها في البلاد العربية البنود الإدارية والرواتب.

ونجد في كتاب طارق السويدان وعمر باشراحيل « كيف أقرأ؟» مقارنة أخرى يجريها الكاتبان بين العرب وإسرائيل تقول إنه في العام 2002 ، بلغ «عدد الباحثين في (إسرائيل) 5.2 باحثاً لكل 1000 نسمة، وهو ما يعادل 15 ضعف المعدل العربي العام. وتتراوح النسبة في الدول المتقدمة من 2 إلى 6 باحثين لكل 1000 نسمة».

من هنا لا ينبغي أن ننخدع بإعلانات تأسيس مركز بحث علمي هنا، أو إنشاء صندوق لتمويل الدراسات العلمية هناك، فعندما لا تهدر أموالها في الجوانب غير المنتجة بحثياً، نكتشف أنها غالباً إما أن تركن على الرف أو أن تضل طريقها الذي ينبغي أن تسلكه، وهذا ما يعترف به المدير التنفيذي للوقف العلمي في جامعة الملك عبدالعزيز د.عصام بن حسن كوثر، حين يقول، متحدثاً عن مصير وقف كان يفترض أن تصرف أمواله على الأبحاث والدراسات: «إن الوقف لم يبدأ حتى الآن في تمويل أي بحوث علمية، سواء داخل السعودية أو خارجها، على رغم مرور أربعة أعوام على انطلاقته في 23 صفر 1425هـ (13 أبريل/نيسان 2004م)». مرجعا كوثر تأخر الوقف في تمويل المشاريع البحثية، «إلى ضآلة المبالغ المالية التي تم جمعها حتى الآن، إذ لم تزد على 20 مليون ريال فقط، من أصل رأسمال الوقف المبدئي البالغ 125 مليون ريال».

ويرسم نجيب صعب صورة كاريكاتيرية ساخرة حول هذا الواقع حيث يقول: «في مقابل موازنات البحث العلمي الضئيلة، يصرف العرب 7 في المئة من دخلهم القومي على التسلح، أي 53 مرة أكثر مما يصرفون على العلم. ومع هذا لا نذكر أننا ربحنا حرباً على عدو خارجي. أما عدد الباحثين العلميين العرب، فهو ضئيل أيضاً، لا يتجاوز العشرين ألفاً، من أصل 282 مليون شخص يقطنون هذه الأرض الممتدة من المحيط إلى الخليج».

قضية في غاية الأهمية هي إجماع العلماء والباحثين العرب أنفسهم، ممن شاركوا في مؤتمر «مجتمع المعرفة والبحث العلمي في البلاد العربية»، الذي عقد في العاصمة التونسية خلال أيام 5 - 7 فبراير/ شباط 2009 على أن «الأنظمة العربية، على اختلاف توجهاتها السياسية، لم تمنح مسألة بناء مجتمع المعرفة الاهتمام الجدي، ولم تعمل على تحقيق البنى الأساسية لمجتمع المعرفة العربي القائم على الإنسان الحر، والتعليم العصري، والتكنولوجيا المتطورة، وإرساء الدولة الديمقراطية، ونشر المساواة والعدالة، وتشجيع مراكز الأبحاث لتوفير أسس المعرفة الحقة. فالعجز عن بناء مجتمع المعرفة في عصر العولمة وما عرفته من ثورات متلاحقة، سوف يزيد من عزلة الشعوب العربية، ويبعد العرب عن المعرفة العلمية السليمة والمتاحة». إذاً هناك نظام عربي قائم، مهمته طرد تلك الأدمغة بدلاً من استقطابها.

قضية مهمة أخرى يلفت لها كوثر في حديثة عن الواقع السيئ للبحث العلمي في البلاد العربية، وهي ضعف مشاركة القطاع الخاص في تمويل مشروعات البحث العلمي حيث يقول، مقارناً بين سلوكي القطاع الخاص في العالم ونظيره في البلاد العربية: «إذا نظرنا إلى مساهمات القطاع الخاص في العالم في هذا المجال، نجد أنها تمول نحو 60 إلى 70 في المئة من موازنات البحث العلمي في دولهم، أما الشركات العربية فلا تنفق على البحث العلمي في العالم العربي إلا النزر اليسير جداً».

ويرى أبو عرابي سلبية غياب مساهمة القطاع الخاص في تمويل مشروعات وبرامج البحث العلمي في البلاد العربية حيث يعتبر «القطاع الحكومي الممول الرئيسي لنظم البحث العلمي في الدول العربية، إذ تبلغ حصته نحو 80 في المئة من مجموع التمويل المخصص للبحوث والتطوير مقارنة بـ 3 في المئة للقطاع الخاص، و7 في المئة من مصادر مختلفة». والأمر على العكس من ذلك، كما يرى أبو عرابي، في «الدول المتقدمة وإسرائيل حيث تتراوح حصة القطاع الخاص في تمويل البحث العلمي ما بين 70 في المئة في اليابان و52 في المئة في إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية».

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2843 - الجمعة 18 يونيو 2010م الموافق 05 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 8:11 ص

      في الوقت الذي يكرم قادة البلد حملة الشهادات العليا هناك من يتربص لهم في مواقع العمل

      لكي لا يكون لهم وضع وشأن يذكر .... دأب فاقدي أهلية الأداء على بتر كل جهود رواد العلم والمعرفة ... ونحن إذ نناشد قادة البلد بوضع حد للإنتهاك المتنامي بشأن حفظ حقوق رواد العلم والمعرفة وخاصة بأن فاقدي أهلية الأداء كونوا لهم عصابات داخل مواقع العمل ولا يزالون بعيدين عن يد العدالة

    • زائر 7 | 8:07 ص

      أحد فيروسات الفتاكه التي فتكت برواد العلم _ يجب مكافحة الفساد وعلى رأس ذلك الفساد الأخلاقي

      الفساد الأخلاقي هو باب لكل مفسدة والغرض ليس فقط من البحوث هو الحصول على المراكز الأكاديمية وحفظ البحث في رف المكتبه ولكن يجب أن يتخذ حل وعلاج للأمراض المستشرية واحد حديثات النعمة بالوظيفة سرعان ما استشرى نوع غريب منن الأمراض وهو مرض العزوف عن الزواج منتسبي تلك الدائرة هم ممن يمقتون الحياة الأسرية ولم يكتف الوضع إلى هذا الحد بل مورست العواطف المكبوته داخل المكاتب وأن الكشف عن زي أحد الموظفات وطريقة أسلوبها ومشيتها ليكشف أن مرض البويات وصل المكاتب .. ويجب وضع حل لهذه المشاكل التي بدأت تزكم الأنوف

    • زائر 6 | 6:57 ص

      ابو جالبوت

      المال العربي يسخر فقط لــــ ......
      و لتمديد فترة الالتصاق بكرسي الحكم يتوجب على الدرويش دوس الكرامة العربية وطمس العقول ..!

    • زائر 5 | 2:28 ص

      نتيجة حتمية لواقع عليل مريض سقيم .....

      التردي نتيجة حتمية لواقع عليل مريض سقيم مؤسساتنا البحثية وجامعاتنا تدار من قبل أقل الكفاءات والنتيجة خير شاهد لابحوث ولا خريج يلبي حاجة سوق العمل والقاب علمية زائفة وشهادات علمية مستوردة والكل يعلم ولا يتكلم وهذه النتيجة ولو فحصت مؤهلات القائمين على جامعاتنا لانكشف المستور ولعرف سبب تردي الحال القاب علمية وشهادات دون علم وثقافة امتحان واحد للهيئات التعليمية في جامعاتنا وخذ النتيجة التي ستطير الالقاب والشهادات ما رايك ياحر وياغيور ؟؟؟؟

    • زائر 4 | 11:59 م

      هذه أحداث واقعية في أحد الدوائر وتم إستغلال الوسائل الإعلامية للتكتم على سوء الإداء

      خصوصاً تلك المتعلقة بالوضع اللائق لبعض من رواد العلم والمعرفة والسياق للإستحواذ على الوظائف وتقسيمها كغنائم وأساليب التعامل معها. وتجدر الإشارة إلى أن التغيير لم يصاحبه إحالة بعض القضايا للقضاء ونعني هنا المدلسين الذين هم بعيدين عن النزاهة والأمانة وفقدان المستندات التي تتطلبها عملية التدوين والتوثيق ومن أجل الفوز بالكراسي الموسيقية تم التضييق الممارس ضد رواد العلم والمعرفة ولا يزال ديوان الخدمة المدنية لا يفرض أدواته الرقابية على تلك الممارسات التي لا تمت للفترة الإصلاحية بصلة

    • زائر 3 | 11:49 م

      لا تردي

      عنك ما رديتي
      فعلا الوضع اللهم يا مجير قربت الساعه يا بو صالح

    • زائر 2 | 11:39 م

      في أحد الدوائر أنصاف المتعلمين يقيمون رواد العلم والمعرفة والقرارات تصدر من سكرتيرة !!

      في أحد الدوائر التي تم تعيين مسئول ثنائي الوظيفة حيث أنه ليس متفرغ لعمله الأساسي أناط بمهام عمله الجسيمة لموظفين فاقدي أهلية الأداء مما لعبت العاطفة دور كبير في تقرير مصير رواد العلم حيث أن موظف درجة 5 إعتيادي أوكلت له مهمة تقييم رواد العلم والمعرقة لسبب رئيسي بأنه تربطه علاقة مع مسئولته وكيف لموظف لم يستطع إتمام البكالريوس لسنوات عديدة وأزمنه مديدة أن توكل له تلك المهمه ولم يكتف الأمر إلى هذا الحد بل إن قرارات كبيرة تصدر بأخذ مشورة "سكرتيرة" أين الرقابة ؟ يا ديوان الرقابة

    • زائر 1 | 9:44 م

      بهلول

      تردي البحث العلمي
      تردي الواقع الإقتصادي
      تردي الوضع السياسي
      تردي الساحة الثقافية ......
      كلها يا عزيزي متردية و نطيحة.

اقرأ ايضاً