العدد 2842 - الخميس 17 يونيو 2010م الموافق 04 رجب 1431هـ

تردي أوضاع البحث العلمي في البلاد العربية (1 – 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

خبران بثهما موقع «سي إن إن»، الأول هو تدشين العاهل السعودي، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، «أول سيارة سعودية تحمل اسم (غزال 1)، وهي نموذج أول مطور من سيارات مرسيدس بنز طراز C، طورت بالاشتراك مع الفرع الإيطالي لشركة «ماغنا» ومصممي استوديو «تورينو»، وقد قام بتطوير مشروع السيارة مجموعة طلاب من الجامعة بهدف تصميم سيارة تلائم مواصفات المناخ والتضاريس في دول الخليج العربي. وتضمن المشروع عدة تدريبات وورشات عمل».

أما الخبر الثاني فقد جاء من القاهرة حيث يحاول «جيل جديد من المصممين الذين يجمعون بين الحرفة التقليدية والتصميم العصري لأن تصبح القاهرة عاصمة مستقبلية لتصميم وصناعة الأثاث، باعتماد أسلوب الزخرفة المعروف محلياً باسم «لويس فاروق»، تيمناً باسم الملك فاروق، الذي كان يحظى بالشعبية إبان القرن العشرين، والأسلوب المقصود هنا هو أسلوب الملك لويس الخامس عشر الفاخر واللافت للأنظار، والذي اتسم بالديكورات الفخمة والمنحنيات الكثيرة الغنية بالزخارف الكثيرة رفيعة الذوق».

تسيطر على المواطن العربي موجة من الفرح عند قراءته لهذين الخبرين، فها هي الصناعة السيارات والأثاث توطن عربياً، وتنطلق كي تلبي احتياجات السوق المحلية، تغزو الأسواق العالمية، لكن هذه الفرحة لا تلبث أن تخبو، بل وتتلاشى، عندما نعرف أن مثل هذه الصناعات فقدت اليوم الكثير من جدواها الاقتصادية أمام السلع الأخرى التي باتت تولد قيمة مضافة أعلى بما لا يقاس مقارنة مع صناعتي الأثاث والسيارات، اللتين باتتا في أسفل قائمة صناعات الاقتصاد التقليدي الحديث، دع عنك الاقتصاد المعرفي المستقبلي، القائم أساساً على صناعات، قادرة ذاتياً على توليد قيمة مضافة قابلة للاستمرار والنمو بوتيرة سريعة أولا، وتتداخل فيها مكونات تلك الصناعات مع تقنيات الاتصالات والمعلومات كي ينسجان معا منتجات تلبي احتياجات هذا الاقتصاد ثانياً.

وأبرز دليل على تراجع أهمية وجدوى صناعات مثل السيارات والأثاث، هو تنامي سياسة تخلي الاقتصادات المتقدمة عن تلك الصناعات لصالح الاقتصادات النامية، حيث اليد العاملة أقل كلفة، وقوانين الضريبة على الإنتاج أدنى، والتقيد بشروط البيئة أقل صرامة، والحاجة إلى الملكية الفكرية وحماية البراءات ليست قائمة.

ثم جاءت الأزمة المالية العالمية الخيرة، كي تقذف بالمزيد من تلك الصناعات إلى دول العالم الثالث. ولابد من الإشارة هنا إلى رفض الاقتصادات الناهضة (Emerging Economies) مثل الصين والهند وسنغافورة تلقي ما تلفظه الصناعات الغربية نظراً لضآلة المردود المالي والاقتصادي لتلك الصناعات.

من الطبيعي أن تكون هناك عدة عوامل تقف وراء هذا القبول العربي باحتضان تلك الصناعات.

لن نخوض في الجوانب السياسية، ولن نتناول العلاقات غير المتكافئة التي تحكم الكثير، إن لم يكن جميع العواصم العربية مع دول غربية، مما يقلص من هوامش حرية قرار الأولى في رفض أو قبول احتضان مثل تلك الصناعات التي تقذف بها الثانية. وعوضاً عن ذلك سنتوقف عند اهم تلك العوامل الداخلية/ الذاتية التي أدت إلى عدم تحديث مكونات الصناعة العربية وعناصر نموها في هذا الاتجاه.

نعتقد أن تخلف مسيرة البحث العلمي في البلاد العربية وتردي مستواه، هي السبب الرئيسي الذي يرغم العرب بقبول الاستمرار في تصنيع منتجات باتت بائدة مثل الأثاث والسيارات، والتردد، الذي يصل إلى الخوف من، ومن ثم الإحجام عن دخول صناعات الاقتصاد المعرفي المتطورة. إذ تشير معظم الإحصاءات بضآلة الأموال المخصصة لمؤسسات البحث العلمي العربي، والتي «لا تتجاوز 02 في المئة من الدخل القومي مقابل 22 في المئة في اليابان أي أكثر بـ 110 أضعاف. أما عدد الباحثين العرب فلا يتجاوز ألفاً من أصل 282 مليون نسمة يقطنون الوطن العربي. وينفق المواطن العربي نحو ثلاثة دولارات فقط على البحث العلمي، مقابل 409 دولارات في ألمانيا، و601 دولار في اليابان، و681 دولاراً في أميركا».

وتتحدث أرقام أخرى عن واقع أكثر مأساوية يعيشها البحث العلمي في البلاد العربية، عندما يقارن بما تنفقه دول أخرى، بما فيها دول تهدد أمن البلاد العربية مثل «إسرائيل»، فبينما، كما تتحدث بعض المصادر الموثوقة، «تنفق إسرائيل على البحث العلمي 2.5 مليار دولار، لا يتعدى ما تنفقه الدول العربية مجتمعة على البحث العلمي 0.5 في المئة من ناتجها المحلي السنوي، وبالنسبة للإنفاق العربي على التعليم، فالوضع لا يسر أيضا، إذ إن متوسط حصة الفرد في العالم العربي يبلغ 110 دولارات، في حين تبلغ نحو 1200 دولار في العالم المتقدم وفي إسرائيل أيضاً».

وفي السياق نفسه يمكننا الإشارة إلى أنه إلى جانب ضعف الموازنات العربية المخصصة للبحث العلمي، هناك تردي مخرجات التعليم الجامعي، فوفقاً لمسوحات عالمية، لا يوجد اسم أية جامعة عربية بين اول 500 جامعة عالمية، يوجد من بينها 5 جامعات «إسرائيلية».

ما يحز في النفس أن تردي مستويات البحث العلمي في البلاد العربية غير ناتج من شح الموارد المالية، إذ تصرف الدول العربية على التسلح فقط، عشرة أضعاف ما تنفقه على البحث العلمي.

ويقول تقرير نشرته أكاديمية العالم النامي للعلوم «TWAS» الدولية، في اختتام اجتماع لها بمكتبة الإسكندرية في مصر حديثاً، «إنه في الوقت الذي أنفقت فيه الدول العربية - خلال الثلاثين عامًا الماضية - أكثر من تريليون دولار أميركي على المشروعات التي تخدم أغراضًا عسكرية، فإن حجم الاستثمار في البحث العلمي، لايزال أقل من 0.2 في المئة من الدخل القومي لهذه الدول، مقارنة بنسبة 1.6 في المئة في شرق آسيا والباسفيك، و2.6 في المئة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

ولابد من الإشارة هنا إلى أن دولة خليجية واحدة بلغت قيمة الأسلحة التي اشترتها في العام 2005 نحو 3.4 مليارات دولار، فاحتلت بذلك المركز الثاني عالمياً بعد الهند في قيمة الأسلحة المشتراة، وحلت الصين في المرتبة الثالثة إذ بلغت مشترياتها 2.8 مليار دولار. والحديث هنا يقتصر على الشراء من الخارج، وليس التصنيع، كما هو الحال مع دول مثل الولايات المتحدة أو روسيا.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2842 - الخميس 17 يونيو 2010م الموافق 04 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 11:23 ص

      thank you mr.Obaidly

      with compl.iment of Nadaly Ahmed

    • زائر 1 | 12:44 ص

      جامعات الدكاكين

      هناك أسباب عديدة ومنها إستفحال اللغة الأجنبية وإحلالها محل اللغة العربية لغة القرآن وانتشار جامعات الدكاكين وعدم وجود الشواغر الكافية لإستيعاب رواد العلم والمعرفة

اقرأ ايضاً