قابلت في العام 2003 الرئيس الأفغاني حميد كارازاي تحت ظروف غير اعتيادية إلى حد ما.
كانت مؤسسة رافد التي أعمل معها وورشة عمل «افتح يا سمسم» قد اجتمعتا بهدف إيجاد نسخة أفغانية من برنامج «شارع السمسم». كنا نعمل على تصميم حلقات تلفزيونية قصيرة لعرضها على الجيل الجديد من أطفال المدارس الأفغان بعد نظام الطالبان.
كان كارازي قد وافق على الظهور في واحدة من الحلقات.
كانت الخطة تصوير مجموعة من الأطفال الأفغان الأميركيين وهم يلبسون ملابس فولكلورية أفغانية، مع الرئيس كارازاي أثناء زيارة له إلى واشنطن العاصمة. بدا وكأن المهمة التي صعُب تنفيذها وقد ابتليت بالحظ السيئ.
كانت هناك عاصفة ثلجية يوم تصوير الحلقة، واضطررنا لإرسال متطوعين يقودون عربات ذات دفع رباعي لإيصال الأطفال إلى بلير هاوس، وهو بيت الضيافة الرسمي لرؤساء الدول. تأخر كارازاي ساعات طويلة، بعد أن أخّرته لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، وعندما وصل أخيرا كان غاضبا محتدا. كان قد تعرض للإساءة، حسب شعوره، من قبل الكونغرس، وتعرّض للوم بسبب تجارة أفغانستان المتزايدة في المخدرات، وبسبب الفساد السائد هناك.
كان قد طرد سفيره للتو، بعد أن ألقى باللائمة عليه بسبب المشاكل، وعندما دخل بلير هاوس وهو غاضب، تخيلت أن مشروعي الصغير قد انتهى. ثم وقعت عيناه على الأطفال وانفرجت أساريره وتغيّر مزاجه. نادى عليهم للتقدم إليه، وبينما جلسوا حوله لمناقشته بدأ فريق التصوير عمله وقد شعر أفراده بالراحة. أخبر كرازاي الأطفال عن قصته المفضلة قبل النوم عندما كان طفلا، وما يتذكره من أيام دراسته الابتدائية والألعاب التي شعر بالفرح وهو يلعبها، وعدد الدول التي زارها.
كان الأطفال غاية في اللطف والجمال، وبدا الارتياح على كرازاي، إلى أن سألته طفلة ما هو أكثر ما يعجبه لكونه رئيسا. ساد صمت طويل. بدا وكأنه نسي أين هو موجود. اسودّ وجهه وبدأ الكبار في الغرفة يتبادلون نظرات القلق. أخيرا تكلم الرئيس.
«لا شيء»، أجاب كرازاي.
عندما أبدأ التفكير بالانتخابات المقبلة في أفغانستان والمزمع عقدها في أغسطس/ آب 2009، أتذكر أحيانا تلك اللحظة.
عند العودة بالذاكرة إلى الوراء، نرى أن العام 2003 كان عام سعادة وإيجابية بالنسبة لكرازاي. كان العالم ومواطنوه مازالوا يحبونه. كانت حتى الأسئلة الصعبة التي يطرحها المشرّعون الأميركيون يُقصد بها فهم مدى المشكلة وإيجاد سبيل لمساعدة أفغانستان وليس إحراجه.
يقف كرازاي اليوم متهما بتحمّل اشتراك أخويه في أعمال فساد ضخمة وبتجارة المخدرات، وبالتذبذب وعدم الكفاءة.
لدى العديد من الدول تواريخ عاصفة. إلا أن أفغانستان استثنائية في سجلّها الحافل بتبجيل القادة في البداية ثم الانقلاب عليهم بوحشية.
في ذلك اليوم المثلج في واشنطن كان كرازاي لا يزال حبيب العالم. في وطنه كان يعتبر الحاكم المطلق.
حكم أفغانستان، باستثناء كرازاي تسعة وعشرون فردا منذ العام 1700. لم يكمل من هؤلاء فترة حكمه سوى أربعة ماتوا ميتة طبيعية. أما الآخرون فقد جرى قلبهم عن الحكم أو اغتيالهم أو سجنهم أو قتلهم أو نفيهم بعد الإطاحة بهم، أو شنقهم أو ضربهم حتى الموت، وهكذا.
تظهر الصور والرسومات هؤلاء الملوك والرؤساء وهم في أوج عظمتهم، لكل منهم طلعته البهيّة وفخره وعيناه الذكية وذقونهم المرتفعة إلى الأعلى. كان بعضهم تقليديين. قضى آخرون أوقاتا في الخارج وعادوا بما يظنون أنها أفكار جديدة قوية من أجل الإصلاح والتقدم. بغض النظر، جرى في البدء تكريمهم ثم كرههم وبالنهاية تحطيمهم.
يحتاج الشعب الأفغاني اليوم للعديد من الأمور، كالأمن والكهرباء والمستشفيات وبدائل زراعة الخشخاش.
اعترف، بعد النظر إلى تاريخهم، أن ما يحتاجونه كذلك هو شيء نشير إليه بـ «احترام المنصب». *مديرة مشاركة لمبادرة الاستراتيجيات البديلة بمؤسسة راند وقد عملت بشكل واسع في أفغانستان، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2390 - الأحد 22 مارس 2009م الموافق 25 ربيع الاول 1430هـ