الاستعجال ولعله التهاون ببعض الأبجديات هو ما يميز عدد لا بأس به من الأفلام القصيرة التي قدمها الشباب البحريني عبر السنوات القليلة الماضية. العمل السينمائي، وإن كان فيلماً قصيراً قد لا تتجاوز مدته الربع ساعة، لا يحتمل أي عجلة أو سرعة أو «تهور». أي قرار تتضمنه العملية السينمائية، سواء كان يتعلق باختيار الفكرة أم بكتابة السيناريو أم بتحديد الرؤية الإخراجية وصولاً لكل الأمور والتفاصيل الفنية الدقيقة، يستلزم كثيراً من التأني والتأمل، سعة في الصدر والرؤية، عمق الرؤية، كثيراً من التفكير، شيئاً غير قليل من الذكاء والحدة وربما فائضاً من الحب والشغف والعواطف الجياشة.
لعل شيئاً من هذا يميز محمد راشد بوعلي، على الأخص التأني وتقديم الأمور بعد أن تكون قد نضجت دراسة وتمحيصاً وتحليلاً. بالطبع لا يزال محمد في بداياته ولا تزال أفكاره تمر بطور التبلور والنضج بل ربما كانت في مراحلها الأولى. كذلك لا يزال يعمل جاهداً ويجد ويجتهد في صناعة اسمه، لكنه والحق يقال، وكما يشهد له كثير من المختصين، على الأقل ممن التقيت ودار معهم حوار حوله، فقد تمكن بوعلي من أن يخط اسمه بحروف ليست من ذهب ولا فضة ولا برونز لكي لا أتهم بالتحيز، لكنها حروف مشرقة زاهية الألوان تبشر بمخرج واعد ذي رؤية مستقلة يستحق من البحرين شيئاً من الدعم والالتفات.
محمد لا يفعل الكثير لكنه يعطي كثيراً من التركيز، يقف في زاوية مختلفة، سينمائية أكثر من كونها تلفزيونية، فنية أكثر من كونها تجارية. يتفرج على الكثير من الأفلام، ينظر بعين ناقدة لا متفرجة، كما يقول أمين صالح، يميز بين الغث والسمين، يهوى السينما فناً لا تجارة. من البحرين يقف موقفاً بحرينياً أصيلاً، يحب البحرين بروحها الحقيقية، يقدمها دون رتوش أو تزييف، لا تلعب بنفسه الأهواء ولا الظنون ولا تحركه الهواجس والأوهام. يعلم أن المباشرة ليست سوى فن الضعفاء حين يتعلق الأمر بعمل سينمائي. يعلم أيضاً أن هموم البحرين تتلخص في هموم رجل الشارع البسيط في أي بقعة من بقع العالم. يقول إن السينما الإيرانية هي النموذج الذي يحتذي به، ويصدق حين يقدم أعمالاً هي غاية في البساطة والعمق في آن واحد، غاية في الصدق في نقل صورة البحرين، البحرين كما نعرف ونراها، تماماً كما تفعل السينما الإيرانية.
محمد بوعلي، ليس وحيداً في نظرته الشفافة الحادة تلك، كثيرون غيره من الشباب يحملون الرؤية ذاتها و سعة الأفق ذاتها وما أكتبه ليس تحيزاً لبوعلي، هو تسليط للضوء على طاقة بحرينية تستحق منا كل تشجيع ودعم. الكتابة اليوم عن محمد ليست سوى أول الطريق، وهي تتضمن وعداً بمواصلة الكتابة عن طاقات بحرينية أخرى يتوجب علينا جميعاً الوقوف معها.
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 2841 - الأربعاء 16 يونيو 2010م الموافق 03 رجب 1431هـ
البحرين بلد وأد الطاقات
الإبداع هو محط أنظار دول العالم المتقدمة ترعاه بكل ما أوتيت ولكن في البحرين هو بلد لقتل كل طاقات الإبداع.
بوعلي
محمد بوعلي، ليس وحيداً في نظرته الشفافة الحادة تلك، كثيرون غيره من الشباب يحملون الرؤية ذاتها و سعة الأفق ذاتها وما أكتبه ليس تحيزاً لبوعلي، هو تسليط للضوء على طاقة بحرينية تستحق منا كل تشجيع ودعم. الكتابة اليوم عن محمد ليست سوى أول الطريق، وهي تتضمن وعداً بمواصلة الكتابة عن طاقات بحرينية أخرى يتوجب علينا جميعاً الوقوف معها.