العدد 2840 - الثلثاء 15 يونيو 2010م الموافق 02 رجب 1431هـ

263 ألف جندي جريح و100 ألف آخرون تلقوا علاجات نفسية

حرب الثلاثة تريليونات دولار (4)

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الحلقة الرابعة من قراءة كتاب «حرب التريليونات دولار»، نسلّط الضوء على أحد أكثر عناوين الحرب جدلاً وهو حجم الأضرار التي تكبدتها المؤسسة العسكرية الأميركية فيما يتعلّق بالعنصر البشري. وآلية تقديم المعونات الطبيّة والعلاجية للمصابين. وأيضاً تلك الأكلاف الغائبة عن جردة الحساب والتي عادة ما تكون مستترة بين ثنايا التضميدات الطبية والتأمينية والشخصية للجنود.

الإحصائيات المتوافرة حول أعداد الجرحى مهولة جداً. فأكثر من 263 ألف جندي تلقوا علاجات عضوية. و100 ألف جندي عُولجوا لأسباب نفسية. و52 ألف جندي تعرّضوا لضغوط عصبية. و185 ألفاً كان عليهم الدخول في برامج «إعادة التكيُّف». وبعد أربع سنوات على الحرب كان أكثر من 224 ألف جندي قد تقدموا بطلبات تفيد بأنهم عاجزون، بعضهم بسبب العَمى، والحروق الشديدة وتلف في العمود الفقري وبتر في الأعضاء وغيرها من الحالات الخطيرة. في المُحصّلة فإن الولايات المتحدة ستدفع لكلّ أولئك ما بين 299 و372 مليار دولار (حسب النظامَيْن المتّبعيْن في البحث) من دون أن يشمل ذلك بعض الامتيازات الأخرى الخاصة بالورثة.

إن العدد المهول من الإصابات لا يُدلّل على قسوة المعركة الدائرة في العراق وأفغانستان فقط، وإنما على «مدى العجز» الذي يتورّط فيه أقوى جيش على وجه الأرض، ضد «أقل الوسائل» تقدماً في المجال العسكري. وهو يُعيد منظومة الدفاع سواء إذا كانت «صلبة» أو «مرتخية» إلى معادلة حديثة/ قديمة تقول: بأن أحدث الوسائل والتقنيات، يُمكن أن تتحايل عليها أكثر الوسائل بدائية وتخطيطاً لعدم تناسب طول وعُمق تلك الوسائل في التحدّي.

ضمن إحصائيات البحث يظهر عجز الجيش الأميركي التام في مواجهة حرب العصابات، أو كيفية التعاطي مع المقاومات المُسلّحة التي يديرها أفراد. فثلثا الإصابات القاتلة هي بسبب العبوات الناسفة والألغام المزروعة على الطرقات والتي تُحدِثُ في العادة «انزياحات ضغطيّة سريعة، أو موجات عصفيّة يُمكنها، أن تُسبب أدى مباشراً للدماغ، مثل الارتجاج المُخّي والكدمات الدّماغيّة والاحتشاء الدّماغي». وهو فشل يتكرّر في الميدان الأفغاني كذلك. لقد بيّنت الإحصائيات بأن واحداً من كلّ أربعة جنود مصابين لا يبقى على قيد الحياة.


جنود عالقون في مواطن الإهمال

رغم تعدّد الإصابات، وتدفّق حالاتها من الميدان إلاّ أن الرعاية الصحية للجنود في الولايات المتحدة غارقة في داء البيروقراطية. وبات على الجنود القادمين من المعارك أن يستعدّوا للدخول في معركة إدارية رتيبة داخل أروقة البنتاغون نحو المصحّات والمستشفيات العسكرية والمستشفيات الخاصة أو تلك التي تقدّمها مصلحة الجنود للمصابين طوال حاجتهم للطبابة.

لك أن تتخيّل أن انتقال جندي مصاب من مركز والتر الطبي العسكري إلى مرافق مصلحة الجنود المُسرّحين يتطلّب ملء استمارة تتكوّن من 23 صفحة، وقد يُعاد الفحص من جديد على الجندي المصاب للوقوف على مدى استحقاقه الخدمات الطبية المتوافرة، وقد يستمر الإجراء ما بين 99 و237 يوماً. حالات كثيرة لم تتمّ حلحلتها إلاّ بتصعيد إعلامي جرى تحريكه في الشارع الأميركي، الذي يُعتبر حسّاساً في مثل هذه الموضوعات.

تحدث هذه الأمور بشكل ممنهج في ظلّ وجود 24 مليون أميركي من قُدامى المُحاربين. 3.5 ملايين منهم يتلقّون تعويضات عن العجز والإعاقة قيمتها 34.5 مليار دولار سنوياً. الأكثر غرابة، أنه وبسبب النظام المحاسبي السيئ في البنتاغون، فقد قامت وزارة الدفاع بملاحقة العديد من الجنود طالبةً منهم تسديد ديون بسبب «فقدان الجندي» سترته الواقية، أو نظارته الليلية أثناء الإصابة في الميدان! يحدث ذلك في ظلّ وجود أكثر من 600 ألف دعوة من الجنود ضد المؤسسة العسكرية لإنهاء ملفاتهم العالقة.

النقطة التي يجب أن يُنتبَه إليها هنا هي صعوبة المواءمة، ما بين كلّ ذلك التعقيد وما بين الاعتمادات التي تطلبها الإدارة الأميركية بحجّة سدّ ثغرات الخدمات الطبية. الموضوع يتّصل بضرورة تطبيق القوانين من جهة، وبمراعاة الموازات المرصودة لذلك من جهة ثانية، وبين ضبط حالات الفساد داخل تلك الموازنات من جهة ثالثة، وبمراعاة حالات الإصابة التي تعتري الجنود الداخليين في معركة «وطنية» لحماية أمن البلاد بحسب الوصف السياسي للقادة السياسيين في الولايات المتحدة من جهة رابعة.

قبل أربع سنوات طلبت مصلحة شئون الجنود اعتماداً طارئاً بقيمة ملياري دولار، بالإضافة إلى 677 مليون دولار، و600 مليون دولار لتصحيح تقديراتها غير الدقيقة، و400 مليون دولار لتغطية الارتفاع المفاجئ في التكاليف. وقبلها بعام كانت المصلحة قد طلبت مليار دولار، وبالتالي فإن الحديث عن بيروقرطية قاتلة وفساد مالي غير بعيد في ظلّ تجارب سابقة في اعتمادات سلطة الائتلاف في العراق أيام بول بريمر وفي ظل نظام محاسي عقيم.


أكلافٌ للحرب لا تدفعها الحكومة

بين ثنايا هذه التكاليف الباهظة يتبيّن أن هناك أكلافاً للحرب غير مرئيّة، وهي في الأساس «خسائر اجتماعية» تُرسي واقعاً مُرّاً يتعلّق بفقدان القوّة العضليّة والذهنية لشريحة كبيرة من الفُتُوَّة الأميركية النابِهة. وهي إلى جانب خسارتها المعنوية، فإن تكاليفها المادية لا تقلّ عن الـ 400 مليار دولار. وفي أمر ذو صِلة، فإن تلك الإعاقة الجسدية التي يُصاب بها الجندي الأميركي هي لا تنتهي عند حدّ الإصابة فقط، وإنما للوازمها أيضاً، من قبِيل توفير تمريض بشري متماثل مع المعاق (أو المصاب) لكي يقوم بعملية الرعاية الشخصية له في المنزل. وهو ما كان يُسمّيه علماء الاقتصاد بـ «قيمة الحياة الإحصائية VSL».

وضمن المسار العلمي لهذه القيمة، فإن تكاليف موت جندي أميركي هي 7.2 ملايين دولار. وإذا كان هناك 4.300 جندي أميركي لقوا حتفهم في العراق، فهذا يعني أن الكلفة الإحصائية لهؤلاء القتلى هي 30 مليار دولار وليس مليارين و15 مليون دولار كما قيل سابقاً! وإذا ما أضيفت إليهم أعداد المتعهّدين فإن المبلغ مُرشّح للوصول إلى 50 مليار دولار. أضِف إليهم أعداد الجنود المصابين بجروح غير قاتلة والذي تصل أعدادعم إلى 65 ألف جندي (العراق/ أفغانستان).


نفقات ليست بالحسبان

قد لا تختلف هذه الإصابات عن تلك المتعلقة بالأمور العضوية. فإذا ما علِمنا بأن واحداً من كل سبعة جنود عائدين من المعارك فإن الأمر يُصبح مدعاة للتأمّل. كما أن وصول نسبة الانتحار إلى 19.9 جندي لكلّ 100 ألف فإن ذلك يعني أنها النسبة الأكبر خلال الست عشرة سنة الأخيرة في صفوف الجيش الأميركي. فالاعتلال النفسي يُؤدي حكماً إلى تردّي الحالة البدنية للجنود. ورغم ذلك فإن فارق التعويض ما بين الاضطراب العضوي والنفسي هو 3.6 ملايين دولار لصالح الأول.

في موضوع الأكلاف غير الظاهرة، تظهر لدينا طريقة انتشار الجيش الأميركي وسُلَّم أولوياته الأمنية والقتالية. فحين ضرب إعصار كاترينا في العام 2005 سواحل الولايات المتحدة الأميركية كان 3000 من الحرس الوطني التابع لولاية لويزيانا و4000 آخرين من ولاية ميسيسيبي منتشرون في العراق، مع العلم أن شدّة رياح الإعصار حين ضرب ولاية لويزيانا كانت 125 ميلاً في الساعة.

كما أن الكوارث التي ضربت ولاية كنساس بعدها بعامين كان الحرس الوطني هناك يعمل بنصف طاقته أو أقل للسبب ذاته. وهو ما أثّر بشكل كبير على عمليات الإغاثة وتقديم المساعدات والتعويضات. كلّ هذه التوابع لا تظهر بشكل أساسي في الموازنات المرصودة، لكنها حتماً تبقى صدى لأزمة احتلال العراق، وتبقى أكلافاً لا تُدفَع من ذات الفاتورة. (للحديث صلة).

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2840 - الثلثاء 15 يونيو 2010م الموافق 02 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 11:57 م

      مشكلة الامريكان في العراق

      بأن أحدث الوسائل والتقنيات، يُمكن أن تتحايل عليها أكثر الوسائل بدائية وتخطيطاً لعدم تناسب طول وعُمق تلك الوسائل في التحدّي.
      هذا باختصار هو مشكلة الامريكان في العراق

    • زائر 1 | 11:07 م

      حسين اوباما

      الله يعين حسين اوباما

اقرأ ايضاً