في اللقاء التشاوري الذي نظّمه الصيادون لإنقاذ مهنة الصيد وحماية الثروة السمكية، حضر نائبٌ وفاقيٌ واحدٌ (فقط)، ونائبٌ سابقٌ، وصحافيٌ واحد، إلى جانب عشرات المتهمين بالشأن العام من الجمعيات السياسية والحقوقية والبيئية.

اللقاء عقد في فرضة المحرق، وغاب عنه نواب «الاصالة» و «المنبر» والمستقلون، رغم انفضاض المجلس وكونه يوم إجازة أسبوعية، ما يعطينا مؤشراً على درجة التهاون بالقضايا الوطنية الصارخة. فاختفاء الثروة السمكية ليس بالقضية التي تحتمل مثل هذا الغياب، فضلاً عن خروج ألفي بحار إلى أرصفة البطالة وما ستعانيه أسرهم من معاناة.

في التغطية التي بثها تلفزيون البحرين قبل ثلاث ليال للعائدين من الاحتجاز في قطر الشقيقة، اكتشفنا أن من بينهم طلاباً جامعيين يعملون في البحر أيضاً لمساعدة عوائلهم، وهي نماذجٌ مشرّفةٌ تستحق كل التقدير والإجلال... وحسناً بادرت الجامعة إلى الإعلان عن تسهيل تقديمهم الامتحانات.

الضرر الواقع على هؤلاء المكافحين لا يقتصر على منطقةٍ دون أخرى، فهم موزّعون على مختلف المناطق، فالصيد مهنةٌ تقليديةٌ تعاطاها البحريني في المياه الضحلة لهذا الأرخبيل من الجزر، كما ركب المياه العميقة بحثاً عن اللؤلؤ منذ أقدم الأزمان. وفي اللقاء الأخير كان واضحاً من اللهجات أنهم يمثلون مختلف المناطق، فالضرر الذي سببه الدفان وتدمير مناطق الصيد ومخالفة قوانين الصيد وسطوة المتنفذين... شمل جزر المحرق وسترة والنبيه صالح... فضلاً عن الجزيرة الأم والفشوت. ومن هنا كانت الدعوة واضحةً لتبنّي مشروع وطني لإنقاذ مهنة الصيد والعمل على استنقاذ الثروة السمكية التي تواجه خطر الزوال.

من الحلول المطروحة رسمياً، إقامة جزر وشعاب مرجانية اصطناعية، وهو حلٌ يمكن تطبيقه في الأوضاع العادية كما فعلت دول الجوار، ولكنه يصبح أكثر إلحاحاً عندما يصبح المخزون السمكي صفراً، فذلك يحتاج إلى إعلان حالة طوارئ، ونخشى أن إقامة مثل هذه الجزر لن يكون كافياً لتعويض الـ 94 في المئة من الموائل والبيئة البحرية الحاضنة للأسماك التي تعرضت للتدمير.

إنها حالةٌ تحتاج إلى استنفار جميع الأطراف الحكومية والأهلية، فلم يبق من الخمسمئة نوع من الأسماك إلا أربعين نوعاً فقط. وإذا تحقّقت تلك النبوءة المشؤومة باختفاء الأسماك كلياً خلال سنوات قليلة، فستستورد البحرين الأسماك لأول مرةٍ في تاريخها، بعدما كانت تصدّر بعضها إلى دول الجوار.

السياسات الحكومية مسئولةٌ عن تدهور الثروة السمكية، بسبب التساهل في تطبيق القانون لحمايتها والتفريط بالسواحل ومنح الرخص المفتوحة وعمليات الدفان الواسعة لصالح فئات محدودة على حساب المصلحة الوطنية. وهي الآن تبدو مرتبكةً في تعاطيها مع قضية الصيادين المعتقلين بالخارج، فيلقي بعض المسئولين التبعة على الصيادين يوماً، وفي يوم آخر يلوم من أطلق النار عليهم، دون معالجة الأسباب الجوهرية التي أدت لتدهور هذا القطاع من الاقتصاد الوطني.

في اللقاء التشاوري، اقترح البعض إجراء حوار مع دول الجوار لفتح مجال أكبر أمام حركة الصيادين، وتوقيع مذكرة تفاهم أو تشكيل لجنة مشتركة. والشقّ الأول سبق أن قرأناه في تصريح وزير الداخلية يوم الجمعة الماضي، وهو أمرٌ واردٌ ومعقولٌ بالنسبة إلى العلاقات التي تحكمنا كدولٍ خليجيةٍ في منظومةٍ تعاونيةٍ واحدة. فقديماً كانت البحرين ملجأً للبحارة والغواصين من كلّ دول الجوار، لما تتمتع به من مياهٍ ضحلةٍ وبيئة عملٍ آمنةٍ وانفتاحٍ ينبغي ألا يُقابل في هذا العهد بالرصاص والتعصب والنكران