العدد 2837 - السبت 12 يونيو 2010م الموافق 29 جمادى الآخرة 1431هـ

كأس العالم وترويض أحلامنا

ندى الوادي nada.alwadi [at] alwasatnews.com

.

في كل مرة يطل فيها علينا مونديال كأس العالم، نتحول فجأة وبقدرة قادر إلى شعوب قادرة بحماس على أن تحلم، وتسعى لتحقيق أحلامها، وتصارع من أجل الدفاع عن حلمها ذاك.

تمتلك لعaبة كرة القدم دون غيرها القدرة على أن تقوم كل أربع سنوات بنفضنا نفضة شديدة، تتحرك فيها قدرتنا المعطلة على الحلم، لنوجه طاقة خلاقة نحو أمل بعيد رائع، يتلخص في أن ينال الفريق الذي نشجعه شرف الحصول على كأس العالم.

ولأننا غير قادرين على صناعة حتى الأحلام المحلية، فقد استوردنا أحلامنا الرائعة البعيدة تلك كما نستورد الأحذية والعطور والوجبات السريعة، فقد فصارت أحلامنا الكبرى في هذا الموسم كأس برازيلي، أو إيطالي، أو ألماني، أو فرنسي، أوإنجليزي، أو أرجنتيني أو غيرها.

في البحرين مثلاً، لم يخفف عدم تأهل منتخبنا الوطني أو أي منتخب خليجي إلى نهائيات كأس العالم من حدّة الاستعدادات التي جرت على قدم وساق لاستقبال هذا الحدث العالمي، فقد ملأت الشاشات الكبيرة المجمعات التجارية والعديد من المقاهي التي ستقوم بعرض مباريات كأس العالم لروادها.

وعلى امتداد أكثر من شهر سنشهد حالة استنفار عامة، وستؤجل الملفات السياسية والاجتماعية قليلاً حتى يتحدد حامل الكأس الجديد. على امتداد أكثر من شهر ستتغير الاختلافات والرؤى، ولن يعود الصراع الانتخابي أو اختلاف التيارات السياسية حاضراً بنفس القوة، إذ ستغطي الساحة اختلافات جديدة قائمة على الولاءات للفرق الكبرى، فمؤيدو الفريق الألماني مثلاً سيعتبرون مؤيدي الفريق البرازيلي هم خصومهم الحقيقيون، ومؤيدو الفريق الإيطالي سيرون في مؤيدي الفريق الهولندي عدوهم الأوحد، والعكس صحيح.

لطالما كانت الرياضة قادرة على اختراق الحواجز السياسية والطبيعية، وردم الفجوات الاجتماعية والدينية والعرقية، تلك الفجوات التي يصعب ردمها عبر أي طريق آخر، فأثناء المباراة، لا يمكن الحديث بأي لغة أخرى غير لغة الكرة. لم يؤمن بهذا الأمر شخص أكثر من المناضل الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا، الذي تستضيف بلاده كأس العالم هذا العام محققة حلمه، وكأنها توجه جرعات غير مباشرة لشعوبنا التي تحتاج أن تتمرن على أن تحلم.

يلقي مونديال كأس العالم هذا العام الضوء على جنوب إفريقيا، التي يعاني ربع سكانها من البطالة، ويعيش ثلثاهم تحت خط الفقر، ويرزح نحو 49 مليون منهم تحت وطأة مرض الإيدز. لم تمنع كل هذه العوامل الشعب الجنوب إفريقي من الاحتفال بالمناسبة التي تقام لأول مرة منذ ثمانين عاماً على أرض إفريقية. ولم تمنع الإحصائيات التي تقول بأن 50 شخصاً يذهب ضحية لجرائم القتل يومياً في جنوب إفريقيا أكثر من 400 ألف زائر ذهبوا ويتوقع أن يذهبوا لمتابعة المباريات العالمية، في بلد تمتلك رغم فقر كثير من مناطقها أجمل مناظر العالم.

وكأن الشعب الجنوب إفريقي الذي خاض تاريخاً طويلاً من القهر والاستبداد السياسي والعنصري، ومر في مراحل غير مسبوقة من الإنصاف والعدالة والمصالحة، يرسل رسالة حب وحلم للعالم، ويعلمهم ويتعلم معهم دون أن يدري فن الغفران.

تلك هي الرسالة التي لابد أن تصلك وأنت تقرأ عن هذا المونديال الذي تستضيفه اليوم بلد، كانت منذ عشرين عاماً ممنوعة من استضافة أي رياضة عالمية بسبب ممارستها للعنصرية، لقد كان حلماً بعيد المنال، لكنه تحقق.

«ما يجب أن تقوم به في بلدك هو أن تخلق الفرصة لكل طفل صغير في أن يحلم، وأن يحقق حلمه، والرياضة هي الحلم الذي يمكن أن يصبح يوماً حقيقة». هذا ما يقوله ويؤمن به المنظم الجنوب إفريقي للمونديال. ولعل دعواه تلك مفيدة جداً في زمن اغتالت الإحباطات فيه أحلامنا، فأصبح كأس العالم رمزاً ليس لرياضة جسدية فقط، بل ترويضاً لقدرة الشعوب على الحلم، حتى لو كانت أحلامها مستوردة، فلعلها تتمرن على صناعة أحلامها الخاصة والمحلية يوماً وتحقيقها، مثلما حصل مع جنوب إفريقيا

إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"

العدد 2837 - السبت 12 يونيو 2010م الموافق 29 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 2:58 ص

      حلو يا ندى - لكن هل هناك امل ان نتعلم الدرس ونصنع حلم محلي

      «ما يجب أن تقوم به في بلدك هو أن تخلق الفرصة لكل طفل صغير في أن يحلم، وأن يحقق حلمه، والرياضة هي الحلم الذي يمكن أن يصبح يوماً حقيقة». هذا ما يقوله ويؤمن به المنظم الجنوب إفريقي للمونديال. ولعل دعواه تلك مفيدة جداً في زمن اغتالت الإحباطات فيه أحلامنا، فأصبح كأس العالم رمزاً ليس لرياضة جسدية فقط، بل ترويضاً لقدرة الشعوب على الحلم، حتى لو كانت أحلامها مستوردة، فلعلها تتمرن على صناعة أحلامها الخاصة والمحلية يوماً وتحقيقها، مثلما حصل مع جنوب إفريقيا

    • زائر 3 | 2:28 ص

      تصحيح من الكاتبة

      إلى الزائر رقم (2)
      شكراً جزيلاً للتنويه، والصحيح أن أكثر من 5 ملايين من سكان جنوب أفريقياً يرزحون تحت وطأة مرض الأيدز.

    • زائر 2 | 1:25 ص

      تساؤل مشروع

      الحين الشعب الجنوب أفريقي كله على بعضه 49,320,500 نسمة
      و49 مليون يرزحون تحت مرض الأيدز !!!
      من اللي بقى بعد !؟!؟!؟!؟!؟!

    • زائر 1 | 1:17 ص

      علاوي الوردة

      احسنتي اخت ندى على هذا الطرح الجميل لهذا الحدث الرياضي الكبير
      وفعلا احلامنا الموندياليه تنسينا احلامنا الوطنيه وهذا اعتقد هو سر تشجيع
      حكومات العالم لهذة النوعية من الاحداث....ببلدي اختي الكريمه حتى احلامنا
      الرياضيه مبدده والدليل جولة واحدة لاندية معظم قرى البحرين لتشاهدي شئ
      يسمى ( خرائب ) وليست اندية....ناهيك على افتقارها لاقل القليل من مستلزمات
      ترتقي بالشباب يمارسوا شتى انواع مواهبهم المدفونه.....حتى بالرياضة طائفيه

اقرأ ايضاً