العدد 2837 - السبت 12 يونيو 2010م الموافق 29 جمادى الآخرة 1431هـ

موسى في غزة: زيارة متأخرة... في ظروف غير مواتية (2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من أجل التذكير فحسب، نسترجع بشكل مقتضب أهداف زيارة عمرو، وهي «دفع عجلة مباحثات الصلح بين حماس والسلطة نحو الأمام، وكسر الحصار». بالنسبة للهدف الأول تكفي الإشارة إلى ترحيب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل الذي يقوم بزيارة خاصة للسودان للتهنئة بنتائج الانتخابات فيها، بأي «جهد عربي يسهم في تذليل العقبات أمام المصالحة الفلسطينية»، مرحباً بالمبادرة «السودانية بشأن المصالحة بين حركتي (فتح وحماس)... مثمناً جهود السودان في دعم القضية الفلسطينية». وتحاشى مشعل التقليل من أهمية زيارة عمرو المرتقبة، فأكد في مؤتمر صحافي بالخرطوم «أنه لا يريد أن يكون الجهد السوداني في هذا الإطار بديلاً عن الدور المصري، بل متمماً له». وكما هو معروف، فإن القاهرة، تقف بقوة وراء هذه الزيارة، التي تحاول مصر أن تجير نتائجها لصالح سياساتها الداخلية والخارجية على حد سواء.

هذا على المستوى الفلسطيني المحض، أما على المستوى الدولي، فهناك اللقاء الذي تم بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ونظيره الأميركي باراك أوباما، خلال زيارة الأول لواشنطن، وتصريح هذا الأخير «عن مبادرات أميركية جديدة لمساعدة الضفة الغربية وقطاع غزة»، مع توقعات مقربة من البيت الأبيض عن عزم أوباما على إثارة «قضية المحادثات المباشرة في لقائه المرتقب خلال الأسابيع المقبلة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي سيعلن عن موعد جديد له».

وفي كلمته التي ألقاها بحضور عباس بعد لقائهما، قال أوباما «من الواضح أنه لايزال أمامنا الكثير من العمل الواجب القيام به كي نتمكن من تحقيق حل الدولتين في الشرق الأوسط، ولكي تكون طبقاً لذلك إسرائيل آمنة ومقبولة بالكامل من جانب جيرانها، ويكون للشعب الفلسطيني دولته الخاصة به، مع الحرية في تقرير المصير والقدرة على تخطيط مصيره الخاص».

تتضاعف أهمية الموقف السياسي الأميركي عندما يقرن بالمساعدات المالية التي تعهدت واشنطن بتقديمها للسلطة الفلسطينية، والتي حصرها بيان صحافي صدر رسمياً من البيت الأبيض، لخص تلك المساعدات في «نحو 400 مليون دولار من المبادرات والالتزامات للضفة الغربية وقطاع غزة، والتي من شأنها أن تساعد في زيادة فرص الحصول على مياه الشرب النقية، وتوفير فرص للعمل، وبناء المدارس، والتوسع في توفير المساكن بأسعار ميسورة ومعقولة، وتلبية الاحتياجات الصحية الأساسية والبنية التحتية».

على نحو مواز للموقف الأميركي، كان هناك الموقف الأوروبي، سواء الموقف الجماعي كما عبرت عنه تصريحات الكتلة الأوروبية، وتجسدت في تصريحات مجموعة من النواب الأوروبيين في أعقاب زيارة قاموا بها لقطاع غزة، شددوا فيها على أن «الحالة الإنسانية المزعجة والمتدهورة (في القطاع) تدعو إلى إنهاء فوري وشامل ودائم للحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، منذ ثلاث سنوات»، أو الدول الأوروبية، كل واحدة منها على حدة، والتي تجلت في أفضل صورها في الموقف السويدي الذي جاء على لسان وزير خارجيتها كارل بيلت عندما وصف سياسة الدولة العبرانية وحصارها غزة بـ «الخرقاء وتغذي التطرف وتنتج متطرفين، وتساهم أيضاً في عزل إسرائيل، إلى جانب كونها مهينة ومذلة لأناس أبرياء». أما النائب اليساري السويدي هانس ليندي فوجدناه يحذر من أنه «إذا لم يتحرك المجتمع الدولي الآن فإن ذلك سيعرض القانون الدولي لخطر انتقاص كامل لقيمته».

وكعادتها، لم تستطع باريس أن تتخلف عن الركب، فأعلنت فرنسا أنها لاتزال «تشعر بالقلق إزاء الوضع الإنساني في قطاع غزة وتطالب (إسرائيل) برفع الحصار فوراً عن القطاع مع اقتراب وصول قافلة مساعدات دولية قبالة ساحل غزة». كما طالب المتحدث باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو في مؤتمر صحافي «إسرائيل برفع الحصار دون تأخير والتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 1860».

لن ندخل هنا في جدل بيزنطي بشأن مدى مصداقية الموقف الأميركي، أو جدية الموقف الأوروبي؛ لأن ذلك سيدخلنا في نقاشات عقيمة، توصلنا، وبنفس المنطق، إلى التشكيك في مصداقية زيارة عمرو ذاتها، بل ومدى قدرته على تنفيذ أي مما سوف يعلن عن التزامه به أثناء تلك الزيارة المرتقبة. لذا سنقف عند حدود التصريحات، مفترضين حسن النوايا عند الجميع، باستثناء تل أبيب، بطبيعة الحال.

إذاً، لم تأت الزيارة متأخرة فحسب، بل إنها جاءت في ظروف غير مواتية للجامعة العربية، نظراً لأن نتائجها ستتلاشى وسط هذا الموقف المتقدم عليها فلسطينياً وعالمياً. وفي وقت يتزاحم فيه الكثير من الدول والمؤسسات العالمية، من أجل التعبير عن تأييدهم لمواقف غزة، وشجبهم للسياسة «الإسرائيلية» الرعناء، تفقد خطوة من مستوى هذه الزيارة الكثير من قيمتها إن لم نذهب إلى أبعد كي نقول مبرراتها.

ترى ما الذي دفع عمرو كي يقوم بالزيارة وفي هذا الوقت بالذات؟

من وجهة نظرنا، نعتقد أن هناك دافعين رئيسيين يقفان وراء هذه الزيارة:

الأول، دولي، مصدره ذلك الزخم المؤيد المتزايد الذي انتزعته غزة، نظراً لصمود شعبها، بغض النظر عن كل ما يقال عن «فساد» السلطة، أو «إرهاب» حماس.

لقد أثبتت غزة، مرة بعد مرة، أن الإرهاب «الإسرائيلي»، لن يستطيع أن يفقد الفلسطينيين إيمانهم بعدالة قضيتهم، وحتمية انتصارها، مهما كان ثمن ذلك الإيمان باهضاً.

الثاني، عربي، مصدره مصر التي لم تعد ظروفها الداخلية، ولا علاقاتها الخارجية، تسمح لها بالاستمرار في إغلاق المعابر، وطالما أن فتح المعابر، هكذا، ودون أية مقدمات، قد يشكل بعض الإحراج للدولة المصرية، فليس هناك شمسية أفضل من جامعة الدول العربية للاحتماء بظلها من لهيب المعارضة الداخلية، ولفح الاستياء الدولي.

لذا لا نتوقع أن تخرج الزيارة بنتائج أكثر من بعض اللقاءات الداخلية، للحديث عن استمرار دوران محرك مساعي المصالحة، وبعض التصريحات الصحافية النارية التي تضفي على الزيارة بعض الأهمية الخارجية الشكلية

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2837 - السبت 12 يونيو 2010م الموافق 29 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:21 ص

      مثلما سيشرق فجر الإسلام من الغرب بعدما استغربت لغة القرآن الكريم ... الله يحفظ الأمة العربية والإسلامية من كيد الكائدين

      لا تأسفنّ على غدر الزمان لطالما رقصت على جثث الأسـود كلابُ
      لا تحسبنّ برقصـها تعلـو على أسيادها فالاسدُ أسدٌ والكلابُ كلابُ
      تبقى الأسود مخيفةً في أسـرها حتى وإن نبحتْ عليها كـــلابُ وعذرا للأخوة الشرفاء.. مع تحيات Nadaly Ahmed

اقرأ ايضاً