العدد 2837 - السبت 12 يونيو 2010م الموافق 29 جمادى الآخرة 1431هـ

سيناريوهات ما بعد أسطول الحرية

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

الدول والقيادات الرشيدة تعتمد عادة مبدأ السيناريوهات المحتملة وترسم الخطط الإستراتيجية وفقاً للسيناريوهات المتوقعة لتطور الأحداث وتداعياتها فإذا حدث سيناريو لم تتوقعه يمكنها وضع سبل مواجهته والتعامل معه بطريقة سهلة لأنه عادة ما يكون توليفة من السيناريوهات العديدة التي وضعتها خاصة إذا كان لديها خبراء يعملون وفقاً للمنهج العلمي. أما الدول والقيادات التي تواجه الموقف بسيناريو واحد فإذا فوجئت بموقف أو رد فعل مختلف يعتريها الارتباك وتبدأ في إلقاء التهم جزافاً علي الآخرين لأنهم إما لم يقفوا معها وإما لأن الخصوم أو الأعداء لم يسيروا في رد فعلهم وفقاً لما وضعته من تصورات محدودة وغير علمية وغير واقعية. والآن نتساءل ماذا بعد أسطول الحرية وما حدث له؟ وما هي التصورات أو الاحتمالات المطروحة على الساحة؟

وهنا يمكن رصد ثمانية سيناريوهات محتملة كالتالي:

- السيناريو الأول: تحرك عربي بسحب مبادرة السلام. وهذه تظهر العرب أكثر جدية، وأكثر يأساً من التلاعب الإسرائيلي، والتباطؤ الأميركي والدولي.

ولكنها ستعطي إسرائيل أحسن فرصة لتعزيز دعايتها بأن العرب يناورون بالسلام والمبادرة وأنهم لا يرغبون في ذلك حقيقة.

- السيناريو الثاني: عودة الروح والحياة لحركة إيران وحزب الله وحماس وسوريا بفتح الحدود السورية في الجولان لتحريرها عبر المقاومة الشعبية، وفي لبنان لتحرير مزارع شبعا. وحركة حماس لفتح الحدود عنوة مع إسرائيل والتي هي قوة احتلال للأراضي الفلسطينية.

وهذا احتمال أنه قد يؤدي إلى إشعال حرب أو يستدعي رد فعل إسرائيلي قوي، لا ترغب فيه هذه الدول.

- السيناريو الثالث: قرار عربي وإسلامي بما في ذلك إيران وتركيا ودول الخليج للقيام بعمل اقتصادي سلمي يشمل:

- وقف التعاون والانسحاب من الناتو (تركيا).

- سحب الأموال العربية من بنوك أوروبا وأميركا.

- سحب الأموال العربية والإسلامية من دول صديقة في آسيا وأوروبا للتأثير على مواقفهم.

- وقف التعاملات الاقتصادية والتجارية مع أميركا وأوروبا.

- تخفيض تدفقات النفط والغاز وبخاصة للدول التي تعارض القضايا العربية أو الدول التي لا تأخذ مواقف واضحة لتأييد الحقوق الفلسطينية.

هذا السيناريو يعني حرباً اقتصادية حقيقية ذات أبعاد عالمية، ويؤثر على مواقف معظم دول العالم، ولكنه يعني أيضاً التأثير على المصالح العربية، ولكن بما أن القلب العربي أصبح ضعيفاً، وكذلك الإرادة العربية والإسلامية، مع استثناء الشعارات الجوفاء، فإن مثل هذا السيناريو لن يحدث.

- السيناريو الرابع: الضغط العربي والإسلامي على الفصائل الفلسطينية للمصالحة على أساس العودة للشعب وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة لانتهاء مدة الرئيس والمجلس النيابي دون أية شروط تحت إشراف الأمم المتحدة حتى لا تتأثر الجماهير وتقع تحت تهديد السلاح الفلسطيني لإرهاب المواطن، أو منطق الإيديولوجية. مع رصد أية تجاوزات من قبل الأطراف الفلسطينية بواسطة الأمم المتحدة.

- السيناريو الخامس: القبول باستخدام أسلوب المساعدات الإنسانية الراهن، وتكراره وطلب رقابة دولية أو راية دولية لحماية ذلك، وهذا ممكن حدوثه ويؤدي إلى أربع نتائج:

1- مزيد من إضعاف صورة إسرائيل لدى الرأي العام العالمي كشف صورتها المغلوطة التي تقدمها لدى أوروبا وأميركا، بل ولدى يهود العالم بأنها معقل الديمقراطية والإنسانية.

2- تسليط الضوء على الاحتلال المستمر والحصار الفعلي منذ العام 1973 على الأراضي الفلسطينية بما في ذلك الحصار الراهن على غزة.

3- حفز القوى الدولية على التحرك من أجل الضغط على إسرائيل.

4- إرباك إسرائيل داخلياً بإشغالها بالتعامل مع كل سفينة جديدة، والقادمين عليها من المنظمات والشخصيات، وتحويل المعونات عن طريقها إلى غزة.

هذا الأسلوب من أفضل المتاح، ولكن يرد عليه تحفظات كالآتي:

1- مدى إمكانية الاستمرار لفترة طويلة في هذا العمل.

2- قيام إسرائيل بحملة سياسية وإعلامية مضادة.

3- مدى قدرة الدول المساندة لذلك خاصة تركيا على مواصلة موقفها الراهن، عندما يظهر للعيان مدى عمق العلاقة الإستراتيجية التركية الإسرائيلية وتبدأ إسرائيل وأنصارها ممارسة الضغط على تركيا.

4- مدى تدخل قوى أخرى لتحويل العمل الإنساني إلى عمل سياسي، لمصلحة هذه الدولة، أو تلك، بدلاً من تركيزه على فلسطين والفلسطينيين.

5- مدى فعالية تحرك عربي وإسلامي نشط على الساحة الدولية.

6- مدى تجاوب الفصائل الفلسطينية مع أطروحات المصالحة بعيداً عن ارتباطاتها مع قوى دولية أو إقليمية.

- السيناريو السادس: حدوث حراك جماهيري عربي حقيقي بمعنى قيام الجمعيات والأحزاب والقوى المؤيدة لحركة المقاومة بإرسال مقاتلين لمساندة الفلسطينيين عبر الحدود التي لم توقع اتفاقات سلام مع إسرائيل، حيث أن تلك الدول ماتزال قانوناً في حالة حرب، كما أن جزءاً من أراضيها محتلة ولا يستطيع أحد قانوناً أن يعترض على ذلك.

- السيناريو السابع: قيام الدول العربية بتحرك عملي لإثبات تخليها عن خيار السلام أو على الأقل عدم اقتصار مواقفها على خيار السلام وحده، بل جعل الخيارات كافة مطروحة على الطاولة، ويتحقق ذلك عبر خطوات ملموسة ومنها:

1- تطوير صناعة عسكرية عربية متقدمة، أو مساندة الصناعات الحربية في الدول التي لديها مثل هذه الصناعات.

2- القيام بمناورات عسكرية مشتركة بين الدول العربية.

3- إحداث مصالحة عربية حقيقية بعيداً عن الشعارات والمزاج الشخصي لبعض القادة العرب الباحثين عن الزعامة.

4- تجميد العرب لعضويتهم في معاهدة منع الانتشار النووي، ما لم يتم انضمام إسرائيل، وقيام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش على مفاعلاتها النووية وإخضاعها للضمانات الدولية.

5- التهديد بتجميد العلاقات مع الدول المساندة لإسرائيل ما لم تمارس ضغوطاً حقيقية عليها.

6- وقف تعاملها مع مبادرات الناتو (مبادرة اسطنبول 2004) مبادرة البحر المتوسط، وكذلك المبادرات الأوروبية مع شمال إفريقيا وغيرها، بحيث يشعر العالم بأن العرب جادون، وأن الجميع يشارك ولو بالحد الأدنى من إمكانياته.

7- التخلي عن منطق (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون) «سورة المائدة، الآية 24»، والتخلي عن منطق الاتهامات والشتائم والمهاترات وادعاء البطولات غير الحقيقية.

هذا السيناريو من المشكوك في إمكانية حدوثه للأسباب المعروفة وهي ضعف الإرادة العربية، وعدم جدية المواقف العربية.

- السيناريو الثامن: استمرار الموقف الراهن كما هو:

انقسام فلسطيني - تشتت عربي - مزايدة من دول عربية وإسلامية - تعنت إسرائيلي - مناورات دولية من أجل السلام - دعاية إسرائيلية سلمية، واستمرار الغطرسة، والاحتلال، والتعنت، والعنف، والحصار، والتدمير الإسرائيلي للأراضي والمزروعات الفلسطينية.

للأسف مثل هذا السيناريو هو الأقرب للحدوث، ولكن له مخاطر كبرى وفي مقدمتها:

1- احتمال اندلاع حرب غير محسوبة، عبر تصرفات بعض القوى العربية الوسيطة، لخدمة أغراضها ودعايتها، أو لخدمة دول غير عربية.

2- احتمال اندلاع حرب يجري التخطيط لها، إقليمياً ودولياً بين إسرائيل وإيران على خلفية البرنامج النووي الإيراني، واتساع المواجهة لدول ومناطق أخرى.

3- احتمال تغير بعض النظم والقيادات السياسية في دول عربية ذات ثقل سياسي وعسكري واقتصادي لاعتبارات ترتبط بإعمار بعض القيادات.

4- احتمال تصاعد الاحتكاكات بين الفلسطينيين في غزة ومصر بسبب التهريب عبر الأنفاق، ومزيد من ارتباط حماس بقوى معادية للمصالح العربية.

وهكذا نجد العديد من السيناريوهات مطروحة والعديد من الاحتمالات قائمة

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2837 - السبت 12 يونيو 2010م الموافق 29 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً