ربما يصبح يوم أمس الأول (الجمعة) (العشرين من مارس 2009)، يوما تاريخيا في ذاكرة المنطقة والعالم أجمع.
ففي هذا اليوم، ألقى الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما، خطابا مهما جدا يعِدُ بإحداث نقلةٍ نوعيةٍ كبيرةٍ في العلاقات بين أميركا وإيران، وما يحمله ذلك من بشائر سلامٍ وطمأنينةٍ للمنطقة، بعد أن ظلّت تحت تهديد انفجار الحرب بين الطرفين لمدة ثماني سنوات في عهد الرئيس جورج بوش.
إن أولى الناس بالارتياح لهذا التطور الإيجابي هم أهل الخليج، شعوبا وحكومات، فهم أول من يدفع ضريبة احتكاك الطرفين على مدى ثلاثين عاما الماضية، والذي تفجّر في ثلاث حروبٍ مدمّرة، كانا فيها طرفين بالأصالة أو بالوكالة. والكل يعرف الآن كلفة تلك الحروب، التي أهدرت طاقات دول المنطقة وأحرقت مواردها المالية واستنزفت موازناتها... من هنا فإن دولنا الخليجية هي الأولى ترحيبا بالانفراجة المرتقبة.
الرئيس الأميركي ألقى صخرة كبيرة في بحر الخلافات المتأزمة، وسيخلق خطابه أمواجا وارتدادات على الكثير من السواحل والشطآن. البعض سيخاف، وبعضٌ سيغار، فيما سينتظر بعضٌ آخر، ولكن المؤكد أنه سيكون في مصلحتنا نحن أبناء شعوب المنطقة، التي اكتوت بنيران حروبٍ كانت تفجّرها كارتلات النفط وشركات الأسلحة.
أوباما كان ذكيا في توجّهه بالخطاب مباشرة إلى شعب وقيادة إيران، مستخدما نبرة هادئة لا تخلو من العاطفية ومحاولة تفهم الطرف الآخر، وهو بذلك قلب المعادلة المتشنجة التي سيطرت منذ أيام جيمي كارتر ورونالد ريغان... إلى جورج بوش.
أوباما استغل عيدا قوميا لدى الإيرانيين، مرتبطا في وجدانهم بمقدم الربيع والسفر وحب الحياة، ليعترف بـ «الشعور الإنساني المشترك الذي يربطنا جميعا»، مسلّما بوجود خلافات جدية، وإن إدارته ملتزمةٌ بدبلوماسيةٍ تعالج كل المشاكل، والبحث عن بديلٍ نزيهٍ مبني على «الاحترام المتبادل». هذا «الاحترام المتبادل» هو الذي قاتل الإيرانيون وهم يبحثون عنه منذ ثلاثين عاما، مذ رفع لهم الخميني شعار «لا شرقية لا غربية»، وكان الكثيرون يسخرون من دعوته المستحيلة في عالم الأقطاب والأطراف التابعة.
أوباما ذهب خطوة أبعد في دغدغة مشاعر الطرف الآخر، فقال إن بلاده تريد أن تأخذ إيران مكانها المناسب في المجتمع الدولي، وأشاد بإنجازاتها «التي نالت احترام الولايات المتحدة والعالم» كما قال. أما إيران فأبدت ترحيبا متحفظا حتى الآن، فهي تنتظر أفعالا لا أقوالا، و«يجب عدم الإفراط في التفاؤل»، وخصوصا أن أوباما نفسه جدّد العقوبات قبل أيام لعامٍ مقبل.
مهما يكن، من الصعب التكهن بمسار العلاقات بعد هذا الخطاب، إلا أننا قد نعيش مرحلة جديدة، مختلفة تماما عما عشناه طوال سنوات حكم المحافظين اليمينيين المتطرفين في عهد بوش. ومن الصعب أكثر تخيّل التغيرات التي ستحدث على ملفاتٍ كثيرة، لعلّ أهمها «حزب الله» و«حماس».
أوباما أسمى خطابه «رسالة النوروز»، واختار أن يبارك للإيرانيين بلغتهم «عيد شما مبارك»، ومع أنها لم تستغرق أكثر من أربع دقائق، إلا أنها قد ترسم مسار العلاقات لأربع سنوات أو أكثر، ليس بين البلدين فحسب، بل في المنطقة والعالم. ولم يكن غريبا الترحيب الأوروبي الكبير، بينما يسود الصمت المنطقة المعنية نفسها، التي أصيبت اقتصاداتها بالصداع بسبب أزمةٍ ماليةٍ وقعت على بعد آلاف الكيلومترات ودون إطلاق قذيفة أو صاروخ. أبعد الله عن هذا الإقليم وأهله شرّ الحروب
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2389 - السبت 21 مارس 2009م الموافق 24 ربيع الاول 1430هـ