العدد 2389 - السبت 21 مارس 2009م الموافق 24 ربيع الاول 1430هـ

إضاءات على زيارتنا لجلالة الملك ضمن وفد المنطقة الشمالية (2)

محمد جعفر شبيب comments [at] alwasatnews.com

كما ذكرت في المقال السابق سأسلط الضوء في هذا المقال على بعض الأمور التي قد تسبب بإحداث شرخ فيما بيننا كبحرينيين على رغم حاجتنا الماسة إلى التلاحم بيننا والعمل سوية للنهوض بالوطن والمساهمة الفعالة في رفعته وتطوره ووضع الأسس المتينة لحماية الأجيال القادمة وصيانة حقوقها.

كغيرنا من المجتمعات في المنطقة نتفاعل مع ما يجري حولنا في العالم ولقد حدثت تطورات جذرية في العالم على جميع الأصعدة سواء الاقتصادية، الثقافية، الاجتماعية، السياسية وغيرها. ولقد أثرت هذه التطورات والتغييرات مباشرة على المجتمع البحريني سلبا أو إيجابا كل بحسب فهمه وتفسيره للأمور وللأسف لم يكن لدينا التخطيط السليم للتفاعل مع هذه الأمور وطرح التصور الخاص بها والتوجيه للاستفادة منه بتعريف ما يلائم بيئتنا ومجتمعنا وأخذ الصالح منها والعمل به وترك الطالح منها وتجنبه بعيدا عن القوانين والتشريعات والفرض مستغلين في ذلك مجتمعنا الصغير في حجمه والكبير في فعله ومضمونه، وقد كان بالإمكان تلافي الكثير من المشكلات والأمور التي واجهناها ومازلنا نواجهها. وسأسلط الضوء هنا على بعض الأمور التي نحتاج أن نفهمها قبل الشروع في اقتراح حل المشكلات ولكن قبل أن نشرع في طرح بعض هذه النقاط أرجو التوضيح بأننا لسنا هنا بصدد إلقاء اللوم على أحد بقدر ما نود أن نبيّن التغييرات التي ساهمت بغير قصد على أبعد تقدير في تفاقم مشكلاتنا الداخلية وجعلها صعبة مستعصية وأحدثت شرخا كبيرا في مجتمعنا في الوقت الذي نحن بأمسّ الحاجة إلى التلاحم والتواد فيما بيننا. وهنا أود أن أشيد بخطبة الشيخ صلاح الجودر في يوم الجمعة 13 مارس/ آذار 2009 والذي ذكر فيها أن الدول تسعى فيما بينها للوحدة ونحن في الداخل نتجه للمزيد من الفرقة والخلاف وأضيف يحدث كل ذلك على رغم أننا بأمسّ الحاجة إلى الوحدة والتلاحم فيما بيننا لأننا جميعا نعيش على قارب واحد وإذا غرق هذا القارب -لا سمح الله- فسيغرق الجميع، لذلك فمن واجبنا الوطني والشرعي والأخلاقي كل في موقعه أن يبذل أقصى ما يستطيع لإنقاذ هذا القارب ولإيصاله إلى بر الأمان وقد يتطلب ذلك بعض التضحيات وبذل ماء الوجه لكي نحلق بمملكتنا الحبيبة عاليا وبأبنائها في ظل هذا الموج المتلاطم حولنا الذي لا يرحم الصغار في طريقه، وخصوصا أولئك المتفرقين جسدا والمتباعدين قلبا وقالبا، وفيما يلي بعض هذه النقاط من وجهة نظرنا:

1 - القفزة الاقتصادية

على رغم التطور الاقتصادي الهائل الذي حدث خلال الأربعة عقود الماضية في العالم وانسحب على البحرين أسوة بسائر الدول التي تأثرت بهذه الطفرة الاقتصادية الهائلة، إلا أننا لم يكن لدينا التخطيط السليم لكيفية التعامل معها بطريقة علمية ومدروسة مستخدمين في ذلك الخبرات اللازمة التي ستساهم لو استفدنا منها جيدا في تحديد الأولويات المطلوبة للبنية التحتية والتي تشمل شبكة المجاري، تمديدات المياه، شبكة المواصلات، الشوارع الحديثة، الكهرباء وغيرها، إلا أننا لا زلنا نعاني منها حتى هذه اللحظة ولسنوات مقبلة وكان بالإمكان التخطيط الجيد لها والعمل على تنفيذها على مراحل، حيث كان بالإمكان توفير المبالغ الطائلة على موازنة الدولة وتعيق تقدمها وازدهارها وتعكس حضارة الإنسان البحريني وتقدمه.

ومن الآثار المترتبة على الطفرة الاقتصادية الزيادات المتلاحقة على الرواتب في البحرين، حيث كان التنافس على أشده بين المؤسسات الخاصة والعامة، وخصوصا بعد مجيء العديد من المصارف للبحرين وقد كانت هذه الفترة تعتبر الفترة الذهبية لحملة الشهادات وأصحاب الخبرة، حيث كانوا يتنقلون من وظيفة إلى أخرى وبرواتب عالية جدا آنذاك، ما اضطر الحكومة إلى أن تقوم بتعديلات كبيرة على الرواتب لوقف نزيف الاستقالات والالتحاق بالقطاع الخاص والتدخل وكبح جماح الزيادات وذلك في أواخر السبعينيات على ما أذكر جيدا. إلا أن ذلك كله حدث بمعزل عن القيام بالدراسات العلمية والإدارية المتعلقة بسياسة الرواتب والتي كان يجب أن تشمل على أهم جزء لتحديد الرواتب وهو التكلفة المعيشية لكل فئة وطبقة تعمل في البحرين بما في ذلك الأجانب على اختلاف مستوياتهم وجنسياتهم ومازالت هذه الدراسة غير موجودة وللأسف. لذلك نرى الاجتهادات المتفرقة والتي تطالب بالزيادات أو تلك التي تبرر عدم الحاجة للزيادات لكن من دون وجود دراسة علمية شاملة تحدد لنا الرواتب.

ولقد كان للطفرة الاقتصادية مردود إيجابي بتوظيف عدد كبير وهائل، إلا أن ذلك التوظيف أنعكس سلبا على الدولة حيث إنه يفوق حاجة الوزارات الحكومية ويزيد من أعبائها المالية من دون مردود مادي يذكر وكان بالإمكان التوجه للمزيد من المصانع المنتجة للاستثمار فيها لتحقيق غرضين مهمين (توظيف البحرينيين والمساهمة في زيادة ودعم الاقتصاد الوطني)، ولدينا أكبر مثال على ذلك «ألبا» وصناعات الألمنيوم التحويلية وكذلك مصنع البتروكيماويات، إلا أنه وللأسف توقف ذلك التطوير ما عدا خطط التوسعة والبرامج الحديثة التي انتهجتها ألبا وبعض الشركات كالدرفلة التي أحدثت تطورا سريعا وكبيرا، حيث ارتفع إنتاج ألبا من 120 ألف طن في بداية السبعينيات حتى وصل الآن إلى أكثر من 830 ألف طن، بالإضافة إلى مصنع التكليس الحديث والوحيد في عموم الشرق الأوسط وطاقة إنتاجية تفوق 2200 ميغاوات ولو أرادت ألبا والحكومة أن تقوم بكل هذا الآن لتطلب ذلك مبالغ طائلة تفوق 12 مليار دولار إن لم يكن أكثر، إلا أن التخطيط السليم والمبرمج الذي انتهجته الحكومة، وإدارة ألبا جعل منها مفخرة الصناعات في الشرق الأوسط وفي العالم وساهم في توظيف عدد كبير من البحرينيين يفوق 3000 وتشغيل عدد كبير من المواطنين بطريقة غير مباشرة كالمقاولين، المزودين وغيرهم.

هنا أود أن أرجع إلى ما قاله جلالة الملك أثناء لقائنا به حيث ركز على الاهتمام بتشغيل الشباب على وجه الخصوص في الأعمال المنتجة والتي لها الأثر البالغ والمباشر على اقتصاد المملكة والمواطنين بالقيام بأعمال ذات فائدة مباشرة حاليا ومستقبلا، وأرجو أن نأخذ توجيهات جلالته بعين الاعتبار والعمل على جلب المصانع ذات الفائدة حاليا ومستقبلا ولا ننسى توسعة ألبا للخط السادس وجعلها في سلم الأولويات والسعي الحثيث لتوفير الطاقة اللازمة أو الغاز لضمان تنفيذ التوسعة، ما لذلك الأثر الكبير على المملكة ككل والسبيل الوحيد لاستيعاب الباحثين عن العمل في مختلف المجالات.

إن لكل ذلك تأثيرات مباشرة إيجابية وسلبية على المواطنين حيث استفاد البعض منها وحرم أو بمعنى أدق لم يحصل البعض الآخر على نصيبه منها وبالطبع فإن ذلك يحدث أثرا في النفس ويتعمق هذا الأثر كلما زادت الفجوة بين المستفيد والمحروم، ما يؤثر سلبا على التعاون البنّاء بين أفراد المجتمع، وخصوصا أننا لم نسعَ إلى معالجته وتركناه يتراكم ويزداد على مر السنين.

2 - التطورات السياسية

أسوة بالتطورات الاقتصادية فلقد واكبتها تطورات سياسية أو ربما سبقتها، حيث التغييرات على مستوى العالم وبالذات في الشرق الأوسط، ومنها قيام الجمهورية الإسلامية وما أعقبتها من حرب مباشرة بين العراق وإيران والتي أحدثت انقساما بين الداعمين معنويا لكل طرف كل من منظورة، وتلت هذه الحرب مباشرة غزو الكويت الذي أحدث شرخا أكبر من السابق، وخصوصا في العلاقات العربية، وحرب الخليج الثانية كما تسمى والنزف الهادر للمال العربي الذي كنا بأمسّ الحاجة إليه للتنمية في بلداننا وهنا لا أقلل من أهميتها لاسترجاع الكويت الحبيبة.

وعودة إلى الداخل السياسي لم نستطع كأفراد ودولة أن ننأى بأنفسنا عمّا يجري حولنا ولم نقم بالتوعية المنطقية والملائمة لاستيعاب ما يحدث حولنا والقيام بالإجراءات اللازمة والمنظمة لتحصين مجتمعنا من آثارها السلبية، آخذين في الاعتبار وجهات النظر المختلفة وتفهمها وقد تزامن ذلك مع وقف العمل بدستور 1973 وما تلت ذلك من أحداث التسعينيات المؤسفة والتي نرجو ألا تعود.

وفي نهاية التسعينيات افتقدنا الأب وقائد مسيرة التطوير الأمير الراحل المغفور له صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه حيث تسلم بعدها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم في المملكة وما تلتها من تطورات سياسية أهمها إطلاق سراح جميع السجناء وإلغاء العمل بقانون أمن الدولة وقد رأينا الفرحة التي تعم البحرين وكيف حمل أهالي سترة سيارة جلالة الملك أثناء زيارته لسترة والفرحة العارمة، ما كان له الأثر الكبير على الوضع السياسي، الاقتصادي والاجتماعي، وكان الجميع يرجو استمرار ذلك لما له الأثر الكبير على المملكة ككل لولا بعض التطورات غير المحببة، ونتمنى أن نعبر هذه الأزمة وبسرعة

إقرأ أيضا لـ "محمد جعفر شبيب"

العدد 2389 - السبت 21 مارس 2009م الموافق 24 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً