العدد 2829 - الجمعة 04 يونيو 2010م الموافق 21 جمادى الآخرة 1431هـ

هموم ديمقراطية يبثها مواطن بحريني بسيط

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يتحرك شريط صور الأحداث السياسية البحريني بشكل سريع ... تحاول عينا المواطن البسيط أن تتابعها لكنها تخفق في رؤية تلك الصور بالوضوح الذي تتمناه. انتخابات البرلمان والمجالس البلدية على الأبواب ..... تعيينات الشورى ومن بعدها مجلس الوزراء ... برامج القوى السياسية المختلفة.... الإحصاء السكاني ونتائجه المعلنة وغير المفصح عنها ..... الملفات الساخنة التي فتحتها دورة المجلس الوطني الأخيرة دون أن تقفلها ... متطلبات المرحلة المقبلة على الصعيدين الداخلي والخارجي .... قائمة طويلة من تلك الصور المتداخلة تسير بسرعة تحرم ذلك المواطن البسيط من قدرة المتابعة، ويعييه اللهث وراءها، أكثر مما أعيته مصاعب رحلة تأمين قوت يومه المرهقة والمذلة في آن .

يقرر ذلك المواطن، عن طيب خاطر أن يتوقف عن اللحاق بقطار شريط تلك الصور أو حتى الالتحاق به، ويختار عوضاً عن ذلك أن يبث هموم المجتمع الديمقراطي الذي ما يزال يبحث عن أشكاله البسيطة ومقوماته البدائية، كي يبثها في صفوف قواه الديمقراطية، لأنها الوحيدة التي يأمل منها أن تسمعه متحاشياً أن يصدم بالصد ويصاب بالإحباط. يريد هذا المواطن لهمومه الديمقراطية أن تكون هموماً وطنية عامة، لكنه يريد لها، وبكل إصرار، حتى وهي في إطارها الوطني أن تتسربل بحلتها الديمقراطية، التي تميزه، ومن ثم تميزها، دون أي استعلاء، عن الآخرين.

أول تلك البنود على قائمة الهموم، هي دعوة التيار الديمقراطي إلى الابتعاد عن اجترار موضوعات يدرك الجميع أنها ليست الأكثر أهمية في هذه المرحلة، نظراً لكون موازين القوى لا تسمح بإحداث أي تغيير فيها. نضرب مثالاً على ذلك، قضايا مثل الدستور أو الدوائر الانتخابية. فالمواطن، وبحسه السياسي البسيط يدرك أن هذه القضايا مهمة ولا ينبغي السكوت عليها أو غض النظر عن انتهاكها، لكنه يرى، وبحسه البسيط أيضاً، أن هناك ما هو أهم منها وأشد إلحاحاً، وأكثر واقعية للتحقيق، مثل طرح البرامج الانتخابية للقوى الديمقراطية، ومناقشة الخلافات الثانوية بينها وبحث إمكانيات تقليص هوامش تلك الخلافات. الهم الديمقراطي هنا هو التحديد الصحيح لسلم الأولويات أكثر من أي شيء آخر.

ثاني تلك الهموم، وفي سياق الهم الأول، هو الخوف من عدم قدرة فصائل التيار الديمقراطي على رؤية تلك التحولات السياسية، مهما كانت طفيفة، أو حتى هامشية، وربما تجميلية، التي طرأت على جسم السلطة السياسية. والإصرار على التخندق وراء المقولات القديمة، التي كانت صحيحة ابان مرحلة «قانون أمن الدولة». لا يريد المواطن أن يغرق في التفاؤل ويرى الصورة زاهية كما تحاول أن ترسمها السلطة التنفيذية، لكن في المقابل، لا يمكن إهمال ذلك الطيف من الألوان الأخرى، والإصرار على رؤية الصورة سوداء بشكل كامل. الهم الديمقراطي هنا هو استمرار تلك الفصائل في إهمالها لتلك المساحة الرمادية ورفض العمل على الاستفادة الاستراتيجية منها لتوسيع هوامش المكتسبات التي حققها شعب البحرين بفضل نضالات قواه الوطنية، وفي المقدمة منها فصائل التيار الوطني الديمقراطي.

ثالث تلك البنود هو الخوف الذي يصل إلى درجة الهلع، من فشل فصائل التيار الوطني الديمقراطي في التخلص من إرثها السياسي الماضي الذي نظم العلاقات فيما بينها، وتخندق كل فصيل منها وراء متراسه القديم، بعد أن يطلي جدرانه بعبارات معاصرة. حينها سيحل التاريخ مكان المعاصرة، وستجني الفصائل، دون استثناء، تبعات ذلك التاريخ المحنط، عوضاً عن ثمار المستقبل القادم. إن إصرار أي من تلك الفصائل، دون الحاجة للتسمية فجميعها مسئولة أمام هموم ذلك المواطن، على الالتفات المستمر نحو الخلف، ورفضها، بوعي أو بدون وعي، على النظر نحو الأمام، يعني فيما يعنيه، أنها تخطط للماضي، بدلاً من أن تبني للمستقبل. الهمم الديمقراطي هنا، هو أنه بينما السلطة التنفيذية وقوى معارضة أخرى، تعيد بناء صفوفها على أسس جديدة تتناسب وطبيعة المرحلة الحالية والمقبلة، تصر فصائل التيار الديمقراطي على العمل بذهنية الفترة الماضية الأمر الذي يضعها في متاحف التاريخ بدلا من مصانع المستقبل.

رابع تلك البنود هي تشوه صورة خارطة التحالفات بين القوى السياسية، وتحديداً فصائل التيار الديمقراطي المختلفة، فحتى يومنا هذا ما تزال أوراق تلك الفصائل تخلط في غرف مغلقة، بعيداً عن مشاركة الكثيرين ممن يهمهم واقع ومستقبل هذه الفصائل. ويأمل هذا المواطن أن يتم ذلك بالشكل الصحيح، ووفق المعادلات المطلوبة. وهموم المواطن هنا بسيطة ولا تريد أن تتجاوز مرحلة الانتخابات البرلمانية والبلدية القادمة. سيرتاح هذا المواطن كثيراً فيما لو رأى قوائم موحدة، لكنه سيصاب بانتكاسة، إذا رأى القوائم تتصارع، وقد تتطور تلك الانتكاسة إلى انهيار كامل إذا رأى خرائط التحالفات الانتخابية متناقضة تتصارع. فليس في صالح الفصائل بالمعنى العريض لتلك المصالح، أن تصل الأمور إلى هذه النهايات. الهم الديمقراطي هنا هو الخشية من تصادم تلك الفصائل بشكل لن يستفيد منه أحد سوى أعدائها ومنافسيها، وستكون هي، بالمعنى الشامل للكلمة، ومن ورائها المواطن العادي، الخاسر الأكبر في هذه العملية.

خامس تلك البنود هو الخلط بين التحالفات بين فصائل التيار من جهة، ومن هم خارجه من جهة ثانية، وبين تلك التي ينبغي أن تتم بينها. هنا يصر المواطن على أن تعطى الأولوية للبناء الداخلي، الذي يتمنى هذا المواطن أن يكون قادراً على نسج الوشائج الداخلية المتينة، التي تبيح له الدفاع عن جسم هذا التيار المقصود من قوى كثيرة أخرى خارجه، بما فيها تلك التي قد تبدو أنها جزءاً من خريطة تحالفاته. الهم الديمقراطي هنا أن تسيطر الأوهام أو الحسابات غير الدقيقة على فصائل التيار الديمقراطي، فتدفعهم جميعاً إما في معارك وهمية خارجية أو معارك طاحنة داخلية، تنهك فيها قواه وتشل حركته وتحوله إلى لقمة سائغة في أفواه الأعداء، بل وحتى من يبدون أنهم في خانة الأصدقاء أو الحلفاء.

باقة هموم يبثها مواطن لن تكون هناك لحظة أسعد في حياته، من تلك التي يرى فيها خطوات فصائل العمل الوطني الديمقراطي منتظمة متناسقة، وتسير نحو أهدافها الصحيحة، بدلاً من الحالة التي هي عليها الآن حيث أقدامها متداخلة، وخطواتها متعثرة، وتحالفاتها متضاربها، إن لم تكن متناقضة.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2829 - الجمعة 04 يونيو 2010م الموافق 21 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 8:19 ص

      شكرا للكاتب وللمشاركين

      نشكر للكاتب الكبير جهوده الحثيثة في رفعة ورقي الحضارة الثقافية ونحن إذ نعقب بأن الفترة تلك محصت الحبيث من الطيب وإن الإغفال عن الأخذ الأمور بشىء أكثر من الجدية دفع بظهور وجوه جديدة كانت ضمن الناس الذين يعيشون البيات الشتوي أو من فصيلة الذين لا يرتفع الدم في رأسهم في وقت قياسي وتأخروا عن الإنتاجية والجدية

    • زائر 4 | 5:51 ص

      خالد الشامخ: لا ديمقراطية تتحالف مع طائفية

      لا أمل لمن يدعي تمثيل التيار الديمقراطي طالما كان تابعاً للطائفيين و سيكتشف بعد فوات الاوان الوهم الذي ضيع السنوات طمعاً بفتات موائد الظلاميين.

    • زائر 3 | 5:37 ص

      الى متى

      من بين كل هذه الهموم هناك هم واحد جدير بكل الناس والمهتمين والمسؤلين وكل القوى المحلية بل والإقليمية الالتفات إليه والتركيز عليه وهو التميز الذي خلف 50000 عاطل و45000 ينتظرون السكن وجعل غالبية المواطنين تحت خط الفقر مقابل أجانب يعيشون في بحبوحة من العيش بينما يشقى أهل البلد

    • زائر 2 | 12:08 ص

      يجب دراسات حالات الرصد ووضح الحلول الجدية

      من خلال حالات الرصد للذين يحلقون خارج السرب لاحظنا الأتي : 1)اضطراب التواصل مع المجتمع لغوياً وغير لغوياً ، 2)اضطراب التفاعل الإجتماعي و3) إضطراب القدرة الإبداعية والقدرة على التخ واضحا في صغار الموظفين الذين منحوا وظائف أكبر من قدراتهم حيث يعانون من مشاكل كبيرة في اللغة والتخاطب ، بالإضافة إلى مشاكل سلوكية مثل عدم القدرة على المشاركة مع الآخرين كما أنهم ينفعلون ويغضبون عندما يبادر الآخرون بإقتراح الأساليب الجديدة في تطوير العمل مع تحيات Nadaly Ahmed

اقرأ ايضاً