العدد 2829 - الجمعة 04 يونيو 2010م الموافق 21 جمادى الآخرة 1431هـ

دروس من خليج المكسيك

مجيد جاسم Majeed.Jasim [at] alwasatnews.com

.

يوماً بعد يوم تتجلى فيه الآثار البيئية المدمرة لتسرب كميات هائلة من النفط الخام من أعماق سحيقة في خليج المكسيك لتطفو على السطح ومسببة كارثة على جميع المستويات ومهددة للتنوع البيولوجي وسواحل خلابة لعدة ولايات في أميركا. هذه الجريمة بحق البيئة تقوم محطات التلفزة العالمية بتغطية فصولها المتعددة بصورة يومية بل ومحتلة سبق الأولوية في قائمة نشرات الأخبار.

كمهندس كيميائي لابد لي من توضيح بعض الحقائق لعدة تحديات تواجهها الشركة النفطية العملاقة بريتيش بترولويوم بسبب هذا التسرب المفاجئ بعد حادثة انفجار المنصة النفطية العائمة. أولاً، الكثافة النوعية (specific gravity) للنفط الخام أقل من الكثافة النوعية لماء البحر ولهذا السبب يطفو النفط الخام على سطح البحر ومن ثم تحمله الأمواج الى السواحل. ثانياً، بسبب عمق البئر البترولي والذي يصل الى 1500 متر تحت مستوى البحر فإنه وبحسبة بسيطة فإن الضغط في ذلك العمق يصل الى أكثر من 145 ضعف ضغط الهواء الجوي ما يؤدي الى صعوبات تقنية بالغة لنقل المعدات اللازمة لغلق هذا التسرب وهذا يفسر إرسال غواصات مجهزة بتكنولوجيا الرجل الآلي والذكاء الاصطناعي الى أعماق لم تطأها قدم الإنسان.

لمعرفة بعض خفايا الأمور لابد من محاولة معرفة أسباب توجه الشركات النفطية الغربية الى استثمارات مالية هائلة لاكتشاف المكامن النفطية في تلك الأعماق وبالتالي استخدام مكنونات العقل الإنساني لحفر هذه الثقوب؟ هذا السؤال قد يبدو بعيداً عن التوجه البيئي للمقال، لكن حسب رؤيتي فهو الأساس؛ لأنه يربط بين الأضلع الرئيسية لمفهوم التنمية المستدامة: الاقتصادية، البيئية، الاجتماعية. الأمن الاقتصادي للولايات المتحدة يعتمد على استهلاك الطاقة النفطية حيث يبلغ الاستهلاك اليومي 21 مليون برميل لكن الآبار النفطية المحلية لا تضخ أكثر من 6 ملايين برميل وبالتالي فالأمن الاقتصادي يعتمد على استيراد مصادر الطاقة الأحفورية من الدول الغنية بها لذلك فقد شجعت الإدارات الأميركية الشركات المتعددة الجنسيات مثل الشركات النفطية على التنقيب في أماكن غير تقليدية مثل قاع خليج المكسيك.

الضلع البيئي في مفهوم الاستدامة في هذه القضية قد أصيب في مقتل لأن عملية التطوير التي قامت بها الشركة البريطانية لبت حاجة الحاضر - الكشف عن مزيد من النفط - لكن بسبب التدهور البيئي المصاحب لهذه القضية فإن هناك مساساً بحاجة الأجيال القادمة بسبب الأضرار المستعصية لهذه الكارثة.

هل هناك خوف من تكرار آثار هذه الحادثة في منطقة الخليج؟ لمحاولة الإجابة، فإن أولاً لابد من الاتفاق على أن طبيعة هذه المنطقة تختلف. فعلى سبيل المثال، متوسط العمق في الخليج لا يتجاوز 36 متر مما لا يستدعي الحاجة الى استخدام تكنولوجيات معقدة.

لكن هناك الكثير من الدروس التي يمكن الاستفادة منها من هذه الحادثة بالإضافة الى تساؤلات من المواطن الخليجي. في حال حدوث تسرب نفطي من إحدى الآبار البحرية فهل تقع على عاتق الشركة (الدولة) المسئولية القانونية لتعويض الدول الأخرى في المنطقة لعمليات التنظيف. الخليج عانى في الماضي بسبب حرب الكويت ويقوم العراق إلى الآن بالتعويض عن الأضرار البيئية لكن هل هناك آليات للدول المطلة على الخليج على المطالبة بالتعويضات البيئية. سؤال يحتاج إلى إجابة!

إقرأ أيضا لـ "مجيد جاسم"

العدد 2829 - الجمعة 04 يونيو 2010م الموافق 21 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً